العدد 1055 - الثلثاء 26 يوليو 2005م الموافق 19 جمادى الآخرة 1426هـ

البحرين بعد ثلاث سنوات... إلى أين؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام الماضي، أقيم حفل تأبين للشيخ علي النكاس في ذكرى استشهاده، وحضرت الحفل لأرى مشاعر الشارع على الطبيعة دون مكياج ولا تهويل. في مثل هذه الاحتفالات الشعبية تستطيع أن تستمع لخفقات قلوب الناس البسطاء وتتعرف على مشاعرهم التلقائية. وهناك تلتقي بألوف من أبناء هذا الوطن الموعودين بمستقبل أفضل، وبحياة يشعرون فيها بالكرامة في وطنهم.

أكثر هؤلاء هم من أبناء الرجال الذين عاشوا أيام الهيئة، يتوارثون تاريخ النضال والبحث عن الكرامة في وطن مازال يكابر على منحهم أبسط الحقوق التي تتمتع بها شعوب الأرض المتحضرة. مرض هذا الشعب وعلته وأكبر أسباب متاعبه هو هذا الحنين الدائم للحرية والتطلع نحو السماء.

في احتفال العام الماضي، استطعت أن أنشر بعض ما قيل في احتفال التأبين، حتى اني استشهدت بأبيات شعرية "ساخنة" قيلت عن الشهيد. أما هذا العام فلم أستطع أن أكتب كلمة واحدة مما قيل. كان الوضع متكهربا، وكان الحضور في قمة الانفعال، وكانت الكلمات تتقافز كالحمم، ولم تكن الرقابة بطبيعة الحال تتحمل نشر مثل هذه الكلمات.

في العام الماضي، تطرق المتكلمون لشخصية وسيرة الشيخ العصامي الضرير، الذي اعتلى المنبر خطيبا، يحدث الناس عن سير أعلام كربلاء، وانتهى سجينا سياسيا في منتصف التسعينات، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في زنزانة صغيرة بالعنبر الغربي في سجن المنامة، في مثل هذه الأيام من فصل الصيف قبل ثمانية أعوام. أما هذا العام فلم يتطرق أحد إلى سيرته إلا لماما، فهناك ما غطى عليها من هموم متجددة على الساحة.

في العام الماضي كان الناس لايزالون يشعرون أن بإمكانهم عقد اجتماع عام يتحدثون فيه عن قضية تخصهم، أما هذا العام فيحس الجميع ان هناك محاولات محمومة تبذل لكبت أنفاسهم وتكميم أفواههم وتجريم اجتماعاتهم، وإصدار القوانين التي تذكرهم بكابوس "أمن الدولة" وما جرى تحت عباءته من فظاعات طوال ثلاثين عاما. فظاعات ابتدأت بالتضييق على الأندية حينها وانتهت بالقتل في السجن أو إطلاق الرصاص في الشارع ومداهمات المنازل.

العام الماضي، جرى الاحتفال في الهواء الطلق، أما هذا العام فقد جرى داخل مسجد بالبلاد القديم قرب منزل الشيخ الشهيد، وكان حديث الناس ما آلت إليه الأوضاع السياسية الحاضرة، وما جرى من تصعيد واتجاه نحو العنف في معالجة الأزمات العالقة في البلد.

الناس اليوم وهم يناقشون همومهم، وفي وسط الإحباط السياسي العام، عادة ما يترحمون على الشيخ الجمري المشلول الملقى على سريره في عالم بين الحياة والموت، فإذا ضاقت بأحدهم السبل ذهب إلى إحدى المقابر، ليجلس على قبر أحد شهداء "الانتفاضة" الأربعين، ليبكي أحزانه، ويستحضر ما آل إليه الوضع من تضييق وتراجع وقتل لما تبقى من آمال.

الوضع في البلد لا يسر الصديق، فهناك احتقانات، وهناك أزمات، وهناك مشكلات معلقة تنتظر البحث عن حلول واقعية، وهناك نفق طويل آخره مسدود، وبارك الله في الوزيرة التي رفعت شعار: "لا حوار"، لتقضي على ما تبقى من آمال بالخروج من المأزق الحالي.

وإذا كنا ننتقد موقف الحكومة المتشدد الذي يدفع بالأمور إلى الهاوية، فإن بعض النواب من أصحاب الأفق الضيق أيضا شاركوا في تأزيم الوضع أيضا، بتغليبهم النزعة الفئوية على مصالح الوطن العليا، حين مرروا "قانون الجمعيات"، وعندما تكلمهم يقولوا: "إنهم لا يعترفون بنا"، وكأنها عملية "ثأر شخصي"، وليس مستقبل بلد ومصير شعب، يتلاعبون به كيفما شاءوا.

لعله سوء فهم، ولعله تخلف سياسي، ولكنه بكل تأكيد ينم عن قصور في قراءة تاريخ هذا البلد، وجهل بهذا الشعب، الذي ما فتئ يكافح من أجل لقمته وكرامته. ومن سوء حظ أي شعب أن يتصدى لتمثيله أشخاص يثبت مع الوقت قصورهم عن مجاراة طموحاته وتطلعاته المشروعة. شئنا أو أبينا، هذا الشعب شعب مسيس، يتمتع بنسبة تعليم عالية، ومتابع حريص لشئون السياسة، لم يعرف بضيق الأفق. قلبه في فلسطين، ما زالت رسومات ناجي العلي تبكيه. الشاب في هذا البلد يتعلم الدروس السياسية الأولى من على مقاعد المدرسة الثانوية، وينخرط في الأنشطة العامة قبل أن يخط شاربه. وعلى رغم المتاعب التي تجلبها السياسة في بلادنا، إلا أن هذا الشعب لم ييأس من أن يأتي يوم يعيش فيه مرفوع الرأس، محفوظ الكرامة، ولا يعود يشعر بالغربة في وطنه.

الوضع اليوم لا يسر الصديق، والشارع محتقن، والأزمات مازالت تعالج عن طريق "البندول"! وفي آخر الفصول، تتم مقايضة مستقبل هذا الشعب وقواه الحية، بشيء صغير اسمه "بونس"، 200 دينار مقابل حرية التعبير... أي حصاد هزيل هذا أيها النواب؟ وأي فخ تقاد إليه البحرين مغمضة العينين0؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1055 - الثلثاء 26 يوليو 2005م الموافق 19 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً