العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ

التمكين السياسي للمرأة... بين وطأة التاريخ وتجارب الحاضر

عفاف الجمري comments [at] alwasatnews.com

مفهوم التمكين لغة: جعله قادرا على الشيء: "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض" "يوسف: 21"، و"إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا" "الكهف: 14"، أي جعلنا له في الأرض تمكنا وتصرفا. واصطلاحا: إيصال المرأة إلى مواقع اتخاذ و صنع القرار. وأنواعه: السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي أو الفكري. فلماذا التمكين السياسي للمرأة؟

باعتبار أن المرأة و الرجل متساويان في الإنسانية، والتمكين حق لمن تتوافر فيه شروطه: "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" "آل عمران: 195".

ومن معوقات ذلك التمكين الظلم التاريخي الواقع على المرأة باعتبارها الأضعف جسديا، والناس غالبا ما يميلون للظلم وعدم الإنصاف، فصاحب القوة غالبا ما يظلم الأضعف منه، وهذا ما يسري على كل المستويات. وأفرز الظلم أعرافا وعادات وثقافة مجتمعية سائدة على مر العصور، وشوه المفاهيم وصبغ حتى عقلية النساء أنفسهن حتى أصبح هذا الواقع كأنه هو الحق والعدل. وتسلل هذا التمييز التاريخي حتى إلى فهم النصوص الشرعية وخلق مفاهيم مزدوجة، فمن ناحية فاطمة الزهراء "ع" شخصية مقدسة لدى الشيعة على رغم أنها امرأة، ولكن ما يتعلق باحترامها لا ينسحب على بقية النساء، فنصيبهن التمييز وكأنها ليست هي النموذج المحتذى. وبالمثل السيدة عائشة أم المؤمنين "رض" امرأة مقدسة لدى السنة، ولكن ما لها ليس لبقية النساء.

على طريق التمكين

بيد أنه تنامت حركة الوعي بشأن حقوق المرأة في القرن العشرين وخرجت حركات نسوية كثيرة في العالم، وحصلت المرأة على مكتسبات ووصلت إلى مواقع صنع القرار في الكثير من البلدان، وتسلل ذلك إلى القوانين الوضعية حتى بزغ اتفاق إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" العام ،1989 الذي وقعته الكثير من الدول بما فيها مملكة البحرين العام .2002

وحتى على مستوى فهم النصوص الشرعية، ببركة بقاء باب الاجتهاد مفتوحا فقد ظهرت طروحات متقدمة جدا تتناغم مع روح القرآن وتنسجم مع الفطرة، وظهرت تطبيقات متقدمة أيضا، وإن كانت لاتزال جميعها لا ترقى للطموح الأمثل. فرأينا المرأة بعد الثورة الإسلامية في إيران تدخل مجلس الشورى ومجلس الخبراء، ورأيناها مستشارة لأعلى رأس في الجمهورية "الولي الفقيه"، مثل معصومة ابتكاري، وحتى في الألعاب الرياضية فيما يسمى بـ "معاونية الرياضة النسوية". ورأيناها في سلك القضاء مستشارة في المحاكم، ولكنها لم تصل لرئاسة الجمهورية.

على مستوى الحركات والأحزاب الإسلامية حدث تقدم أيضا، فدخلت مجالس الإدارة مثل حياة المسيمي في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، ورباب الصدر بالنسبة إلى مشروعات السيدموسى الصدر، أما في البحرين فقد دخلت في مجلس إدارة المنبر الوطني الإسلامي امرأتان هما: هيفاء أحمد وجيهان محمد، وتم اعتمادهما للترشح للانتخابات المقبلة. وفي مجلس إدارة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية دخلت سكينة العكري، وطبعا فإن هذا التقدم لا يعني أن العوائق زالت، بل مازالت هناك المفاهيم التقليدية ورموزها وحرسها هم الغالبون، وإن كان دستور البحرين الأول "دستور 73" والثاني "دستور 2002" لم يفرقا بين المرأة والرجل، وأعطياها حقوقها كاملة في الانتخاب والترشح. وتم تعيين نساء في مناصب قيادية "وزيرة الصحة ندى حفاظ، ووزيرة الشئون الاجتماعية فاطمة البلوشي"، أو بمنصب وزيرة "الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة لولوة العوضي" أو سفيرة "هيا الخليفة"، وتم تعيين نساء في مجلس الشورى بنسبة 10 في المئة في العام 2001 ارتفعت إلى 15 في المئة العام .2002

أما في الجانب الشعبي فإن كفة الصراع بين التقليدي والجديد مازالت مائلة لصالح التقليدي، فعندما تقدمت مجموعة من المرشحات للانتخابات البلدية والنيابية العام 2002 لم تفز أية واحدة في البلدية من مجموع 31 امرأة، واستطاعت اثنتان فقط الانتقال للجولة الثانية في النيابية "من أصل ثماني مترشحات"، ومع ذلك لم تفوزا.

ويمكن أن نجمل أسباب عدم الفوز في سيطرة النظرة التقليدية للمرأة، وعدم ثقة المجتمع بها نتيجة التربية، وغيرة النساء من بعضهن، "مع عدم انكارنا وجود بعض المترشحات غير الكفوءات وإن كانت غالبية من فاز من الرجال غير كفوئين أيضا!"، إضافة إلى غياب التشريعات الدستورية الداعمة للمرأة في مواجهة التمييز ضدها. فلا يكفي إعطاؤها حقوقها دستوريا وإنما هي بحاجة إلى تمييز إيجابي مؤقت بتخصيص عدد من المقاعد للنساء "الكوتا"، إلى أن تزول عقدة المجتمع تجاه النساء.

الشريعة والتمكين

هناك شقان في هذا المجال: المشاركة السياسية بمعنى الانتخاب؛ والتمكين السياسي بمعنى الترشح للمناصب القيادية والسياسية وتقلدها.

بالنسبة إلى الشق الأول فإن الآية الكريمة: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" "التوبة: 71"، صريحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من الذكور والإناث من باب ولايتهم على بعضهم بعضا من دون تمييز. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أساليبه المتنوعة بتنوع الأزمة، والتي منها الانتخاب والترشح للمقاعد البلدية والبرلمانية ومجالس إدارات الأحزاب... إلخ، وتسنم المناصب القيادية والسياسية وهو ما يشمله الحديث النبوي الشريف: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

وشاركت النساء فعلا مشاركة سياسية واضحة في صدر الإسلام فمن بيعة العقبة الأولى والثانية إلى الهجرة واشتراك النساء في الغزوات ووقوفهن إلى جنب الرجال في كل المنعطفات المهمة.

أما الشق الثاني: أي التمكين بمعنى تقلد المناصب القيادية والسياسية، فإن الأدلة السابقة تشمله أيضا، فالآيات التي تتكلم عن قصة بلقيس ملكة سبأ فيها دروس لا يمكن إغفالها، إذ كانت تحكم قومها الذين يعبدون الشمس، وكان لديها ما يشبه "مجلس الشورى" حاليا، من الخبراء الرجال الذين تستشيرهم في الأمور المصيرية، وعندما جاءها ما يشبه التهديد من النبي سليمان "ع"، استشارت خبراءها، فكان رأيهم الرد بالحرب، استنادا إلى القوة، بيد أن رأيها كان أكثر صوابا وحكمة، فلم ترد أن تجازف وتلجأ للحرب بل فكرت في وسيلة ذكية فقالت: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" "النمل: 34"، وهنا وردت آية تعقيبية تثني على قولها، وهي من النوادر، إذ شهد لها سبحانه برجاحة عقلها التي أنقذت قومها وأوصلتهم بر الأمان. فرأي المرأة هنا كان أكثر حكمة من رأي الخبراء الرجال، فأرسلت هدية نفيسة لسليمان، باعتبار إن كان يحمل رسالة سماوية فلن يقبل هذا العرض الدنيوي، وإن كان ملكا له أطماع دنيوية فسيفرح بالهدية وقد يعقد صلحا، وعندما وصلت هديتها له استاء وقال: "أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما أتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون" "النمل: 36". وأكد ذلك بالمعجزة عند إحضارها ورؤيتها للأبهة التي كان يعيش فيها، فأشهرت إسلامها ولكن بجملة دقيقة تنم عن صفاتها القيادية وعزتها وعلو همتها، فلم تقل: أسلمت خلف سليمان، وإنما وضعت نفسها معه في مرتبة واحدة "وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين" "النمل: 44".

هذه القصة لم يذكرها الله جزافا، بل فيها عبرة عن امرأة جنبت قومها الدمار، إذ تتحدث عن حكمة بلقيس وصفاتها القيادية. بعد هذا كيف يقال إن المرأة لا تصلح للولاية العامة والرئاسة؟ وحتى بالنسبة إلى تسنم المرأة منصب القضاء فقد ذكر المحققون مثل فاطمة علائي والشيخ الآصفي أن كل ما ورد في القرآن بصراحة في القضاء هو تطبيق العدالة وعدم الاحتكام للطاغوت، ولم يشر إلى ذكر أو أنثى. قال تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" "النساء: 58"، أما الروايات التي تحرم على المرأة القضاء فهي إما ضعيفة السند أو الدلالة أو كليهما، والزهراء "ع" مارست القضاء أحيانا، وورد ذلك في تفسير الإمام العسكري "ع"، ويرى الشيخ المفيد والطوسي، وكذلك المجلسي الأول عدم الممانعة، وهم من أساطين فقهاء المسلمين الشيعة، أما الطبري وهو من أكابر الفقهاء المفسرين السنة فهو يرى أيضا عدم الممانعة.

وبالنسبة إلى الولاية العامة فهي غير ممنوعة على المرأة، ولكنها غير واجبة لأنها لو وجبت لكان في ذلك مشقة فهي في بعض الأحيان وخصوصا في الأزمان الغابرة تتطلب القوة الجسدية والخشونة والتحمل الشديد وقيادة الجيوش، وهذا ما لا تقوى عليه المرأة، أما حاليا فلا تتطلب شيئا من ذلك بسبب طبيعة الدول الحديثة من وجود أجهزة مستقلة واقتصار صلاحيات الولي أو الرئيس على إصدار القرارات مع وجود الخبراء حوله، ومجالس الشورى والبرلمانات، فأصبح الأمر ليس صعبا على امرأة كفوءة عقلا. وقد أعطانا القرآن مثالا "بلقيس"، وفي التاريخ الحديث أمثلة ناجحة على تسنم المرأة مناصب طليعية جدا بغض النظر عن انتماءاتهن، مثل أنديرا غاندي، تانسو شيلر، مارغريت ثاتشر، مادلين أولبرايت، غوندليزا رايس، وكل هؤلاء استطعن القيام بأدوارهن على أحسن وجه في مجتمعاتهن من دون أن ينقص أداؤهن عن مستوى أداء الرجال إن لم يكن أفضل حتى لقبت مارغريت ثاتشر بالمرأة الحديد.

إن الفقهاء الحديثين توصلوا لنتائج باهرة بفضل فتح باب الاجتهاد، وعليه ينبغي التأكيد على أن ليس كل ما كان متسالما عليه بين الفقهاء سابقا هو مسلم به وشرعي بالضرورة، بل هي اجتهادات متأثرة بوضع وظروف معينة، وأصبحت متواترة حتى غدت كما لو كانت هي النص الشرعي وليست الاجتهاد الفقهي.

إن النساء في عالمنا الإسلامي يشاركن بكل قوتهن في الثورات، وتدار بهن رحى المعارك بتضحياتهن، ولكن عند انتصار الثورات وقطف الثمار لا يكون لهن نصيب في منصب أو حقوق اجتماعية أو شخصية أو سياسية أعطاها لهن سبحانه. ويبقين دائما رهنا لإشارة العقل الذكوري الجمعي يتنقل بهن من معترك إلى آخر، إلا لنيل حقوقهن، حتى أبسطها. وكل ذلك يؤدلج باسم الشرع.

إن من الفقهاء ذوي الاجتهادات الحديثة مثل السيدمحمد حسين فضل الله، المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الشيخ محمد مهدي الآصفي "الذي يرى جواز تولي المرأة كل المناصب القيادية من وزارة ونيابة في برلمان وغيرهما عدا الولاية العامة"، مهدي المهريزي، وغيرهم الكثير هذا في الجانب الشيعي، أما في الجانب السني فهناك المرحوم الشيخ الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي وغيرهما. ونسب إلى مؤسس حركة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا قوله إن حقوق المرأة السياسية لا يحددها أحد، ولكن الوقت لم يحن بعد لاستخدامها

العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً