أقام مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للدراسات والبحوث أمسية وفاء في ذكرى الشاعر الراحل غازي القصيبي بعنوان (في ذكراك... يورق الغيم فيسرح عند بابك) حضر الأمسية وزيرة الثقافة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ولفيف كبير من المثقفين والإعلاميين ومحبي الراحل وأسرته ورواد المركز.
وفي الأمسية امتزجت كلمات الوفاء والنقد والشعر بكلمات القصيبي نفسه في قلوب محبيه، حيث قدم الشاعر عبدالرحمن رفيع كلمات من الوفاء متجولا في محطات تمثلها شعرا، فيما راح الناقد والكاتب اللبناني عبده وازن يحلّق في سرديات القصيبي ناسجا منها سردية واحدة تعبّر عن سيرة ذاتية يختبئ خلف بطلها القصيبي نفسه خصوصاً في نصه الأخير «الزهايمر»، فيما امتزجت إبداعات كل من غادة شبير بصوت أخاذ وخالد الرويعي بقراءة نافذة للقلب وإيمان حمصي بعزف هرموني في تعانق مع شعر القصيبي وأحلامه الرحبة.
وبكلمات من المحبة صاغ الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع كلمات وقصائد القصيبي الجميلة مستهلا بقصيدة (الصقر محلقات) وهي من القصائد التي يحبها القصيبي .
شارك الأديب اللبناني الناقد عبده وازن حفل تأبين القصيبي، وقال إن الشاعر الروائي غازي القصيبي رحل لكنه ترك لنا مفاجأة جميلة وهي الرواية التي صدرت بعيد وفاته ولم يتمكن من أن يراها مطبوعة، إنها أقصوصة (الزهايمر) التي تتعدى صفحاتها المئة صفحة وتعتبر ثالث ثلاثية سبقها كتابان، وقد أهداها الراحل لقرائه.
وتحمل اسم يعقوب العريان كشخصية رئيسية وهو نفسه اسم بطل الروايتين السابقتين وتشاركه البطلة (روضة)، مشيرا إلى أن هذه الرواية ستظل منارًا لأسئلة القراء لأنها تعتبر من الكتب المهمة جداً التي كتبها القصيبي، وأشار وازن إلى أنها لعبة ذكية التقط القصيبي خيوطها مستعيداً حكاية حب من خلال عين البطلة نفسها بعد وفاة يعقوب العريان.
وأضاف وازن «شاء غازي القصيبي أن تكون روايته الأخيرة (الزهايمر) التي لم يتسنّ له أن يشاهدها مطبوعة والتي تصدر في بيروت خلال أيام، أشبه بوصيته الأخيرة يعرب فيها باختصار عن نظرته إلى أمور طالما شغلته سابقاً وشغلت أبطاله الروائيين ومنها مثلاً: الشيخوخة، الذكريات، الموت، الحبّ، النسيان، الألم... لكنّ هذه الرواية القصيرة التي أصرّ على تسميتها «أقصوصة» كما كتب بخطّ يده، وقد تسنى لي أن أشاهد المخطوط ورأيت كيف أنه خطه بجمال وشغف بخط يده، وأصرّ أيضاً على توقيعها باسمه الكامل: غازي بن عبدالرحمن القصيبي، هي رواية عن الاحتضار الطويل الذي عاشه هو، مستخدماً قناع «بطله» الذي يدعى هنا «يعقوب العريان».
رواية قصيرة ما كاد القصيبي ينهيها حتى رحل، مطمئناً إلى أنها ستحمل إلى قرائه مفاجأة جميلة وحزينة في آن. والرواية، وإن بدت مجتزأة من مشروع الثلاثية التي لم يتمكّن القصيبي من إنجازه كما كان يحلم به، قد تكون من أعماله الفريدة جداً لسبب واحد هو طابع الشهادة الذي يسمها. إنها شهادة القصيبي على أيام المرض والعلاج، لكنّ كبرياءه أو كرامته حالت دون أن يمنح هذا النصّ صفة السيرة الذاتية فاختبأ خلف بطله «يعقوب العريان» ليسرد وقائع المرض والعزلة والمعاناة اليومية. ولم يكن اختياره مرض «الزهايمر» الذي أصاب بطله يعقوب إلا هروباً نحو النسيان الذي يجعل الحياة شريطاً واهياً من الذكريات المتداخلة».
وبكلمات الفقيد التي ترددت قراءة وشعراً وغناءً، تغنت الفنانة غادة شبير والفنان خالد الرويعي بقصيدة (أتذكرين) للراحل القصيبي، ومقاطع من قصائد أخرى بمشاركة في العزف على آلة القانون من إيمان حمصي.
وعلى هامش الأمسية تم تدشين كتاب (غازي القصيبي.. في ذكراك.. يورق الغيم فيسرح عند بابك) وهو من إصدار مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والتراث، وإعداد خالد الرويعي، يتضمن ذكريات الراحل في مملكة البحرين والفعاليات الثقافية التي شارك فيها، وحديث أهالي البحرين عنه.
وبهذه المناسبة أشارت وزيرة الثقافة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في كلمتها التقديمية للإصدار انه حين تتتابع الأفكار وتتضارب، يصعب الإمساك بها وتطويعها لينتظم سير الكتابة، ولاشك أن صعوبة ذلك طبيعية حين يتطلب الأمر الكتابة عن رمز بحجم وتأثير وقرب غازي القصيبي، فتفر الحروف وأحاول تطويعها ولن أكتب جديداً فما كتب وما سوف يكتب كثير..
لكن تبقى مساحة صغيرة خاصة لكل من اقترب منه وتأثر به وإن لم يكن التواصل إلا من خلال الأفكار.
وتابعت فالمرات التي التقيت بالقصيبي قليلة، فكان لقائي الأول به مبكراً مع أول ما قرأته له، وحفظت من شعره قصيدة منشورة في مجلة (هنا البحرين) يقول فيها «لم أحلم».
وأضافت الشيخة مي أن الحلم بقى عنوانا وبقى عنونا آخر (قصيدة أعجبتني) وكان موضوعا من مقررات حصة التعبير في دروس اللغة العربية، وكانت (الأطلال) قصيدة إبراهيم ناجي هي ذاتها ما اختاره القصيبي عنوانا لمحاضرة قدمها في البحرين في الثمانينيات. لم أحضرها ولكن المكالمات حدثتني عنها وخاصة من تلميذات الصف الإعدادي الثاني اللواتي تذكرن العنوان والقصيدة ذاتها. فكانت فرحتي باختيارك لها لا توصف.
وذكرت الشيخة أن المحطة الأخرى هي رسالة بعثتها إلى الشاعر السفير آنذاك وكان حينها في لندن وكانت له أشجع المواقف وأنبلها أثناء اجتياح الكويت، مضيفة بأن «ابرز المحطات هي زيارة القصيبي للمركز الذي يحتفي بذكراك اليوم وتزامنت الزيارة مع فترة مهمة وحرجة حين كان الانسحاب ضرورة موقفاً كان حضورك دعماً وكان تفسيرك مقنعاً..
وكانت نبوأتك صادقة»! أما أجمل المحطات فأوضحت الشيخة مي بأنها آخر مرة التقت به يوم زيارته لبيت الشعر بعد افتتاحه بأيام «ولن أنسى تعليقك حين التفت قائلا إلى العزيزة (سيغريد): (بعد وفاتي أعطي (مي) أوراقي ومراسلاتي لتحفظها ويضمها بيت مثل بيت العريض».
«ولن أعدم الوسيلة لتحقيق هذه الوصية وهي أقل ما أستطيع ..
فتعبيري عن الحب لا يأتي بالدموع ولا بالكلمات..
أدواتي الوحيدة هي البناء وسوف يحمل اسمك الكبير موقع قرب (بيت الشعر) في مدينتك التي لاح ضوؤها فغنيت لها، في المنامة حيث كانت لك محطة مبكرة وحيث كل زاوية فيها وكل بقعة في هذا البلد وفي هذا الخليج تحبك ولا تنساك» .
العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ