العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ

الالتزام بالقيم والدستور... «لولا» مثالاً

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في عالمنا العربي يسود الطرح السياسي القائل بأن الدستور يجب تغييره... وللغرابة، فإن الحاكمين والمحكومين - بصورة عامة - يتفقون على هذه المقولة. فالحكام في عدد من الدول العربية يطالبون بتعديل مواد الدستور - ويباشرون بتعديلها - لضمان تمديد الفترات الرئاسية أو لضمان استمرارية الحكم في إطار محدد مسبقاً. والمعارضون يقولون إن المواد الدستورية تقيد الحريات ويجب تعديلها لتتسق مع المواثيق الدولية. ولحد الآن فإن طرف الحكم في البلاد العربية هو المنتصر لأسباب كثيرة.

في بلدان أخرى تجري الأمور في سياق إنساني مختلف. ففي التسعينيات من القرن الماضي برزت شخصية «نيلسون مانديلا» لتقول للعالم أجمع وللتاريخ إن بإمكان من يصل للحكم أن يلتزم بالقيم والمبادئ التي رفعها، وألا يغير دستوراً، وإنما يلتزم به، ويسلم الحكم لمن يأتي بعده والبلد متصالح مع تاريخه، وأطراف المجتمع متصالحة، والوضع أحسن حالاً من ما سبق. ولعل الكثير اعتقد بأن مانديلا كان «فلتة» من فلتات التاريخ لا تتكرر. ولكننا نجد أن شخصاً آخر يدخل التاريخ حالياً بمستوى مماثل لنيلسون مانديلا، وهذا الشخص هو الرئيس البرازيلي الحالي «لويس ايناسيو لولا دا سيلفا»، واسمه المختصر «لولا».

«لولا» هو الرئيس الخامس والثلاثون للبرازيل - عمره حالياً 65 عاماً - ولد من عائلة فقيرة جداً، وتركه أبوه مع أمه وإخوانه وأخواته (وكان سابع الأطفال من بين ثمانية) وكان عمره أربع سنوات، وكان أمياً حتى العاشرة من عمره، وبدأ يعمل من أجل الكد على أمه وعائلته وهو في الثانية عشرة من العمر، وخسر الأصبع الصغير في يده اليسرى في حادث أثناء العمل عندما كان عمره 19 سنة، وانضم إلى العمل النقابي، وأصبح رئيساً لنقابة عمال الصلب في العام 1975.

وفي العام 1980 أسس مع آخرين «حزب الشغيلة (العمال) البرازيلي»، ورشح نفسه للانتخابات الرئاسية في 1989 (بعد انتهاء حقبة الدكتاتورية العسكرية التي دامت 29 عاماً) ولكنه لم ينجح... لكنه فاز في انتخابات العام 2002، وأصبح رئيساً للبرازيل في 1 يناير/ كانون الثاني 2003. ونجح مرة أخرى في انتخابات 2006 لفترة ثانية، وهذه الفترة تنتهي في1 يناير 2011، وأعلن أنه سيسلم الرئاسة لمن يأتي بعده، رغم أنه لو طلبها حالياً لصوت الشعب البرازيلي لذلك لكثرة حبهم له.

في سنوات رئاسته الثماني، شهدت هذه الفترة انتقال البرازيل من دولة ضعيفة إلى دولة قوية، وشهدت صعود البرازيل على المسرح العالمي، ضمن أربع دول كبرى جديدة يطلق عليها حالياً مصطلح BRIC وهي الحروف الأولى للبرازيل، روسيا، الهند، والصين. والفرق بين البرازيل والأخريات، أنها تشترك مع الهند في كونها ديمقراطية، ولكنها لم تتورط في سمة الفوضى التي تشوش المشهد الهندي بين الفترة والأخرى.

«لولا» أيضاً بدأ يلعب دوراً بارزاً في التطورات الأخيرة في العلاقات الدولية، وسافر إلى أكثر من 80 بلداً خلال فترة رئاسته، وطرح مبادرات مختلفة عن ما هو معتاد، كما حدث مع البرنامج النووي لإيران، ومتغيرات المناخ والاحتباس الحراري... ووصفته مجلة «التايم» الأميركية بأنه «رجل ذو طموحات جريئة لتغيير ميزان القوى في العالم»، كما وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما «السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض».

ولو كان «لولا» في بلد عربي لأعلن عن تغيير الدستور ولمدد رئاسته، ولكنه أعلن تقاعده هذا الأسبوع وأنه سيتنحى عن منصبه بعد قضاء ثماني سنوات مميزة وناجحة في منصبه، وشعبيته حالياً تحظى بدعم 80 في المئة من البرازيليين بحسب استطلاعات الرأي.

ويوم أمس الأحد (3 أكتوبر/ تشرين الأول 2010) أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البرازيل (انتخاب الرئيس الجديد الذي سيتسلم الحكم من «لولا»، وانتخاب 27 حاكم ولاية، و513 لمجلس النواب، و81 سيناتوراً - الانتخاب النصفي لمجلس الشيوخ- و1059 عضواً في برلمانات الولايات المختلفة التي تتكون منها البرازيل). فوق كل هذا، وقف «لولا» مبتسماً وسعيداً لعظمة بلاده ولالتزامه بقيمه ومبادئه ولعدم انجرافه نحو منزلقات تهلك السياسة والحرث والنسل، وبذلك يخرج لنا رجل عظيم آخر، ربما يكون «مانديلا القرن الحادي والعشرين».

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 32 | 7:45 ص

      شكرا ايها الرئيس لولا

      بسم الله الرحمن الرحيم والله الواحد يستحى ويخجل عندما يقرا ويشاهد التطورات فى البلدان الخرى لاتى لم تكن بالرزة دوليا كالبرازيل لكن بفضل هذا الرجل اصبحت دولة معروفة واخرها الوساطة بين ايران والدول الغربية ......

    • زائر 31 | 1:17 م

      عشت يا لولا دا سيلفا

      ثمانية سنوات كانت كافية لكي يجعل البرازيل في مصاف الدول العظمى اقتصاديا و سياسيا وأن يعطي درسا عظيما في ممارسة الديمقراطية على الأرض الواقع. لذلك ترجمة و العمل بالديمقراطية ليس بالشيئ المستعصي ولكن يتطلب الأرادة التي دائما ما نفتقدها في بلداننا. أتمنى لو تخلى بعض المترشحين لأنتخابات المجلس النيابي بعد مرور 8 سنوات من تواجدهم في المجلس دون أن يحركوا ساكناً.

    • مدرس ثانوي 1 | 5:10 ص

      مدرس ثانوي

      مقال ولا اروع ، الله يوفقك يا دكتور ، نشكرك جزيل الشكر على هذا الجهد المبذول من أجل رقي وطننا .
      سير على بركة الله يا دكتور ، الله يوفقك أنت و الأشراف أمثالك .

    • زائر 22 | 3:24 ص

      باحك ورد يا دكتورنا

      مقال قوي ويسلم بؤك على قولة المصريين جاي في الصميم تسلم يابن الاكارم تسلم يابن الجمري

    • زائر 20 | 3:03 ص

      يعطيك العافية دكتور ...

      ياريت يعمل ولو بجزء بسيط من النماذج التي ذكرتها !!!! فهؤلاء نماذج حقيقة للديمقراطية والتواضع والحب للشعوب !!

    • زائر 19 | 2:48 ص

      يجب أن تكون مواد الدساتير واضحة لا لبس فيها

      الدساتير هي المراجع والقوانين واللوائح التي على ضوئها تحكم الأمصار والبلدان وهي امور توافقية ويجب ان تحظى بقبول الجميع ويجب أن تكون من الوضوح بحيث لا يداخلها اللبس والإشكالات كما هو حاصل في بعض القوانين كل يفسرها حسب ذوقه. يجب أن تكون الدساتير واصحة جدا ولا يوجد بها من الأمور الملتبسة والكلمات الغير واضحة والتي تحمل أكثر من معنى وأن لا تكون كلماتها مطاطية تقبل حتى لا يكون فيها مجال لمن يريد اللعب عليها

    • Ebrahim Ganusan | 1:36 ص

      العظماء لاتصنعهم الأحزاب والأعلام المزيف للحقائق

      بل الشخصية التي لها شعور حي ببني البشر , الشخصية التي تجنح نحو تغيير نابع من ضمير يتحمل المسؤلية والعظماءليسوا حكرا على حزب أو ديانة او دولة معينة,,,,,,, هناك الماهتما غاندي ونيلسون منديلا ولولا تيشي جيفارا الام تيريزا ووووو ,,,, العظمة تتجلى بطهارة الضمير ,,,,,,,,,,, والله عز وجل يقول في كتابه المجيد :إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم

    • Ebrahim Ganusan | 1:36 ص

      العظماء لاتصنعهم الاحزاب ولا الأعلام المزيف للحقائق

      بل الشخصية التي لها شعور حي ببني البشر , الشخصية التي تجنح نحو تغيير نابع من ضمير يتحمل المسؤلية والعظماءليسوا حكرا على حزب أو ديانة او دولة معينة,,,,,,, هناك الماهتما غاندي ونيلسون منديلا ولولا تيشي جيفارا الام تيريزا ووووو ,,,, العظمة تتجلى بطهارة الضمير ,,,,,,,,,,, والله عز وجل يقول في كتابه المجيد :إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم

    • زائر 16 | 1:28 ص

      شمس الشموس

      صباح الخير .
      يجب أن يطبق هذا النهج على كل المستويات . أقصد جميع المؤسسات الخاصة و العامة صغيرة كانت أو كبيرة

    • الحقيقة المرة | 1:14 ص

      رئيس حتى اموت

      يا دكتور العرب اول ما يوصل الى الكرسى يحمل شعار فى جيبه مستحيل يترك الكرسى ... ومكتوب عليه رئيس حتى الموت بس فى بعضهم اخدتهم الشيخوخه قبل الموت وناس قتلوهم قبل لا يموتون موته طبيعيه .... بس اهم الشى الموت ولا ترك الكرسى .... لذلك مستحيل نتطور

    • زائر 15 | 1:11 ص

      صباحك خير دكتور منور

      صباح لاخير دكتورنا المحترم
      ان في العالم الكثير من لولا والكثير من العظماء والشرفاءالذين غيروا في التاريخ وهم من البسطاء مثل السيد الامام الخميني رحمة الله عليه والسيد احمدي نجاد و غاندي و غيرهم ولكن العرب انتجت السيد حسن نصر الله ونتمنى له النصر المظفر فعند ذلك سيتغير الشرق الاوسط لانتظار الفرج

    • زائر 14 | 1:10 ص

      كل صباح ومقالك أحلى وأقوى

      شكرا دكتور منصور على هذه المقالات القوية والتي تأتي في الصميم .. وليتعلم منك من يدعون الصحافة كيف تكتب مقالا ذو قيمة ..

    • زائر 13 | 12:29 ص

      بين النظرية والممارسة العملية

      إن احترام حقوق الإنسان والتعامل مع الناس بآدمية لا يحتاج إلى دساتير وكلام يكتب على الورق، صحيح أن الدساتير تنظم العلاقة ولها أهمية كبيرة، ولكن ما فائدة أن تمتلك دستورا راقياً من حيث المضمون وفي المقابل لا يوجد من يحترم ما يتضمنه هذا الدستور،

    • زائر 11 | 12:24 ص

      و ما أدراك ما الكرسي

      ,,,,محد يتنازل عنه في جمهوريات مثلا الرئيس يحط ولده بعده بالغصب ,,,,و جمهوريات الرئيس يرشح روحه كل مرة و الشعب مايبيه لكنه يفوز بالتزوير ,,,,,,حتى النواب ((بعضهم )) يرشح روحه للفوز بالأمتيازات و مو خدمة الناس ,,,,,و لامر سمعت عندنه أن رئيس أو وزير رفض الكرسي أو أستقال ,,,,,,,,,

    • زائر 10 | 12:17 ص

      القدوة

      كما أن للأخيار من يحبهم ويقتدي بهم كذلك الأشرار هناك من يجد فيهم القدوة والمثل الأعلى ... اللهم أدم لنا الأخيار وأهلك الأشرار اللهم أمين

    • زائر 8 | 12:03 ص

      ولو كان «لولا» في بلد عربي لأعلن عن تغيير الدستور

      ولو كان «لولا» في بلد عربي لأعلن عن تغيير الدستور ولمدد رئاسته، ولكنه أعلن تقاعده هذا الأسبوع وأنه سيتنحى عن منصبه بعد قضاء ثماني سنوات مميزة وناجحة في منصبه، وشعبيته حالياً تحظى بدعم 80 في المئة من البرازيليين بحسب استطلاعات الرأي.

    • زائر 7 | 11:59 م

      وما ضر لولا ومانديلا وسوار الذهب وغيرهما من الأحرار في العالم ؟

      وما ضر لولا ومانديلا وسوار الذهب وغيرهما من الأحرار في العالم ؟وشعبيتهما تزداد مع الزمن كلما تجدد الزمن وجاد بآخر ذكروا وهلما جرا و الى الأبد، ولابد أن الدنيا تجود ولا تبخل علينا بهذه السلسلة وهذه سنة الله في الكون ؟ وشكرا لك يا دكتور على هذه الاريحية التي اظن انك ورثتها من ذلك الشيخ المجاهد الصبور .

    • زائر 6 | 11:39 م

      سيلفا فيفا دي لولا

      فيفا آمور لاتينوس - الفرق بيننا وبين تلك الشعوب اللاتينية انهم من بؤسهم يعيشون القوة والعنفوان دون كلل وتلك الشعوب لا تعرف للنفاق والانتهازية سمة فى قاموس حياتهم الا وعيتون الفارق - هم مهما عظم شئنهم يبقون انسانيين للانسان لا كما يتمثل عندنا وبمظلة واغطية شتى

    • زائر 4 | 10:58 م

      يا دكتورنا المحبوب ! أن تطلب التغيير من خلال عرض نماذج متقدمة في مجال العدل و مراعاة المصلحة العامة و اليمقراطية الهادفة ، أعتقد أنه أسلوب لا يوصلك للغاية . علينا أن نسلم بأن التغيير في المنطقة العربية نحو الأفضل أمر صعب جداً . وستبقى الشعوب العربية تعيش على هامش الحياة لفترة طويلة جداً لا دخل لها في القرار السياسي أو الاقتصادي أو التربوي أو أي قرار استراتيجي آخر .

    • زائر 2 | 10:21 م

      قالها الفنان الراحل نهاد قلعي

      «إذا أردنا أن نعرف ماذا في البرازيل، يجب أن نعرف ماذا في إيطاليا»!

    • زائر 1 | 10:06 م

      مقال موفق

      هذا الفرق بين الاعلام الحقيقي والاعلام المفبرك الذي لا يعرف أن ينقل لنا تجارب أمم أخرى . ما عندهم غير قال فلان وفضيحة فلان والصحيفة الصفراء والعالم أجمع يعرف المناضلين الشرفاء ويعرف ايضا الفضائح من تقارير وملفات وغيرها من الصحف الصفراء. الله يعينك يا دكتور على هؤلاء القوم ويعطيك مددا سماويا فمقالاتك دائما تبعث الأمل في نفوس الناس فيا ليت قومي يعلمون.

اقرأ ايضاً