العدد 2952 - الثلثاء 05 أكتوبر 2010م الموافق 26 شوال 1431هـ

الدولة وحرية المواطن أولاً وأخيراً

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

طرح الكاتب إبراهيم العريس سؤالاً في مقال نشره بصحيفة «الحياة» الصادرة بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2010، والسؤال كان في عنوان المقال: «ما هو التنوير؟»، وأجاب عليه في العنوان عندما كتب أن جواب السؤال يأتي من الفيلسوف إيمانويل كانط في مقال يعود للعام 1784، يشير فيه إلى أن التنوير هو «الدولة وحرية المواطن أولاً وأخيراً». هذه الأسئلة التي كانت مطروحة في القرن الثامن عشر الميلادي في أوروبا، مهمة بالنسبة لنا، وذلك لأنها حسمت منذ وقت غير قصير في البلدان التي تقود الحضارة المعاصرة، وبما أننا نحاول اللحاق بهذا الركب الحضاري في جوانبه المشرقة إنسانياً، ونتشدق كثيراً (حكاماً ومحكومين) بالدولة القومية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن علينا أن نعود إلى الكيفية التي عولجت فيها هذه القضايا في بداياتها.

الشعوب الأوروبية لديها ما يسمى بـ «القرون الوسطى/ المظلمة»، وهي فترة استمرت نحو 1000 (ألف) عام حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وفي تلك الفترة كان أي كتاب وأي علم (إذا لم يوافق عليه القساوسة) ممنوعاً ويتم حرقه وسجن أو إعدام من يحاول قراءته. والغريب أن النخبة الأوروبية (المتدينة) عندما أرادت الخروج من العصور المظلمة استعانت بما كان يكتبه علماء وفلاسفة المسلمين، مثل ابن رشد، الذي تأثر به الكثيرون في أوروبا في العصور الوسطى، لأنه (ابن رشد) آمن بالعقل، وأنه لايتعارض مع الوحي الإلهي، وهذا كان شيئاً غريباً في أوروبا آنذاك، ولذا تم تحريم كتب ابن رشد.

بعد العصور الوسطى، انفتحت أوروبا على ما يسمى بـ «عصرالنهضة»، وهي الفترة الواقعة تقريباً مابين 1440 حتى 1540م، عندما برز المفكرون في المدن الإيطالية الشمالية وظهرت طبقة التجار القوية (البرجوازية) المتعلمة والبعيدة عن الكنيسة، وكان من بين المفكرين الذين ظهروا في هذه الفترة نيكولاي مكيافيللي (1469-1527)، ومن الصعب إغفال أهمية هذه الفترة على التطورات اللاحقة، لأن مكيافيللي لم يكن لوحده، ولكن ما كتبه تحول إلى أمثال تتداول حتى اليوم، لأنه فصل السياسة عن الدين وعن الأخلاق، وذلك كردة فعل على فجور وظلم عدد غير قليل من القساوسة آنذاك، ووجد أن التخلص منهم لايتم إلا من خلال تقوية الملوك عليهم، والملوك كانوا بحاجة إلى تنظيرات لتركيع الكنيسة، وجاءت كتاباته في هذا السياق.

بعد «عصر النهضة»، دخلت أوروبا في عصر «الإصلاح الديني»، الذي استمر لفترة غير قصيرة غطت القرن السابع عشر الميلادي... وبعد ذلك دخلت أوروبا في «عصر التنوير» في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو القرن الذي ترسخت فيه مفاهيم الدولة والمجتمع والمواطنة والحقوق، الخ. ومقال إبراهيم العريس الذي نشر في صحيفة «الحياة» الشهر الماضي يعود إلى هذه الفترة ويستقي من أحد فلاسفتها معنى «التنوير»، قائلاً: عند بداية سنوات الثمانين من القرن الثامن عشر، وأيام ازدهار أفكار التنوير الفرنسية ووصولها، خصوصاً إلى ألمانيا حيث تبناها بعض كبار المفكرين الألمان، طرح رجل دين مفكر كان معنياً في ذلك الحين، كما يبدو، بقضايا التنوير، حادساً بنوع من خطر تمثله على بعض ما يحمل هو من أفكار، طرح على عدد من الفلاسفة سؤالاً في غاية البساطة، شاء لأجوبته أن تعينه هو شخصياً وأن تعين النخبة المثقفة على تلمس طريقها، وكان السؤال هو: «ما هو التنوير؟».

الجواب تكفل به الفيلسوف إيمانويل كانط، الذي أشار إلى أن «التنوير» هو «تحرير الإنسان من وضعية دونية ذهنياً، وضع الإنسان نفسه فيها في شكل طوعي»، وإن ما يقف خلف هذا الإحساس بالعجز إنما هو «افتقار الإنسان إلى الشجاعة والمقدرة على اتخاذ القرار». ويخلص (بعد تفسير مطول) إلى أنه «في قضايا المصلحة العامة مثلاً، يتوجب أن يكون ثمة قسط من الانتظام العام (الدولة)... وأن الواجب الأول الذي يتعين على كل دولة متنورة أن تمارسه إنما يكمن في تربية الناس على مفهوم الحرية، أما احترام النقد والاستقلال الفكري فيتعين أن يعتبر واحداً من المبادئ الأساسية في الوجود».

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2952 - الثلثاء 05 أكتوبر 2010م الموافق 26 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 12:53 م

      خالد الشامخ :البدايه كانت بالتخلص من سلطة الكنيسه

      بعد أن نتخلص من سلطه رجال الدين ساعتها تعال كلمني عن الحرية و التنوير..

    • زائر 20 | 5:49 ص

      دولة المؤسسات والقانون

      تحة للدكتور منصور الحل في دولة المؤسسات والقانون بمعني أن يطبق القانون بلا انتقائية، في الدول الغربية القانون هو السيد ولاسلطة لأحد مهما علا شأنه ومكانه سواء كان وزير أو خفير فوق سلطة القانون، أما في الوطن العربي القانون سيف مسلط على الضعفاء ويدوسه الأقوياء وكما قال أحمد مطر: من يملك القانون في أوطاننا هو الذي يملك حق عزفه جعفر أبوادريس

    • زائر 19 | 5:31 ص

      عشنا وشفنا

      اعتقد التنوير يجب ان يعلم للذي لا يعرف معنا الحريه ولا يفقه الا ماهو خراب وتدمير .. فالتنوير يجب ان يفهمه الفرد ليبثه للمجتمع الذي حوله وألا لاتنوير ولاحريه كون الشخص لا يصلح ما في نفسه ليصلح غيره .

    • زائر 18 | 4:27 ص

      طبعا.. طبيعي.. معلوم

      «التنوير» هو «تحرير الإنسان من وضعية دونية ذهنياً، وضع الإنسان نفسه فيها في شكل طوعي»؟؟ و هذا ما يفعله الغرب بنا.........

    • زائر 15 | 3:37 ص

      كلام عسل

      لابد من هذا يتوجه الكلام الى المسئولين في المملكة وإعطائهم دورة تدريبة في معنى كلمة التنوير حتى يكون لديه معرفة كرامة و حقوق الأنسان

    • فيلسوف | 3:00 ص

      حرية المواطن

      في الدولة الغربية الاوروبية توجد هناك حرية للمواطن وتكون حرية سليمة صحيحة وهذا من اولويات الدول الاوروبية ان توفر الجو المناسب لحرية المواطن اولا وآخيرا وانه الدول الاوروبية لا تتدخل في الانتخابات وانتخاباتها نزيهه وحيادية . مقال جميل وممتع تشكر عليه يا دكتور . في احدى الصحف المحلية اليومية وجه احد الكتاب اليوم انتقاد لعمود امس

    • زائر 10 | 2:37 ص

      بين اوربا وبين العالم العربي

      ان كانت مشكلة اوربا 1000 سنة حتى تحررت من نير الظلمات ودخلت الى عصر النور والديمقراطية لبني قومها فنحن اعتقد بحاجة الى 1000000 سنة حتى نصل الى ربع ما وصلوا اليه الان........

    • زائر 9 | 2:06 ص

      زبدة الكلام

      واجبنا ان نحب الوطن ونحترم الحكومة والحكومة أيضا عليها إعطاءنا حقوقنا وحريتنا.

    • زائر 8 | 1:56 ص

      كل الي فهمته من مقالك يادكتور إن المواطن حر وله حرية الاختيار في كيفية ادارة شؤنه

    • زائر 7 | 1:48 ص

      نور الناس يا دكتور رحم الله ابوك لقد كان من السباقين لتوعية الناس

      اذكر كلام احد الإخوان كان يقول ذهبنا للأب الحنون الشيخ في الثمانينيات للكلام معه عن اوضاع البلد وحالة الناس فقلنا له : لماذا لاتتحركون وقد انقضى على انحلال المجلس حوالي 10سنوات . فقال لقد تعبنا من الحركة والكلام مع اصحاب الشأن والإخوان ، لكن ما من مجيب ، الا اذا انتم تستطيعون يا شباب تقنعونهم فانا اول واحد .وكانت هذه كلمته ( انا الذي سوف اعدل نعلتهما ) كان رحمة الله عليه على اتم الاستعداد دائما في خدمة الناس ، ومن طلع على ابوه غير متعدي يا دكتور . كما يقول المثل .

    • زائر 6 | 1:40 ص

      هم انتقلوا من مرحلة الى مرحلة أفضل ونحن بالعكس

      يبدو ان الفكر والعقل لدينا معطل رغم ما لدينا من تراث حضاري وثقافي لكن لا توجد عقول تستوعبه وانما جاءت عقول ترفض كل ما هو محكوم بالعقل الله يصلح الاحوال ..

    • زائر 5 | 1:10 ص

      ولاية الفقيه

      ولاية الفقيه نظرية في أسلوب قيادة الحياة السياسية حيث من الولي الفقيه تنبع الشرعيات ويضع له أجهزة تراقب اداء أجهزة الدولة ولا يوجد نظام في العالم ليست له أسلوب في قيادة الحياة ونعت مرشح بأنه مؤمن لايني ان الباقي غيرذللك حيث أثبات الشيئ لاينفي عدمه في غيره

    • زائر 4 | 12:53 ص

      ام سعد الدين

      الله ينور على الذي ينور الناس مثلك ياابن الجمري اكثر من مثل هذه المقالات التي تبث الوعي وليس استغفال الناس بالتوفيق لكل رجل مخلص ويهتم بامور الضعفاء ولا يتجاهلهم اياك وظلم من لايجد عليك ناصرا الا الله

    • Ebrahim Ganusan | 12:05 ص

      نحن وآقعون بين الأستبداد الديني والسياسي

      بالنسبة لنا في البحرين خرجنا من عصر تحريم مشاهدة التلفاز وذهاب المراة للمدرسة النظامية و ورجعنا الى عصر القرون الوسطى وتصنيف المرشحين بين مؤمنين وفاسقين (الكتلة الإيمانية ) مثلا ومازال البعض يدعوا الناس للدخول في معسكر الولي الفقيه , بسياسة الترهيب والترغيب ,,,,,,,,عصر القرون الوسطى يتجدد بعناوين جديدة ولغة قديمة

    • زائر 2 | 10:51 م

      الدولة كتنظيم مجتمعي كيف تحرر من يصنعها؟

      الفهم الإسلامي وصل بالإنسانية الى درجة متقدمة في فهم التفاعل بين الفرد و المجتمع ، أذكر ان الشهيد المطهري كان يستشهد بهؤلاء المفكرين الذين بدأوا عملية التنوير الإنساني في العصر الحديث و يقارنها بالمفاهيم الإسلامية المأثورة ، كان المفهوم الإسلامي هو الأكثر عمقا و احاطة و هيمنة ، و لا بأس في ادارة ندوة او مناظرة بين اساطين المدرستين ، اما تخلفنا ..فهذا هو البلاء الذي نريد أن نخرج منه

    • زائر 1 | 10:39 م

      بهلول

      التنوير : " الدولة و حرية المواطن أولاً و أخيراً "
      الظلام : " الدولة ، حربة للمواطن أولاً و أخيراً "

اقرأ ايضاً