العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ

أعيدوا الدين إلى خطوط السلام الأمامية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

هل يشكّل الدين المشكلة في نزاع الشرق الأوسط؟ أم هل يستطيع الدين أن يكون هو الحل؟

اختار العديد من الناس الشق الأول، ملاحظين أن الناحية السلبية للدين هي ما يجري تغطيته أحياناً كثيرة في الأخبار. الذين يجتذبون كاميرات الأخبار هم الذين نسميهم المتصلبين، مثل القس جونز في فلوريدا الشهر الماضي، الذين يظهرون بمظهر عدم المرونة ولا يتركون مجالاً للوسطية. وهم الذين يذكون لهيب النزاع ويعملون على إيجاد صورة زائفة بأن الدين يتواجد في قلب النزاع المستمر.

هل المشكلة هي الدين أم التطرف في الدين؟

نستطيع أن نجد الجواب في نص مسيحي مبكر في إنجيل يوحنا: «إن قال أحد: إني أحب الله وأبغض أخاه، فهو كاذب؛ لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره». (1 يوحنا 20:4)

يحتوي جوهر المسيحية على مبدأين: حب الرب وحب الجار، كما علّمنا يسوع المسيح نفسه (متى 22: 40 - 37). إلا أن ذلك لم يبدأ مع السيد المسيح بل بدأ مع التوراة اليهودية. ويدعو الإسلام إلى الأمر نفسه.

ليست المشكلة هي الإسلام أو اليهودية أو المسيحية، بل تكمن في ادعاء البعض أنهم يتكلمون باسم الرب أو يدافعون عنه، ويتصرفون بعكس جوهر التعاليم بأن حب الله يُظهِر نفسه من خلال احترام الآخرين. ونحن نسمي هؤلاء «المتطرفين».

يكتب تشارلز كيمبال في كتابه «عندما يصبح الدين شريراً»، «رغم ما قد يقوله المتدينون عن حبهم لله تعالى أو ما تدعوهم إليه ديانتهم، عندما يكون سلوكهم تجاه الآخرين عنفياً ومدمراً، وعندما يتسبب بالمعاناة بين جيرانهم، تعلم وقتها بالتأكيد أن الدين قد جرى إفساده وأن هناك حاجة ماسة للإصلاح. وبالعكس، عندما يبقى الدين صادقاً لمصادره الأصيلة فإنه يقوم بتفكيك هذه الأمور الفاسدة وبنشاط».

أرى مشكلة أخرى هنا، يشير إليها كيمبال ولو ضمنياً. عندما يبقى المسيحيون والمسلمون واليهود، وبالذات قادتهم وزعماؤهم صامتين خجولين حيال هذه القيم الجوهرية فهم يسمحون لأنفسهم أن يقعوا رهينة للمتطرفين ويساهمون بطريقة ما في تفاقم المشكلة.

لذا فإن الحل لا يكمن في إزالة الدين من الحوار السياسي، إذ يجب أن يلعب الدين دوراً كمدافع روحي عن السياسيين. وكما قال ديتريك بونهوفر، نحتاج نحن كقادة دينيين لأن ننخرط بصورة أوسع وأن نرفع صوتنا بقوة بهدف «تفكيك الفساد ومصادره» وإعطاء رؤية للحياة بكافة تنوعها.

أود هنا أن أقترح ثلاث خطوات نستطيع اتخاذها لنعيد الدين إلى المجال العام بأسلوب إيجابي. يجب أن يكون الدين ملهماً وعاملاً محفّزاً على التسامح والتسوية وأن يقدّم تعليم السلام.

هناك العديد من الأمثلة عبر التاريخ غدا فيها الدين سياسياً بدلاً من أن يكون ملهماً، وعندما أضفى الشرعية على السلطة السياسية السائدة بدلاً من تقديم كلمة مُلهِمة ذاتية النقد، وعندما بقي صامتاً مُذعناً، بدلاً من المخاطرة بفقدان الامتيازات والمناصب. ويشكّل أنبياء اليهود أمثلة عليا لنا في التعامل مع الحقيقة والعدالة. يحتاج الوضع في فلسطين/ إسرائيل اليوم إلى أصوات ملهمة تنادي بالأمن لإسرائيل والعدالة للفلسطينيين حتى يتسنى تحقيق التسوية التاريخية.

أصر البابا يوحنا بولس الثاني الراحل على أنه «لا يوجد سلام في غياب العدالة، ولا عدالة في غياب المغفرة». ليست هذه مجرد كلمات جوفاء. لقد تواضع عندما طلب المغفرة لأعمال الكنيسة الكاثوليكية السابقة ضد الشعب اليهودي. نحن بحاجة لسياسيين وقادة دينيين يتعلمون منه، يعترفون بخطايا الماضي لفتح المجال لبدايات جديدة.

ليست التسوية مجرد غياب الحقد. يحتاج شعبنا لأن يتعلم كيف يوجد رؤية مشتركة للقيم المشتركة وأملاً مشتركاً بالمستقبل.

لهذا السبب يعتبر تعليم السلام حاسماً. نستطيع البدء بتعليم الديانات الأخرى دون إجحاف أو تحامل، تماماً كما بدأ مجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة عمله من خلال مشروع لمراقبة الكتب المدرسية الإسرائيلية والفلسطينية.

يمكن أن يكون للدين دور إيجابي في مفاوضات السلام الراهنة عندما يؤكد على حب الله، الذي يُظهِر نفسه على شكل حب الآخر.

يشكّل العيش مع الديانات والثقافات والشعوب واللغات والتقاليد الأخرى فناً. ولكنه فن يتوجب علينا أن نتعلمه ونمارسه ونجيده إذا أردنا لأبنائنا أن يتمكنوا من العيش معاً بسلام مع حقوق الإنسان والكرامة والحرية الدينية وحرية الثقافة والعدالة للجميع.

- رئيس الكنيسة اللوثرية الإنجيلية في الأردن والأراضي المقدسة ورئيس الاتحاد اللوثري العالمي، ومنذ فترة وجيزة رئيس زمالة الكنائس الإنجيلية للشرق الأوسط. هذا المقال جزء من سلسلة حول القيادات الدينية ودورها في النزاع الإسرائيلي العربي، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً