العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ

العفو رسالة إلى عقلاء الساسة

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

قانون الوئام المدني... العفو الشامل... المصالحة الوطنية... مصطلحات دخلت إلى بورصة المسموح به فأضحت تلك المصطلحات خيارا حضاريّا ومحبّبا لكل الأطراف التي تعي هذه المصطلحات وأصبحت شعارا يرفعه الجميع من دون استثناء.

وإذا ما تطرقنا إلى العفو الملكي الأخير حيث هذا العفو يمثل أبعادا وطنية ذات آفاق مستقبلية بعيدا عن اجترار الماضي وملفاته ويبين حرص القيادة السياسية على فتح المجال واسعا أمام الجميع للإسهام في بناء الوطن كونه وطنا يتسع للجميع، كما يعبر عن روح التسامح التي تحمل قدرا كبيرا من الجانب الإنساني قبل الجانب السياسي, وعن إرادة شجاعة صادقة ومحبة للوطن ولجميع القوى السياسية وتجاوز اجترار ذروة الاختلافات التي لم تقف أمام حد التباينات في الرأي والرأي الآخر وذروة الخصومات السياسية لكنها تجاوزت ذلك إلى أمد بعيد حد معه لغة التجاوز على القانون وأباحه ما هو غير مباح تلك اللغة المعروف عنها في طبيعة الصراعات أنها حينما تنطلق فإن على لغة الحوار أن تصمت وتطوي أوراقها الى حين ساعة الحسم.

وبقرار العفو الملكي يضاف إلى جلالة الملك أنه واحد من الزعماء الذين يسابقون الزمن بزاد الحكمة وسلاح المعرفة لمواكبة الأحداث والتطورات المتسارعة في عالم اليوم الذي لا يعترف فيه الأقوياء بالضعفاء والمتخاذلين والمتشرذمين, ومن هنا تتجسد المعاني الكبيرة للاستشعار العالي بالمسئولية تجاه أبناء وطن يرومون كل جميل في حياتهم عبر بوابات ومسالك ودروب المشاركة في الحياة السياسية بصورة مثلى وفاعلة... عبر الديمقراطية وعبر التعددية... عبر حرية وكفالة حق القول والتعبير وعبر تحقيق أعلى المعدلات في عملية التنمية الشاملة على الأصعدة الحياتية المهمة كافة... عبر تفجير طاقات العطاء والإبداع وما أكثرها تنوعا كيفا وكمّا ...عبر تمتين جسور التواصل والمحبة بين أبناء الوطن الواحد.

إن أمرا كهذا يقود إلى الاعتزاز والفخر بحكمة وحنكة جلالة الملك وسماحته وقلبه الكبير الذي لا يضمر الحقد الدفين ولا ينجر إلى الأقاويل والأباطيل الزائفة ولا يميل إلى ما يردده المنافقون والمزايدون والذين يرتدون الأقنعة المطلية بمساحيق التجميل المؤقتة للوصول إلى منافع ومصالح نفعية وشخصية ضيقة باسم الوطن الذي إذا ما أتيحت لهم فرصة لقيادة دفته ومسيرته فإنهم لن يتوانوا لحظة واحدة إلا وعملوا على تقطيعه أوصالا وأدخلوه في متاهات وشرنقة عنق الزجاجة, إما انتقاما من هذا الوطن الذي يقول أبناؤه نعم للديمقراطية كنهج وخيار أوحد وإما لأن في دواخلهم تيارات متناقضة ومتباينة في الأساس إلى حد التطرف ويحاولون إقناع الآخرين بأنهم مع التيار الديمقراطي فيما حقيقة الأمر والواقع تثبت عكس ذلك تماما.

وهنا أستذكر جرائم القتل التي حدثت في أيرلندا قبل أسابيع لم نسمع عن عفو ملكي من ملكة بريطانيا أم الديمقراطيات التي يتشدق بها البعض ويتسابق اليها البعض الآخر كما أن بعض الشخصيات التي تخرج فقط في الأزمات يجب عليها تجاوز التناقض الثانوي والرئيسي الذي يعيشونه وأني لهم ناصح.

وللأسف تتداعى الكثير من الأصوات حتى الأصوات التي تخرج في الأزمات لتأكد لون وعمق الولاءات الطائفية والعائلية والعشائرية على حساب الولاء للبحرين!! فأي بحرين يا تري نريد شيعية أم سنية أم عربية أم بحرين تتسع إلى الجميع كما ينادي جلالة العاهل!؟ فهل تعي هذه الأصوات أن أي تعميق لهذا اللون من الولاء سيؤسس للصراع والتصادم وهو ما سيقود - لا سمح الله - إلى التشتت من جهة أخرى, على المواطن أن يعي الفارق الجوهري والبنيوي بين الولاء الفردي والولاء الوطني, فعدم وعي الفوارق في الرؤى والتطبيقات سينتج لدينا فردا وليس مواطنا.

إن أي سجن للفرد داخل أطر الولاء العائلي أو العرقي أو الطائفي أو السياسي الضيق سيقتل لدينا مبدأ الوطنية, وأية محاكاة للأبعاد الضيقة لخلق عصبيات وعصبويات تتمحور حولها في الانتماء والولاء سيصادر الوطنية كوحدة قياس, وهو ما سيخلق كانتونات التصادم شئنا أم أبينا.

إن مسألة الولاء تحتل اليوم مركزا متقدما في الضمير الوطني البحريني, وبالذات مع بروز الولاءات الضيقة التي يراد لها أن تحتل مكانا... وهل تعي هذه الأصوات أن مصلحة الكل تكمن في تأكيد الولاء للوطن ضمن احترام خصوصية التنوعات الفسيفسائية كافة الداخلة في تكويننا الوطني؟! وهنا أقول إن خلق بحرين للبحرينيين يكمن في إيجاد وتمكين نظام يعترف ويحترم ويرعى الكل بغض النظر عن انتمائهم وولائهم الذاتي الخاص. وهو ما ينتجه المشروع الإصلاحي حيث أعطي للكل الاشتراك في البناء والمساهمة في إدارة الحياة من خلال مرشحيهم والمبادئ القائمة على المواطنة والحرية والتسامح والحوار والتعددية وقبول الآخر الملتزم بالقانون والنقد والمحاسبة والشفافية والولاء والتضامن الوطني. إن ولاءنا الوطني مطلب, فحفظ وطننا ودولتنا وكياننا الإنساني والحضاري مقترن بتأكيد الولاء للبحرين ولقائد المسيرة جلالة الملك حيث من المعلوم أن لكل دولة هناك قائد واحد يأخذ على عاتقه العمل على ترجمة المشاريع المعني بها جميع المواطنين, والنهوض بمجتمعنا رهن قدرتنا على إنتاجنا لفرد يحترم الكل ويراعي الكل وينتمي إلى الكل ويسعى إلى تحقيق مصالح الكل, وهذه هي مهمتنا التاريخية اليوم والتي سيتوقف عليها مستقبلنا برمته... فهل نعي قيمة مبدأ الولاء محورا وطبيعة ووجهة؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً