العدد 2959 - الثلثاء 12 أكتوبر 2010م الموافق 04 ذي القعدة 1431هـ

الجنون الطائفي ومجلس التعاون

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

عبثية الانقسامات والصراعات الطائفية بين المذاهب الإسلامية، وعلى الأخص مذهبي السنة والشيعة، لا تنحصر في دولة أو بضع دول من دول مجلس التعاون الخليجي. في بعض المجتمعات أصبحت ناراً ذات لهب تهدد بحرق الأخضر واليابس وفي البعض الآخر تتواجد كنار تحت الرماد، بينما في البعض توجد كل الظروف والمواد القابلة للاشتعال في المستقبل المنظور. وإذن فنحن أمام ظاهرة مجتمعية مشتركة تخص جميع دول المجلس، وإن بنسب متفاوتة.

ومع أن جزءاً من هذه الظاهرة سيحتاج حتماً إلى مواجهات وحلول محلية، إلا أننا هنا معنيون في الأساس بالمواجهة والحلول والأفعال المشتركة لإخراج بعض الدول من الجحيم الذي تعيشه ولمنع انتقال العدوى إلى الدول الأخرى.

والواقع أننا لسنا معنيين بالمواقف الضحلة السهلة من مثل إصدار البيانات المشتركة لتهدئة خواطر مسئولي هذا البلد أو ذاك من خلال دعم الإجراءات السياسية أو الإدارية أو الأمنية أو القضائية التي تواجه المشكلات محلياً بها. فمثل هذه المواقف هي تحصيل حاصل ولا تذهب إلى أعماق الموضوع وتركز على الحاضر ولا تعطي أهمية مفصلية للمستقبل.

ما يهمنا بالدرجة الأولى هو أن يعود الموضوع إلى طبيعته السوية ضمن الأثر الإسلامي العظيم بأن «اختلاف أمتي رحمة» وضمن بديهية تاريخية عبّر عنها بشكل واضح الكاتب الايرلندي الشهير برنارد شو عندما كتب بأن هناك ديناً واحداً ولكن هناك مئة فهم له. هذا الرجوع إلى أصل الموضوع سيحتاج إلى جهد كبير صادق مستمر مشترك يتناول فيما يتناول الجوانب التالية.

أولاً: أن الجوانب الفكرية والعقيدية عند جموع المنتمين لهذه المذاهب هي القضية الأساسية. ويشمل هذا، إضافة إلى المواطنين العاديين، أعداداً كبيرة من المسئولين الكبار ومن القائمين على إدارة المؤسسات الدينية الرسمية. وكمدخل للتعامل مع هذا الجانب هناك حاجة لوضع المغالطات التاريخية، ونقاط الضعف المعرفية المفجعة التي تأسست عليها المذاهب، وبعض المسلمات الدينية غير المعقولة أو مقبولة التي انطلقت منها هذه المدارس الفقهية الإسلامية أو تلك... وضعها كلها أمام أعين الجميع وإفهام العامة دون تجريح أو اصطدام، ولكن أيضاً دون مجاملة وتدليس.

إن ذلك سيعني تغييرات مشتركة في المناهج التربوية الدينية المدرسية، إحداث منابر حوارات علمية رصينة شجاعة حرة مستمرة وغير موسمية يطلع القاصي والداني على مداولاتها، تكوين مراكز بحوث لتنقيح تراث الفقه المليء بالتقوُّل على رسول الإسلام (ص) وبالكذب وبالأدوات المعرفية التي ما عادت صالحة وبالمتضادات غير المقبولة في التراث الحديثي وبالأدوات، ثم نشر ما يتوصل إليه على نطاق واسع ومن خلال كل أدوات ووسائل التواصل الحديثة.

ثانياً: وبالتالي التوقف عن الاعتقاد بأن موضوع الصراعات الطائفية سببه فقط هذا الفقيه الموتور أو ذاك وأن القضية الطائفية هي فقط قضية سياسية تدفعها رغبة هذه الأقلية في الاستيلاء على الحكم أو إصرار تلك الأكثرية على الاحتفاظ بامتيازاتها.

ثالثاً: لم يعد مقبولاً السكوت عما تفعله المنابر الإعلامية الخليجية، من تلفزيونات ومحطات قضائية وإذاعات وصحف وكتب ومواقع إلكترونية، من إثارة مستمرة لسوء الفهم المذهبي، معتمدة في ذلك على التراث البليد الذي ذكرنا من جهة وعلى خدمة بعض جهات الانتهازية السياسية في الداخل أو بعض جهات القوى الطامعة الاستعمارية الصهيونية في الخارج من جهة أخرى. نحن لا نتعامل هنا مع موضوع حرية الرأي والكلمة وإنما مع مؤامرات تنطلق إما من الجهل أو من المصالح الأنانية الضيقة، ولا يمكن للأوطان أن تترك نهباً لمثل هؤلاء. هناك حاجة لميثاق شرف فكري وقانوني مشترك لضبط هذه المسألة.

إذا كانت أي من أنظمة الحكم في دول مجلس التعاون تعتقد أنها تستطيع أن تربح من وراء الجنون الطائفي الذي نراه أمامنا أو الذي سيتفجر في المستقبل، فإنها ترتكب حماقة خطرة. لن يسلم أحد من هذه النار. كما أنه إذا كان هناك في أي من أنظمة الحكم من يعتقد بأن الموضوع الطائفي موضوع هامشي أو غير مستعجل أو يمكن التعامل معه بشكل بطيء سلحفاتي فإنهم أيضاً يرتكبون خطاً سياسياً وأمنياً قائلاً. موضوع الطائفية أخطر من أن يترك لفقهاء أو علماء الدين وحدهم، المجتمع برمته يجب أن ينخرط فيه بما في ذلك أعلى السلطات السياسية في مجلس التعاون.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2959 - الثلثاء 12 أكتوبر 2010م الموافق 04 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 4:52 م

      من يخاف الفقر ,، ويخاف لقمة عيشه وينتصر للظلم والظالم حتى لو كان على حساب الاخرين ولقمة عيشهم وعيالهم فانه سيموت فقيرا معدما والامثلة كثيرة في الماضي والحاضر والعاقل من اتعظ بغيره ....

    • زائر 20 | 1:08 م

      خالد الشامخ : أزالة الطائفية

      لن تزال الطائفيه من خلال التثقيف ..مستحيل..الطريقه الوحيده لمواجهتها بمنعها ..منع تكوين الاحزاب الدينيه..منع رجال الدين من الخوض بالسياسه ..منع الصحافه الصفراء..منع تكوين أي مؤسسه طائفيه خارج رقابة الدوله و القانون ...و من يريد السياسه فعليه النزول من علي المنبر والا كيف أتحاور معه و هو يدعي تمثل الله علي الارض !!!!

    • زائر 19 | 1:02 م

      منطق العقل

      ما ذهبت اليه يا دكتور هو لغة العقلاء ومنطق العقل وكم نتمنى ان يزداد الععقلاء من امثالك.
      لقد عالجة قضايا تاريخنا وتحديد بلاوينا في بروز الطائفية البغيضة البعيدة عن مبادئ الشرع الاسلامي بمستوى ما بحثها الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين الذي اصدره في ستينيات القرن الماضي.
      كما انك دعيت الولوج الى ثقافة الحوار الحضاري التي جرت بين عالمي الدين شريف البشري عالم الازهر والسيد عبدالحسين شرف الدين المرجع الشيعي في عام 1905 والموثقة في كتاب المراجعات

    • زائر 18 | 1:01 م

      حرام عليك يادكتور...

      كيف تتناول موضوع الطائفيه ولا تذكر من فجرها ..اليست الخمينيه حي من حركها و نادي بتصديرها..الم نكن قبل 79م لا نعرف كلمه الطائفيه ..الم نكن سنه و شيعه في الاحزاب حينها من شعبيه و تحرير و بعث و قوميين ..رجاءً كن موضوعياً..

    • زائر 17 | 9:23 ص

      من زرع حصد ...

      هم لا يدركون ولا يؤمنون بأن الطائفية هدامة وهي التي ستأتي على بنيانهم وتهدمة وهذا النوع من السياسات الخطأ " فرق تسود " فهو لايخدمهم أبداً وسيأتي اليوم الذي يدفعون فيه الثمن أضعاف مضاعفة وهذه هي الحقيقة فزارع الشوك ماذا يجني ؟؟؟
      فسرعان ماتظهر الحقائق وينكشف المستور ...

    • زائر 16 | 7:41 ص

      نعم

      اشكرك على أسلوبك الراقي ودقتك في طرح
      الموضوع ولو انني اختلف معك بتعميم البلادة
      ولكن من يخاف على شعبه من الفتنة الطائفية
      إن صح التعبير هي توظف للمصالح الخاصة
      ولتحترق الشعوب

    • زائر 15 | 5:51 ص

      الداء والدواء

      أحسنت يا دكتور،،
      للأسف الشديد لم يتغير الحال كثيراً منذ العصور الغابرة رغم التقدم .
      كما أشرتم، من المسلمات بان الدين واحد ما دام الله واحد كما أشار إليه ليف تولستوي أيضا.
      فاين المشكلة؟
      في مقولة "ان الدين افيون الشعوب" ليس المسأله في الدين وانما ان فيما يستخدم - فهو إحدى المفاتيح التي تستخدم للفتنة بين بني البشر.
      فإخماد النار قبل ان تشتعل او عدم إعطاءها الفرصة ان تشتعل من الأساس يرجع للإنسان نفسه. فهو الداء والدواء معاً

    • زائر 14 | 4:47 ص

      مشكور دكتور

      اشكر حياتك على هذا المقال الراقي يا راقي طول عمرك محترم يا محترم اعشقك من كل مكان وفي كل مكان وانت المكان .... لندن

    • زائر 13 | 4:15 ص

      الإقتيات والثراء من الخلافات

      سلمت يا دكتور:هناك أشخاص لا يهمهم سوى الربحية والثراء المادي حتى ولو كان ذلك على حساب تمزيق صف الأمة وبعثرتها ووهنها وضعفها طالما أنه يجني الأرباح من إثارة تلك النعرات والتي يراها المجال الخصب للإصطياد. والغريب أن بعض هؤلاء يحمل شهادة دكتوراة وأي شهادة هذه التي يتاجر فيها بالفتن وشق الصفوف.
      لا أدري إلى أي ملة ينتمي بائعي الفتن ومصدريها. لأن الأديان كلها تحرم الإحتراب والفتن الطائفية وديننا يصفها بأنها أشدّ من القتل. لقد باعوا آخرتهم من أجل حفنة من المال ستكون وبالا عليهم يوم الحساب

    • زائر 12 | 3:17 ص

      أم علي

      والله انتون (ياعائلة فخرو) تعجبونا اشد العجب بالوقوف بهذه المواقف المشرفة وإن ذل على شي يدل على حرصكم على الوحدة و الترابط بين ابناء الشعب الواحد
      دومتم ودامت كتاباتكم

    • زائر 8 | 2:15 ص

      شكراً دكتور

      مقال في غاية الدقة والرصانة. نحتاج إلى سماع المزيد من هذه الأصوات ذات الخبرة الوطنية التي لاتقدر بثمن. شكراً دكتور وحفظك الله.

    • زائر 7 | 1:54 ص

      كلام سليم مائة في المائة، وقد أثبتت بعض البرامج الفضائية العلمية

      أن التاريخ الاسلامي يمكن نبشه ودراسته ومعرفته وتقيمه وتقويمه.
      .
      وقد تفاعل مع هذه البرامج الكثير من منتسبي المذاهب الاسلامية.
      .
      لكــــــن للأسف الشديد يا دكتور، أنت لا تريد أن تقول الحقيقة، وهي:
      .
      الطائفية تخدم مصالح الكثيرين من المتنفذين في مواقع اتخاذ القرارات وفي المؤسسات الدينية.
      .
      وهم من يستطيع ان ينجح مثل ما تطالب به يا دكتور.
      .
      والمحاولات الجانبية لها أهمية طبعا ولكن تأثيرها على أرض الواقع محدود.

    • زائر 6 | 1:23 ص

      هو كذلك يادكتور ... ممارسة سياسية بامتياز

      (إذا كانت أي من أنظمة الحكم في دول مجلس التعاون تعتقد أنها تستطيع أن تربح من وراء الجنون الطائفي الذي نراه أمامنا أو الذي سيتفجر في المستقبل، فإنها ترتكب حماقة خطرة. لن يسلم أحد من هذه النار. )
      صدقت يا دكتور ... زرع السلوك الطائفي هو قرار سياسي بجدارة وليس سلوكا اجتماعيا .. فقد عاش السنة والشيعة باحترام غير ان السياسين يحتاجون اليه كلما اختنقوا بمطالب الشعوب بحقوقها في الديمقراطية والعيش الكريم والمشاركة في ادارة شئونها وثرواتها... شكرا دكتور

    • زائر 5 | 11:52 م

      عشت يادكتورنا الفاضل

      فلتكتب انت واخونا العزيز محمد صالح الدلال فلتكتبوا جميعكم فى هذا المنبر كي يتنور الناس فارجوا منك يادكتور بالاستمرار ع هالصفحة بدلا من القدس العربي كي يعي الكثيرين من النار الصهيونية والذين يسايرون فلكها فى مجتمعاتنا- اعظم وانزه ما قرأته فى عقد الالفية المجنونة والتى تصب علينا عزرائيل نعراتها العنصرية بمظلات طائفية ومذهبية فلنعلن كمفكرين محاربتها بفكرنا المستنير فليعلم القاصى والداني لن نسلم لهم الارض ليحروقها تحت اقدامنا بحجج الطفئنة والمذهبة

    • زائر 4 | 11:48 م

      لماذا تنشط المحطات الطائفية اليوم ؟؟؟

      المراقب يشهد نشاطا غير معهود للمحطات الطائفية والممولة من جهات معروفة تظهر غيرتها على الاسلام وهي أول قاتل له الم يسأل المشاهد والمتابع لمثل هذه المحطات ما سر نشاطها ومن ورائها ومن يمولها ويرى ويسمع ما تطرح ومبررات طرحها انها المحطات وما يتبعها من صحف واقلام مسمومة لا هم لها سوى طعن الوطن فالتنبري الاقلام الحرة والمثقفون الاحرار للتصدي والكشف بل والتعرية لمن لا يريد الا الشر بالاوطان واهلها ..

    • زائر 3 | 11:37 م

      وهل يطلب الدواء من الداء ؟؟؟؟

      لا ..ز لا يادكتور لا يطلب الدواء من الداء عبثا نبحث عنه حيث لا ولن نجده لكننا نسأل ونتسائل وهذا من حقنا من يبرر لنفسه العمل الطائفي والممارسة الطائفية بحجة واخرى تلرة لقمة العيش واخرى الانتصار لمن ينتسب الا يرى انها النار التي اكلت ونأكل وهذا ليس ببعيد عنا ما لم ينبرى المخلصون من المثقفين قولا وعملا وكذلك المسؤولين واصحاب القرار لا ان يطمئنوا لما هم فيه من عيش هانئ رغيد وما هذا سوى لمح بصر اذا لم تعالج الأمور كما ينبغي....

    • زائر 2 | 10:52 م

      المواطنون العاديون يخشون العديد من المشكلات

      هناك مجموعة بس مهمتها ( بصامه) في قول ما ليس هو حق وما هو ليس جديد يتحول بنتائجه بعملية خطرة جدا على الناس

    • زائر 1 | 10:38 م

      شن الحملات التشهيرية

      هناك نزعه مناطقية بعيده عن النزعة الوطنية والبعد الديني مسيطر بشكل اسلامي بمظاهر تدل على إسلامي ولكن نتاج افعالهم لا تمت لروح الاسلام بصلة بم يأتون من همز ولمز واستغلال البسطاء من خلال (بنرات) عن إنجازات وهمية وبعد الاخلال بذلك تأتي مرحلة لتصحيح تلك التصرفات العوجاء للسمو بالدين عن العمل الدنيوي الذي يخضع للصح والخطأ ويسىء إلى أصحابه ومرتكبيه دون المساس بالدين ، وهذه الإفاقة عندما رفع شعار أحبك ياوطني نوع من التصحيح المحمود بعد أن مارس بعض من هؤلاء لتصرفات لا تمت للدين

اقرأ ايضاً