العدد 2960 - الأربعاء 13 أكتوبر 2010م الموافق 05 ذي القعدة 1431هـ

المواطنة في التعليم

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بطبيعته هو دقيق في مواعيده، تباطأتُه، وعندما أصر هاتفي على أن يبقى صامتاً، كان لابد لي أن اتصل به. جاءني الصوت من الطرف يعتذر عن عدم «الرغبة»، وكذلك عدم المقدرة على المجيء. لم يكن أمامي من خيار، سوى حمل نفسي والذهاب إلى منزله. هناك اكتشفت السبب، وكما يقال «بطل العجب». كان جالساً مع أحد أبنائه الذي لم يبلغ الخامسة عشرة بعد، يحاول أن يقنعه، وبلغة يمكن أن يستوعبها من في تلك السن اليافعة، أن البحرين واحدة، وأن التعدد المذهبي والطائفي، بل وحتى الديني، هو ما يميزها عن سواها من دول الخليج. قطعت عليهما تلك الخلوة، وبادرني بلهجة ممتعضة، مشوبة بمسحة من لوعة مكتومة تقول: «لم يعد في وسعي الصمود... لم يعد لي مكان في هذا البلد... لقد كان قراري بالعودة فيه الكثير من الخطأ... كنت أعيش في مجتمع ينتمي للإنسانية بكل ما تحمله كلمة الإنسانية من معنى... إلخ» من عبارات شخصت، بشيء من التبسيط، حالة حوار يتكرر يومياً بين ابنه المراهق وواحد ممن يعملون في سلك التربية والتعليم، والذي ينتمي إلى مذهب وطائفة غير تلك التي ينتمي لها ذلك الابن الذي كان يبدو في حالة من التوتر يصعب وصفها.

أول صورة تبادرت إلى ذهني كانت تلك الطرفة التي تدوولت في الإنترنت، تتصور لو أن حسين والد أوباما هاجر إلى إحدى الدول العربية، لكان الآن لايزال يقف، ومعه ابنه باراك، في طوابير تجديد إقامته، ولا يكف بحثاً عن مسكن يأوي إليه، بينما هو الآن والد رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، وكان الأب قبل الابن، يمتلك، حتى قبل أن يصل ابنه إلى البيت الأبيض، ذات الحقوق، ويؤدي ذات الواجبات التي يقوم ويتمتع بها أي أميركي آخر، سبقه إلى الولايات المتحدة، ربما بعشرة أجيال. حقوق المواطنة يكتسبها كل أميركي، يحق له ذلك، بعيدا عن الجنس، أو الأصول الإثنية، أو الدينية التي ينتمي لها. تتحول كل تلك الانتماءات إلى عناصر شخصية، تفقد أهميتها الحقوقية، وبشكل إيجابي، لصالح حقوق المواطنة التي يتمسك بها ويصر على ممارستها كل أميركي، أو بالأحرى كل مواطن يعيش في تلك المجتمعات الإنسانية المتحضرة. تساءلت، ودون قرار مسبق، ما الذي يجعل أوباما يصبح رئيساً، في حين لانزال نحن نختلف، وبشكل غير منطقي وصحي، حول صحة ممارسات مذهب إسلامي دون آخر؟ وأردفت ذلك باستفسار آخر: هل يعقل أن يقف نبي بعبقرية محمد بن عبدالله (ص) أمام مثل هذه الصغائر، وهو الذي لم يهب أن يعالج القضايا الكبرى، ويتحدى بها سادة قريش وأسودها؟

لابد أن هناك خللاً في سلوكنا الذي يستدير بنا نحو الخلف بدلاً من دفعنا نحو الأمام، كي يتكون، بشكل تدريجي وشخصي في البداية، ثم يتسلل وبشكل سيئ في المؤسسات التعليمية. هذا يقتضي منا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا أولاً، والالتفات نحو تلك المؤسسات كخطوة مرافقة. وإذا تجاوزنا العائلة، بوصف كونها خلية شخصية، ليس من حق أحد التدخل في قضاياها الداخلية، يبقى التعليم هو المؤسسة العامة التي من الجريمة بمكان الصمت على ما يجري في أروقتها من تشويه لعقول أبنائنا عن طريق زرع مثل هذه الأفكار الخبيثة في أدمغتهم.

وفي هذا الصدد، لا يكفي أن تضع وزارة التربية والتعليم مادة مقررة تطلق عليها اسم «المواطنة»، وتقف بعد متفرجة بانتظار أن تأتي تلك المادة أو كلها في خلق جيل يدرك مفهوم «المواطنة»، ويعي فوائدها، ويعمل من أجل تعزيز قيمها على المستويين: الشخصي الخاص، والمجتمعي العام. من هنا ينبغي أن يترافق وضع المادة ضمن المقررات المدرسية مع مراقبة مسألتين أساسيتين:

الأولى: طريقة شرح المادة للطلاب أنفسهم، إذ لا ينبغي أن يترك الموضوع للاجتهادات الشخصية لكل مدرس أو مدرسة على حدة، إذ لا ينبغي أن تكون هناك صيغ متعددة للمواطنة، مستمدة من تلك الاجتهادات. لذا ينبغي عدم السماح لأية مواطنة تختلف عن «المواطنة البحرينية» التي من الطبيعي أن تكون لها صيغة واحدة فقط.

الثانية: سلوك المدرسين أنفسهم، الذين ينبغي أن يخضعوا لرقابة صارمة تحول دون أي سلوك نشاز يصدر عنهم، من شأنه أن يزرع كل ما من شأنه تمزيق نسيج المواطنة، أو تشويه صورتها، وخصوصاً في أذهان الأجيال الشابة.

بقيت مسألة أخرى في غاية الأهمية، والتي ربما لا ترد على خاطر من يمارسون السلوك الطائفي، أو من يهدمون أسوار المواطنة، وهي أن غرس نبتة «الطائفية الخبيثة» في عقول شباب اليوم، يعني فيما يعنيه، تلقي ثمارها السيئة تلك من الأجيال القادمة، فما يرضعه شباب اليوم من قيم ومبادئ، يورثونه للأجيال التي ستتربى على أحضانهم، ومن هنا، فهم لا يشوهون المجتمع الحالي، بل يزرعون «قنابل» تفجير مجتمعات المستقبل.

كانت المشكلة التي يحاول صاحبي الوصول إلى حل سليم بشأنها، هي حيرته بين حرصه على عدم تشويه صورة المدرس في ذهن ابنه من جهة، واجتهاده لغرس بذرة «المواطنة الصحيحة» في عقل ابنه من جهة ثانية.

ما يثير الرعب في نفوسنا أن حالة صاحبي اليوم لم تعد حالة استثنائية، لأن ما يواجهه ابنه أصبح ظاهرة عامة، فمع تفشي أمراض الطائفية، وانتشار جراثيمها، بات من الصعوبة بمكان توافر البيئة الصحية التي نستطيع أن نربي أبناءنا على قيمها. وما يخيفنا ليس تشويه عقول الأجيال الشابة الحالية فحسب، بل تدمير عقول الأجيال القادمة، وهو مسألة قد لا يدركها من يدرسون مادة المواطنة اليوم، لكن بعد أن يدسوا فيها سموم الطائفية. فهل يوجد بيننا من يرضى أن يرضع ابنه من ضرع مسموم؟ تماماً كما لا يريد أي منا أن يتلقى ابنه مادة «المواطنة» بعد تعليبها طائفياً.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2960 - الأربعاء 13 أكتوبر 2010م الموافق 05 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 1:07 م

      لا ضرورة لها أصلاً

      لا ضرورة لمادة المواطنة لتزيد طلابنا إرهاقاً على إرهاقهم و إحباطهم. المواطنة في داخلنا كمواطنين نحب وطننا وندين بالولاء لقيادتها السياسية بدون هذه المادة التي لا ضرورة لها اصلاً، ولم يوفّق من إقترح بتدريسها لأبنائنا. نحن ندرّس ابناءنا المواطنة منذ اليوم الأول لولادتهم وهذا واجبنا الوطني، ولا داعي لتصديع رؤوسهم المتعبة بمادةٍ درّسها لهم آباؤهم.

    • زائر 13 | 6:49 ص

      ظهرت فئة ( بوكابون) نتيجة لإستغلال ظروف معينة في اللعب بالمال العام

      هذه حقيقة ما جرى على أرض الواقع شاء من شاء وأبى من أبى ,.. وإن نتاج أفعالهم هو تكوين الشللية تكشف طياته الاحداث التي تطرأ على الساحة يوما بعد يوم. فنفاقهم المتواصل على كافة الأصعدة يسقط عن وجوههمأقنعتهم وتظهر مخططاتهم الحاقدة والمتآمرة... لقد ظنوا بخططهم أن الجو صفا لهم ولكن والله وبالله فإن الأيام القادمة سوف تريهم سوء افعالهم لأننا سنطرق باب كل جهه لنعلمهم عن سوء أفعالهم

    • زائر 12 | 6:44 ص

      إن هناك جهود متكاتفه لطمس الهوية العربية من قبل الدخلاء على الحضارة الإسلامية العربية

      أما في الحالة الثانية، حالة العقل الجدلي المتطرّف، فإنه لا يقتنع بما يراه ظاهريا أمامه، بل يريد أن يرى ما وراءه أو ماهيته ولا يقف عند ذلك, فيفسر كل ما يراه أمامه على أنه غير حقيقي، فيكتشف أن الأخضر هو محض فبركة لا توجد خالصة في الطبيعة إلا إذا امتزج لونان، فلا أخضر عنده! العقل البدائي، البسيط وغير المركب، أو غير الجدلي، لا يقرأ المعنى حتى وإن فهم الكلمات، لأن القراءة الحقيقية هي إدراك دروب وزوايا وتقاطعات وتناقضات الكلمة الواحدة، وما تخفيه أو تستبطنه، وليس فقط ما توحي به حروفها. ومن المؤسف

    • زائر 11 | 6:40 ص

      البدائي المتخلف والجدلي المتطرف ( بوكابون)

      ن البدائي primitive هو كل إنسان بسيط ما زال يعيش الأفكار المباشرة وغير المعقدة ويخضع للتأثيرات البدائية. وهذاالتعريف ينطبق، من حيث طريقة التفكير، على الأمي والمتعلم وابن التقاليد الأولية، حيث إن سمتهم الأبرز هي تنقل الأفكار
      وتبدلها قبل أن تنضج أو تستقر وتتبلور، فتكون النتيجة: أفكار سطحية يسهل اقتلاعها كما يمكن التلاعب بها وبصاحبهابسهولة. إن هذا البدائي يفهم الأشياء والعلاقات والظواهر طبقا لما تبدو عليه في الظاهر، ويتجنب، ابتداء، التعمق في نظرية(الاحتمالات المتعددة).

    • زائر 10 | 5:48 ص

      الدولة تدعم حرية الكلمة وتقبل النقد البناء بم أتيح من أدواتها من خلال الدستور

      لتصحيح العنوان ... أنا زائر رقم (5)

    • زائر 9 | 5:35 ص

      المواطنة في حسن المعاملة

      المواطنة تأتي من عدم التفرق والإنصاف بين فئات المجتمع والمذاهب لا بالتفرقة فهذا من هذا المذهب مقرب وحلال له كل المناصب والوظائف وذك من المذهب الآخر فليس له في العيش من نصيب إلا على ما يسد الرمق وإلا فكل الأبواب مغلقة امامه. لو ساد منطق المساوة في المعاملة
      صدقوني لما احتجنا حتى إلى برلمان ولا خرابيط
      لكن الكيل بمكيالين في كل الميادين وجعل فئة من الناس من المشكوك فيهم على الدوام هذا لن يأتي بثمار المواطنة

    • زائر 8 | 2:48 ص

      كيف اتصرف

      الاستاذ العبيدلي ، ساخبرك بقصة وانا مدرس للمادة المواطنة حصلت لي عند مجنسين وكان الدرس انا احب وطني البحرين وعلى الطالب ان يقولها ويكتبها ويكررها
      فكانوا اغلبهم يقولون لي نحن نحب وطننا الام
      من سوريا يقول لي انا احب سوريا ولا احب البحرين
      اقسم لك بذلك
      انها مدرسة ومستعد ان اخبرك باسمها على الخاص ان اردت
      واسئل مدرسي المواطنة من المشاكل التي يواجهونها
      تحياتي عبيدلي

    • محب البحرين | 1:19 ص

      حسافه يالبحرين

      وزارة التربيه وضعت مقرر المواطنه, مع إن البحريني مو محتاج أحد يعلمه معناها لأننا نرضعها من المهد ونتربى عليها, لكن اشلون يقتنع الطفل لما يسمع درس في المواطنه وهو في هذا السن يسمع من جهة شكوى والده بضيق الحال, و شكوى أخوه الأكبر من البطاله بالرغم من كونه جامعي, ويرى أخته بعد الثانويه جالسه في البيت من غير تعليم, ويسمع ابن عمه باستثنائه من ترقيه, وبتأخر حصوله على بيت اسكان أعطي لمستوطن وصل البحرين من أقل من سنه وأعطي الجواز, ويرى على مدخل منطقته سيارات مدججه ومستعده لشن الهجوم.

    • زائر 7 | 12:41 ص

      اخونا الكبير العبيدلي انت افضل من يعلم المواطنة

      انت كل يوم تكبر في النفوس اكثر واكثر يا ليت الكثير من المواطنين يستمعوا الى هذا الفكر الحر ، اكثر من هذه التوجيهات والنصائح الوطنية يا ايها الوطني الابي ,فلعل وعسى ان تصل رسائلك الى بعض من الناس وتتنور بها نفوسهم وعقولهم ، واكرر شكري لـ كتاب الوسط والوسطية الوطنيون الاحرار ،والى الامام ولا تهمكم لومة لآئم ،ولا تلون على شىء من ورائكم .

    • زائر 6 | 11:54 م

      خريجي جامعة الدكاكين أصابهم الهوس وحب التعلق بالكراسي الموسيقية

      سوف نفضحهم في كل مكان بعدما أمنوا على كراسيهم واستخدموا طرقهم الملتوية

    • زائر 5 | 11:53 م

      الدولة تدعم حرية الكلمة وعدم تقبل النقد البناء بم أتيح من أدواتها من خلال الدستور

      ولكن خريجي جامعات الدكاكين الذين انقلبوا بين عشية وضحاها من موظفين لا حول لهم ولا قوة إلا أصحاب مراكز جندوا لهم صغار الموظفين لكي يتابعوا كل ما يكتب في الأعمده والمواقع الالكترونية وكأن أي شئ يصدر عن خريجي جامعة الدكاكين هو شئ مقدس ولا يمكن مناقشته وهؤلاء في الحقيفة وبال على المجتمع وهذا ما سوف نتطرق لها بإسهاب في الحلقات القادمة ولدينا أدلة واضحه

    • زائر 4 | 11:49 م

      متابع بشده

      بوكابون كان يتابع التعليقات بشده على هذا العمود .. وبعد أن استنفذ كل طرقه القذرة أعلن الإستسلام بعدما فاحت منه روائح الصديد والطفيليات ورفعت التمبتين بشباصة شعر

    • زائر 3 | 11:42 م

      كل يوم صباح لا يحلو طعم القهوة إلا مع عمود الأستاذ عبيدلي

      حفظك الله لنا وحماك من كل سوء عساك دوم عالقوة

    • زائر 2 | 11:41 م

      اللعب بالمال العام يتخذ منعطف خطير

      تظـل الانثى مصـدر جـذب للـذكور.....حتـى لو كانـت مجرد (كلمـة)... إن المنعطف الخطير الذي تم من خلال اللعب بالمال العام على فئة بوكابون وهناك حالات موثقة عن تداعيات هذه الأمور

    • زائر 1 | 10:30 م

      حياك الله يا عبيدلي

      عزيزي عبيدلي
      أنت رائع
      أحمد

اقرأ ايضاً