العدد 1060 - الأحد 31 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الآخرة 1426هـ

نحو قراءة مشتركة للعام والخاص في أوضاعنا العربية

هاني فحص comments [at] alwasatnews.com

عضو في المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى في بيروت

لابد من الإقرار بأن هناك مقدارا من اللاتناظر بين الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتربوية الأهلية والحكومية بين البلدان العربية، إضافة إلى ذلك فإن دولة الوحدة الإسلامية، الدولة العثمانية لم تمكن ولم تتمكن من توسيع وتعميق مساحة التناظر، وبعد سقوطها أو إسقاطها، تحول المقدار المتيسر والمتواضع من هذا التناظر، إلى سبب من أسباب النمو غير المتكافئ للمجتمعات والدول العربية بعد تأسيس الدول الوطنية العربية في سياق الأطروحة الاستعمارية، التي لم يؤد اختلاف توجهاتها الإنجليزية مثلا عن الفرنسية طبقا لأنظمة المصالح المتعارضة ولو جزئيا بين الدولتين، لم يؤد إلى إتاحة فرصة للنمو المتواصل بل أدى إلى زيادة نسبة الاختلاف على خريطة الاختلاف داخل مؤسسات ودورة الإنتاج في كل من فرنسا وإنجلترا.

هذا اللاتكافؤ واللاتناظر يحتم، من وجهة علمية، على كل من يعالجون الأوضاع في الدول العربية المختلفة، أن يراعوا ما أصبح وكأنه من الخصوصيات المكونة للاجتماع والدولة في البلدان العربية، وإن كان الأكثر منهجية هو تقسيم هذه الخصوصيات إلى فئات مرنة وفئات غير مرنة، لتعطى الأولوية للفئات المرنة حتى يتم تطويرها طبيعيا في اتجاه التماثل أو التناظر العربي، من دون أن يكون هناك وهم بإمكان إلغاء كل الخصوصيات، لأن في ذلك إلغاء للمجتمع الوطني من دون أن يكون مشروع المجتمع القومي الواحد أطروحة قابلة للتحقيق.

على أنه لابد من التدقيق في صدقية مفهوم المجتمع الوطني فضلا عن صدقية المجتمع العربي، وفضلا عن مطلق صدقية مفهوم الاجتماع بذاته، وخصوصا بعدما برز التعدد التكويني المفتوح على مزيد من التعدد التاريخي في كل المجتمعات أو ما يسمى بالمجتمعات الوطنية على المستوى العالمي، وأصبح هذا العقد ويعبر عن نفسه بأشكال مختلفة مستقطبا في اتجاه الاتصال واتجاه الانفصال بالقوة نفسها.

هذا الوصف للحال العربية، هل يصلح حجة وذريعة لتجاهل العموميات الجامعة للأوضاع العربية؟ والتي من الممكن ترتيب رؤية مشتركة لصورتها الراهنة أو ترتيب احتمالات متعددة بشأن استحقاقاتها القادمة بناء على المتغير العلمي العالمي والمتبدل في الصمت من أنظمة المصالح العالمية وخصوصا في دول المركز الغربي أو دولة المركز الغربي الكبرى "الولايات المتحدة" انطلاقا من التسليم بأن العموميات تكون موجودة دائما وبقوة الخصوصيات، ومن المسلم بأن التطورات والتحولات الحاصلة "العولمة" من شأنها أن توسع مساحة العموميات المشتركة بين القارات والدول والشعوب والمجتمعات وداخلها، فإن العموميات أو المشتركات العربية في نطاق عربي، والمشتركات الإسلامية في نطاق إسلامي، والآسيوية والمشرقية إلخ. واقع لا يمكن تجاهله ولابد من قراءة اللوحة الجامعة من مشهده الجامع لمجمل مشاهده الفرعية شرطا لاستشراف المشترك في مستقبله.

ومن هذا الإطار النظري القابل للنقاش أود الانتقال إلى الواقع الميداني لأرى أنه أصبح من الضروري جدا، وقد يفوت الأوان بسرعة، أن تقرأ الشعوب والدول العربية، من خلال أهل الفكر والسياسة والثقافة والإدارة والاقتصاد المتفقين والمختلفين، في كل دولة على حدة، ومن خلال المجموع، أن تقرأ حال الدول الأخرى لتعيد اكتشاف المشترك في إشكالات وتعقيدات وتحديات ومخاطر محتملة يمكن، بل لا يمكن تجنبها إلا معا، ومصالح يمكن، بل لا يمكن تحقيقها إلا معا، مع ضرورة الفرز الدقيق بين الخاص الوطني والعام العربي، وعدم التشبث بذريعة أن العراق غير سورية وسورية غير لبنان ولبنان غير فلسطين وفلسطين غير مصر ومصر غير السعودية والسعودية غير البحرين والبحرين غير الكويت. إن الأم غير الأب والأخ غير الأخت وهناك أخ يختلف عن أخ وجار عن جار وحي عن حي وزميل عن زميل وشريك عن شريك، وهذا لا يعني أن الغيرية تمنع الخطر المشترك والمصلحة المشتركة، كما أن وحدة العائلة أو الطائفة أو الحي أو المدينة أو المجتمع الوطني ليست مطلقة ونهائية حتى نعمم الأحكام ونطلقها من دون تبصر بالخصوصيات الثابتة، المرنة وغير المرنة والتي تزيدها الحوادث عددا ونوعا.

إذا، فنحن بحاجة إلى ورش وطنية وورشة عربية واسعة لنتبادل العلم والعمل في إطار تكامل الخاص مع العام.

* عالم دين ومفكر لبناني

إقرأ أيضا لـ "هاني فحص"

العدد 1060 - الأحد 31 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً