العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ

فضل الله: الفشل في العراق سيدفع أميركا لإشعال حرب مذهبية

حذر من تفخيخ العلاقة بين السنة والشيعة

هاني عبدالله comments [at] alwasatnews.com

نبه العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، إلى وجود جهات استخباراتية دولية واقليمية تعمل لتفخيخ الواقع الإسلامي وتدمير البنيان الوحدوي بين السنة والشيعة منبها إلى الكلام الأميركي الصريح في أكثر من مناسبة بشأن استخدام أسلوب "فرق تسد" حتى يتمكنوا من السيطرة على العرب والمسلمين.

وحذر سماحته علماء السنة والشيعة من بعض الطفيليات الداخلية العابثة ومن الاستكبار الأميركي والصهيوني الذي يسعى لإحداث خرق في الجسد الإسلامي، داعيا الدعاة للإسلام الأصيل والوحدة الإسلامية إلى التحرك سريعا. وأشار سماحته إلى أن الفشل الأميركي في العراق وعدم قدرة شارون على إلحاق الهزيمة بالشعب الفلسطيني سيقود التحالف الأميركي الإسرائيلي للتركيز على اشعال نيران الحرب المذهبية بين المسلمين، داعيا الأمة إلى أن لا تفقد التركيز على الاحتلال الإسرائيلي والأميركي وتغرق في مشكلاتها الداخلية وفي عملية توزيع الحصص المذهبية والعشائرية.

وسئل في ندوته الأسبوعية عن موقف الإسلام من سفك الدماء أو عصمتها، فأجاب: إن ثمة مبدأ من المبادئ الإسلامية الكبرى التي أظهرت اهتمام الإسلام وحرصه الكبير على الحياة الإنسانية، يتمثل في ما اصطلح على تسميته عصمة الدماء في الإسلام والذي تتبعه عصمة الأعراض والنفوس وما إلى ذلك. وقد يرتدي الحديث عن هذا المبدأ أهمية مضاعفة في هذه الظروف التي تتخبط فيها المنطقة بحالات من القتل والعنف المدمر، وتستباح فيها الدماء البريئة في أكثر من موقع إسلامي وغير إسلامي، وتختلط فيها الصورة على الكثيرين بين الموقف الإسلامي الحقيقي من هذه القضايا وبين الممارسات التي جرى فيها تشويه صورة الإسلام وسمعة المسلمين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ودخل فيها الإعلام المعادي على الخط فأمعن في التشويه والتدمير.

وتابع: إن القاعدة الأساسية في الإسلام هي محقونية دماء الإنسان وعصمتها بصرف النظر عن هويته المذهبية أو الدينية، لأن القتل بغير حق وإزهاق النفوس وسفك الدماء قبيح في شريعة العقل والعقلاء باعتباره واحدا من مصاديق الظلم، وكذلك الأمر في شريعة السماء، فإن حفظ النفوس هو من المقاصد التي أكد الإسلام حمايتها، ومن هنا اعتبر بأن قتل إنسان واحد بغير حق يوازي قتل البشرية كلها، قال تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" "المائدة: 23"، باعتبار أن الآية تؤكد رفض المبدأ ما يجعل القاتل شخصا يتحرك في عدم احترام الحياة، بحيث يختزن في ذاته الجرأة على قتل الإنسانية كلها. أما إباحة القتل في بعض الموارد كما في حالات الدفاع عن النفس ورد العدوان عن الأوطان وحماية الإنسان البريء من جرم المجرمين، فهو من الأمور التي أباحها الإسلام كاستثناءات تجوزها الضرورة الإنسانية وتفرضها المصالح النوعية النظامية، ليس انطلاقا من إيمانه بمبدأ القتل للقتل، بل صونا للحياة نفسها ومنعا للمجرمين والمعتدين من الامتداد في حركة العدوان وحماية المجتمع من جميع ألوان الظلم والشر والاستبداد.

وقال: ومن هنا توعد الإسلام الذين يمعنون في قتل الإنسان تحت عناوين ومبررات واهية تحاول أن تتخذ من الإسلام غطاء لها والإسلام من ذلك براء، فنجد أن الرسول الأكرم "ص" يقول: "لا يغرنكم رحب الذراعين بالدم فإن له عند الله قاتلا لا يموت، قالوا: يا رسول الله وما قاتل لا يموت؟ قال: الموت". وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر"ع": "إن الرجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم، فيقول: والله ما قتلت ولا شركت في دم، فيقال له: بل ذكرت عبدي فلانا، فترقى ذلك حتى قتل فأصابك من دمه". وانطلاقا من ذلك فإن هذه النصوص وغيرها ينبغي أن تربي المسلم على التورع عن الخوض في الدماء وتجنب كل ما يساهم ولو من بعيد في سفكها، ولعل ما يبعث على الاستغراب أن بعض الجماعات التي تستهين بالدماء تراها لا تفرق بين مسلم وغيره، ضاربة بكل هذه النصوص عرض الجدار مع أن الله تعالى يقول: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها" "النساء: 39". وفي الحديث عن رسول الله "ص": "والذي بعثني بالحق، لو أن أهل السماء والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار".

وأضاف: وفي الوقت الذي أباح الإسلام الحرب للدفاع عن النفس والعرض والأرض فإنه قد جعل لها ضوابط ولم يطلق العنان للإنسان في سفك الدماء، ومن هنا جاء تحريم الغدر والفتك، لأن "الإيمان قيد الفتك"، واستثناء الأطفال والنساء والشيوخ من القتل كما جاء في وصايا رسول الله "ص" لأمراء السرايا والمجاهدين: "لا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها". ولذلك فنحن نعتقد أن الذين يستسهلون سفك دماء الأبرياء من المسلمين وغيرهم باسم الإسلام إنما يجرمون مرتين: في الأولى عندما يتنكرون للمبادئ الإسلامية فيساهمون في إذكاء نيران الحرب الإعلامية والدعائية ضد الإسلام والتي تغذيها الصهيونية العالمية وأجهزة غربية تمعن في التأكيد بأن الإسلام هو الذي يصنع الإرهاب ويوفر له الأرض والشرعية والمناخ... وفي الثانية عندما يأخذون البريء بذنب المجرم فيمارسون الظلم الذي ينكرونه على الآخرين.

وأردف: وعلينا أن نتنبه إلى وجود جهات استخباراتية دولية وإقليمية تعمل بكل ثقلها لتفخيخ الواقع الإسلامي وتدمير البنيان الإسلامي الوحدوي على رؤوس المسلمين من خلال إذكاء نيران الحقد المذهبي وإشعال الفتنة السياسية والدينية التي قد تقود إلى فتنة أمنية تأتي بنيرانها على كل القضايا الإسلامية. ولذلك، فإن أخطر ما تواجهه الأمة في هذه المرحلة يتمثل في جر جناحيها السني والشيعي إلى الكهوف المذهبية المغلقة والانطلاق منها لشن حرب تكفيرية تعقبها فتن ميدانية متحركة هنا وهناك، ولعل ما هو أخطر من ذلك يكمن في أن البعض ممن يتحركون في ثقافة تدميرية وإلغائية هنا وهناك لم يتلفتوا إلى الكلام الأميركي الصريح والواضح والذي قيل في أكثر من مناسبة، والداعي إلى استخدام أسلوب "فرق تسد" حتى نتمكن من السيطرة على العرب والمسلمين.

وخلص إلى القول: إنني، ومن موقعي الإسلامي الشرعي، احذر علماء الأمة من المسلمين السنة والشيعة من أن الاستكبار الأميركي والصهيوني من جهة وبعض الطفيليات الداخلية العابثة من جهة ثانية، يعملان على إدخالنا في المحرم الكبير في الفتنة العمياء التي ساهمت ثقافة الإلغاء وأفكار الهدم ومفاهيم القطيعة الدخيلة على الإسلام الأصيل، والتي تحركت بها جهات غير عاقلة لدى السنة والشيعة معا تستهدف تسهيل مهمة الأعداء واختراقهم للجسد الإسلامي الذي نهشته المذهبية المغلقة والعصبية المدمرة...

وختم: إنني أتوجه لكل إخواني من الدعاة للإسلام الأصيل ومن العاملين للوحدة الإسلامية أن يتحركوا سريعا، لأنني أخشى من أن الفشل الأميركي في العراق وعدم قدرة شارون على إلحاق الهزيمة بالشعب الفلسطيني سيقود التحالف الأميركي الإسرائيلي إلى التركيز على إشعال نيران الحرب المذهبية بين المسلمين كي تحترق المنطقة بأهلها، فيجلس الرئيس الأميركي ويتفرج على الواقع العربي والإسلامي المحترق كما فعل نيرون بروما. إن علينا أمام ذلك كله ألا نفقد التركيز لتدرك الأمة بأن مشكلاتها انطلقت من الاحتلال الإسرائيلي والأميركي لتواصل سعيها للخلاص من هذين الاحتلالين، وبعدها يمكن أن تتفاهم في ما بينها كيف توزع الحصص المذهبية والعشائرية التي أكلت تراثنا وأصالتنا ولم تبق لنا إلا الدماء والدمار والضحايا

العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً