العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ

هل تنقذ حرب العراق المستشار شرودر مرة ثانية؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بدأت الحملة الانتخابية في ألمانيا. وستدخل مرحلتها الحاسمة بعد يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول المقبل حين تجرى مناظرة تلفزيونية بين المستشار الاشتراكي غيرهارد شرودر ومنافسته زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض أنجيلا ميركل. من المنتظر أن يستغل كل من الجانبين هذه المناظرة التي ستنقلها مباشرة أربع محطات تلفزيونية محلية وتستغرق 90 دقيقة، ليكسب تأييد نسبة تزيد عن 40 في المئة من الناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن سيدلوا بأصواتهم. فيما يتوقع المحللون هنا أن تركز ميركل على السياسة الداخلية وتمنح شهادة الفشل لحكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر التي تولت السلطة منذ سبع سنوات، وستحمل شرودر وحكومته مسئولية استفحال البطالة والجمود الاقتصادي. ويرى المحللون أن شرودر سيتفوق على ميركل بوضوح حين يجري التطرق لموضوع السياسة الخارجية. على رغم أن حرب العراق لا تلعب في الانتخابات الألمانية أي دور غير أن هناك مؤشرات توضح أن شرودر سيثير قضية العراق مجددا وخصوصا أنها ساهمت بفوزه مرة ثانية في العام .2002

آنذاك احتلت قضية العراق صدارة الموضوعات المثارة وأحس شرودر برفض الشارع الألماني هذه الحرب ما جعله ينتقد واشنطن بشدة وحذر من نتائجها. بيد أن الحرب ما زالت عمليا قائمة على رغم إعلان الرئيس الاميركي نهايتها في الأول من مايو/أيار العام 2003 إلا أنها ما زالت تثير قلق العالم وخصوصا أن تحليلات مؤسسات أبحاث السلام الألمانية تشير إلى أن من أبرز أسباب تصعيد أعمال العنف في مناطق مثل مدريد ولندن غزو العراق واستغلال الأصوليين وجود ما يزيد عن 148 ألف جندي أميركي في هذا البلد العربي للانتقام من الولايات المتحدة. ففي خلال شهر أبريل/نيسان الماضي نفذ أصوليون أجانب عمليات انتحارية ضد قوات الاحتلال بصورة تزيد عن العمليات الانتحارية التي نفذها عراقيون. شرودر تعلم خفايا السياسة الخارجية خلال سنوات حكمه الماضية بينما ميركل التي تنحدر من ألمانيا الشرقية السابقة ضعيفة الخبرة في هذا المجال. كما وأن موقفها من حرب العراق لم يكن موفقا. فقد أيدت الحرب في العام 2002 ما أدى لإثارة مخاوف الناخبين في العام المذكور من مغبة الزج بجنود ألمان في الحرب وخصوصا أن المستشار شرودر أكد أنه لن يشارك بهذه الحرب لكن منافسه في ذلك الوقت، الشريك السياسي لميركل، إدموند شتويبر رئيس حكومة بافاريا لم يوضح موقفه ولم يقل صراحة إن ألمانيا ستمتنع عن إرسال جنود.

يرى المراقبون في استمرار حرب ما بعد الحرب، إمكان حصول شرودر على فرصة ليستغل حرب العراق مرة جديدة من أجل زيادة شعبيته. وقال أحد معاوني شرودر: لا أتصور أن المستشار سيتجاهل الورقة التي ساعدته في الاحتفاظ بمنصبه قبل ثلاث سنوات. أما منافسته على المستشارية، فإنها تتجنب التطرق للسياسة الخارجية التي هي مكمن ضعفها. حين صرحت حديثا أنها في حال فوزها بالمستشارية ستتبنى موقف شرودر المعارض لإرسال جنود ألمان إلى العراق. غير أن عملية استطلاع للرأي تمت لحساب مجلة "دير شبيغل" كشفت أن نسبة كبيرة من الألمان لا يأخذون كلامها على محمل الجد وأجمعوا أنها ستتراجع عن موقفها بعد فوزها بالمستشارية. في برنامجها الانتخابي تدعو ميركل إلى ما تسميه إحياء التعاون الأطلسي مع الولايات المتحدة. وكلفت ميركل خبير السياسة الخارجية في الاتحاد المسيحي الديمقراطي فولفغانغ شويبلي لينقل هذه الرغبة إلى الإدارة الأميركية قبل أسبوعين. بينما كشف شويبلي في واشنطن عن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الألمانية في ظل المستشارة ميركل، وأعرب عن رغبة المحافظين الألمان رأب الصدع مع واشنطن الذي نشأ بسبب الخلاف مع حكومة شرودر بشأن حرب العراق. في الوقت نفسه كانت ميركل تتحدث ساعات طويلة في ألمانيا عن سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما وجدت الوقت الكافي لزيارة احتفالات "فاغنر" الموسيقية التي تقام سنويا في بايرويت لكنها لم تجد الوقت الكافي للقيام بزيارة قصيرة إلى واشنطن. علق نائب المستشار ووزير الخارجية يوشكا فيشر على عدم سفر ميركل شخصيا إلى واشنطن بدلا من شويبلي بقوله: يخيل إلي أن ميركل تتجنب إحياء ذكريات غير سارة بشأن حرب العراق في الحملة الانتخابية. ما يعزز هذا الشك عدم وجود كلمة واحدة عن العراق في البرنامج الانتخابي الخاص بالاتحاد المسيحي المعارض. لا شك أن الائتلاف الاشتراكي الأخضر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية يلقى قبولا أفضل من الاتحاد المسيحي وشريكه الصغير الحزب الليبرالي الذي يصر على أن تكون حقيبة وزارة الخارجية له لأن الحزب الليبرالي كان دائما يدير هذه الوزارة بدءا بفالتر شيل ومرورا بهانز ديتريش جينشر وصولا إلى كلاوس كينكل. وكانت ميركل قد أشعلت أزمة سياسية بدعوتها الاتحاد الأوروبي إلى عقد شراكة متميزة مع تركيا عوضا عن ضمها كعضو كامل للاتحاد الأوروبي. كما تتبنى ميركل نظرة ناقدة لرغبة بلغاريا ورومانيا الانضمام للاتحاد الأوروبي. يقول المحرر في صحيفة "زود دويتشه" الليبرالية التي تصدر بمدينة ميونيخ نيكو فريد: هناك رؤية مختلفة تماما حيال حرب العراق بين شرودر ومنافسته ميركل وأعتقد أن موقف شرودر يجد قبولا أفضل عند الناخبين. لذلك سيسعى الاشتراكيون والخضر لإثارة ورقة العراق. قال يوشكا فيشر المرشح الرئيسي لحزب الخضر قبل أيام: نحن فخورون بما حققناه في مجال السياسة الخارجية. وفي البرنامج الانتخابي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم يقرأ المرء جملة تقول: لو كانت ميركل تشغل منصب مستشارة لكنا اليوم نطالب بسحب الجنود الألمان من العراق. يشير نيكو فريد إلى أن مشكلة ميركل أنها لم تؤيد صراحة موقف الحكومة الألمانية حين قررت معارضة الحرب خلال الحملة الانتخابية العام 2002 وقبل بدء الغزو العام .2003 انتقدت ميركل القرار وقالت "إنه من الخطأ استبعاد الحل العسكري مبكرا". فيما كسبت ميركل تأييد واشنطن إلا أن المستشار شرودر فاز حينها بثقة غالبية المواطنين الألمان الذين يعتبرون غزو العراق خطأ اليوم أيضا.

تصرف شرودر حينها كمستشار حكومة دولة خضعت لتغييرات كثيرة بعد إعادة توحيد ألمانيا وباتت تثق بنفسها ولم تعد كما في السابق عبارة عن عملاق اقتصادي وقزم سياسي.

اختار شرودر السير في طريق مستقل عوضا عن الانجرار في ركاب الولايات المتحدة وينتهي الأمر بانتشار جنود ألمان في منطقة نزاع ساخنة. قامت ميركل على النقيض منه بما تفرضه تقاليد الصداقة الألمانية الأميركية لكن غالبية الألمان غضوا النظر عن هذه الصداقة مع مجيء الرئيس جورج بوش وقيامه بغزو أفغانستان والعراق بعد حصول الولايات المتحدة على تعاطف الألمان عقب هجمات 11 سبتمبر .2001 زادت ميركل الطين بلة حين كتبت في صحيفة "واشنطن بوست" قبل زيارة قامت بها لواشنطن في فبراير/ شباط 2003: المستشار شرودر لا يتحدث باسم جميع الألمان. لم تتنبه ميركل إلى أن موقفها أزعج غالبية الألمان. وحين طلبت واشنطن من صدام حسين مغادرة العراق وأمهلته مدة معينة ساندت ميركل الموقف الأميركي وطالبت حكومة شرودر بتأييده. يقول نيكو فريد: هكذا حصل الألمان على شعور أن ميركل تؤيد غزو العراق.

بعد بدء الحملة العسكرية في مارس/ آذار 2003 لم يصدر عن ميركل ما يشير إلى أنها ضد الحرب بل العكس، إذ صرحت بقولها أن الوضع بلغ مرحلة أصبح من الصعب تجنب الحرب. وأضافت: لو لم يتم التصرف لزاد خطر صدام حسين. القائمون على الحملة الانتخابية داخل معسكر ميركل يؤكدون أن حكومة تتزعمها ميركل آنذاك كانت رفضت أيضا إرسال جنود ألمان إلى العراق. هذا الرأي لا يتفق مع تصريح صدر عن ميركل بتاريخ 22 ديسمبر/ كانون الأول جاء فيه: في حال دعت الأمم المتحدة للقيام بعمل عسكري ضد العراق فإن ألمانيا لن يكون بوسعها تجاهل مسئوليتها. لم تكشف ميركل لاحقا ما إذا ما كان غزو العراق بنظرها تم استنادا على ميثاق الأمم المتحدة أم ضده. لكنها على الأقل أوحت من خلال إشارتها دائما إلى القرارات المفروضة ضد العراق أنها تعتبر الهجمات الأميركية مشروعة. بعد التفجير الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس/آب 2003 صرحت ميركل: لا ينبغي السكوت بعد اليوم ومن المحتمل أن يؤيد حلف الناتو "الاطلسي" قرارا دوليا يدعو للتدخل في العراق وعندها يتعين على كل دولة أن تفكر بالمساهمات التي يمكن أن تقدمها. في حال فوز ميركل قد تحصد الثمار المرة لسياستها وسيذكرها بوش وتشيني ورايس ورامسفيلد بمواقفها السابقة المؤيدة لحربهم على العراق

العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً