العدد 1067 - الأحد 07 أغسطس 2005م الموافق 02 رجب 1426هـ

مشاركة المرأة في العمل البلدي بين المطرقة والسندان

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

من الموضوعات التي أخذت حيزا من النقاش في السنوات الأخيرة، وتصاعد الاهتمام العام بها في الدول العربية، قضية دخول المرأة معترك الحياة السياسية.

ان المشاركة السياسية للمرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوقها الأساسية التي كفلها ديننا الإسلامي، وتجارب أمهات المسلمات اللواتي شاركن بآرائهن السديدة في كل ما يهم المسلمين وحفل بها تاريخنا الإسلامي بمآثر مواقفهن الخالدة لخير برهان.

ومع تنامي دور المؤسسات النسوية المحلية والدولية المطالبة بإعطاء المرأة المزيد من الحقوق، عمدت الحكومات الخليجية إلى تشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وهو الأمر الذي قابلته منظومة العادات والتقاليد ببرودة شديدة اذ لايزال المجتمع الشرقي عموما مجتمعا ذكوريا بكل ما تحويه الكلمة من معنى.

يرى بعض المراقبين لوضع المرأة في البحرين، أن قرار إدخال العنصر النسائي للمجالس البلدية، على رغم ارتباطه بما قامت به المؤسسات الرسمية والمجلس الأعلى للمرأة على رأسهم من جهود حثيثة، فإنه يبقى نوعا من الديكور والزخرفة، لإبراز الوجه الحضاري للمجتمع بشكل يتماشى مع متطلبات المرحلة فيما يرى البعض الآخر خلاف ذلك إذ يعده من الأمور الواقعية التي يجب أن ينصاع لها المجتمع بأي حال من الأحوال، فالنساء شقائق الرجال والمرأة تمثل نصف المجتمع وبالتالي لا يمكن أن ينهض المجتمع وقد أغفل أو همش نصفه الآخر وأنه لمن الواقعية بمكان أن تعطى المرأة حقها ولا يتم حرمانها من ممارسة حقوقها، وبالتالي مشاركة المرأة في الحياة السياسية أصبحت من الأمور الملحة والمطلوبة من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهناك مؤشرات تشير إلى أن هذا الطلب بأهمية دخول المرأة الحياة السياسية سيصبح في ازدياد في المستقبل.

تواجه المرأة عقبات كبيرة في التمثيل، ومن بينها العوائق الثقافية والاجتماعية والإدارية والدينية والسياسية، ولعل أبرز هذه العقبات نظرة المجتمع الذي يعتبر خروج المرأة من بيتها عملا غير مرغوب فيه، ويعود ذلك إلى أساليب التربية والتنشئة الاجتماعية للبنت في المجتمع وبالتالي تكريس الأدوار النمطية والتمييز بين الذكر والأنثى، ما ينتج عنه في غالبية الأحيان امرأة ليست عازفة فقط عن المشاركة في مجالات العمل والمسئوليات عموما بل لا تعي أهمية مشاركتها ومدى إمكان تحسينها للواقع وتغييرها إلى الأحسن، كما أن مجتمعنا يرى أن مكان المرأة الأنسب هو البيت أو العمل كمدرسة أطفال أو معلمة في مدرسة للبنات، نظرة المجتمع التقليدية لدور النساء وسيادة الثقافة الذكورية عملت على تحجيم دورها أحيانا وتغييبه أحيانا أخرى.

لقد تسببت هذه النظرة في جعل مستوى مشاركة المرأة متواضعا على رغم ما يسمى بالتمسك بحقوق المرأة، ولايزال الرجل البحريني يرفض أن تترك زوجته منزلها وأطفالها لتتابع قضايا عامة، وأصبح الانفتاح والتسهيل المجتمعي اللذان يحظى بهما الرجل وتحرم منهما المرأة يعملان على ترجيح أعداد الرجال في الانتخابات وضمان سيطرتهم المطلقة على نتائجها، ومن نتائج ذلك على سبيل المثال أعداد النساء اللائي يحصلن على مراكز قيادية وإدارية عليا ما لا يتناسب مع حجمها وتاريخ مشاركتها في سوق العمل، ولا سيما أن العمل البلدي بطبيعة الحال ميداني وله ارتباطات ومتطلبات على أرض الواقع وهو بطبيعة الحال لا مكان ولا زمان محددا له، من خلال المتابعات اليومية وبالتالي فان المرأة البحرينية وفق نسيجها الاجتماعي ووضعها العام يصعب إمكان وجودها في هذه المواقع بالإضافة إلى طبيعة العمل من خلال نظام المجلس المفتوح والالتقاء بجميع الشرائح والأطياف والألوان، وبالتالي يحد من قبول المجتمع لهذا الصنف من الأعمال التي تقوم بها المرأة من واقع الوازع الديني وإرث العادات والتقاليد، إلى جانب مدى ظرافة وطبيعة الوظيفة وخصوصا متابعة الأمور الفنية التي تخص البنى التحتية من خدمات المياه والكهرباء وتعبيد الشوارع والتراخيص.

إن وضع الأمور في نصابها والسعي إلى تقدم ورقي المجتمع يستلزم إعطاء المرأة حقوقها واعتبارها إنسانا لا يختلف عن الرجل.

إيجابيات وسلبيات مشاركة المرأة في المجالس البلدية

لعل موضوع وجود المرأة في المجالس البلدية من الأمور المهمة، التي لم يتم اتخاذ قرارات حاسمة فيها إلى الآن، ولكن هناك ربما مخاوف من مسألة دخول المرأة من عدمه، وهذا راجع بطبيعة الحال إلى عدة أمور منها، العمل البلدي وما يواجهه أعضاء المجالس البلدية من صراعات وصعوبات وتحديات بالغة نتيجة طراوة التجربة وحداثتها، صعب بالتالي إمكان حضور المرأة في العمل البلدي، تحت عنوان ان الرجل لم يحقق نجاحات كبيرة على مستوى العمل البلدي فكيف بالمرأة أن تنجح في ذلك؟ كما أنه نظرا إلى ذلك تعرض العضو البلدي في الكثير من الأحيان إلى "السب والشتم" من قبل ناخبيه وبالتالي ليس جديرا بالمرأة أن تكون في المقام نفسه، ولاتخاذ قرار مناسب حيال ذلك لا بد من الوقوف على إيجابيات مشاركة المرأة والنظر في سلبيات المشاركة:

أولا: ايجابيات مشاركة المرأة:

مشاركة المرأة في العمل البلدي كمرشحة تساهم في توسيع دائرة مشاركتها في العمل السياسي، ووجودها في مواقع صنع القرار، كما ان ممارسة المرأة لحق من حقوقها السياسية باعتبارها ناخبة ومرشحة، يعني الامتثال للاتفاقات الدولية التي تخص الشأن النسوي، كإزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها، وان ممارسة حقها كمواطن له حقوق وعليه واجبات، يعني اندماجها في الحياة العامة، وتفعيل دورها وإعطاءها حجمها الحقيقي كشريك فاعل في المجتمع، تعني صقل مهاراتها، والاستفادة من إمكاناتها واستعداداتها، وعدم تهميش دورها، ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بتحجيم دور المرأة، فالمرأة جزء من مجتمعها وبالتالي لابد من تمثيلها وإعطائها فرصتها الكافية لخدمة مجتمعها، كما ان مشاركتها تعني العمل على تمكينها مستقبلا، ومشاركتها أيضا تعني الالتفات إلى القضايا التي تخصها، ومشاركتها تعني السماح لأكبر قطاع ممكن من النساء لتحريك الكثير من القضايا الخاصة بالعمل البلدي من خلال التفاعل في مجالسها المحلية، ومشاركتها تعني سماع صوتها ورأيها في الكثير من القضايا المجتمعية، ومشاركتها تعني تفعيل دورها والتعامل معها على أنها طاقة ليست معطلة.

ثانيا: سلبيات مشاركة المرأة:

تتعرض المرأة للكثير من المواقف الصعبة وغير المناسبة لطبيعتها بسبب خصوصية العمل البلدي الشاق والخشن الذي لا يتناسب ربما مع طبيعة المرأة "الرقيقة"، والعمل البلدي بطبيعة الحال يعتمد على سياسة المجلس المفتوح وبالتالي لا يليق ذلك بالمرأة المؤمنة المحتشمة، لأن طبيعة العمل تتطلب منها الالتقاء مع الرجال بجميع الأطياف والألوان وفي أوقات ربما تكون مزعجة بالنسبة إليها وفي أماكن غير لائقة وبالتالي تتعرض المرأة للاختلاط، وطبيعة العمل البلدي ميداني ولا مكان ولا زمان محدد له وبالتالي قد يؤثر على رسالة المرأة، وخصوصا أن المجتمع الخليجي لايزال يعتمد فيه على دور المرأة بشكل كبير جدا داخل الأسرة سواء من خلال تدبير شئون المنزل أو متابعة شئون الأولاد والتربية، وبالتالي قد يكون العمل البلدي أحد أسباب عدم توافر الاستقرار الأسري للمرأة وبالتالي الإخلال بالمسئوليات المناطة بها كربة بيت وأم وزوجة، وهذه معادلة قد تكون صعبة التحقيق، كما أن العمل البلدي عمل خدماتي قد لا يتناسب مع طبيعة المرأة.

أهم الصعوبات التي من المتوقع أن تمر بها المرأة عندما تكون عضوة مجلس بلدي من وجهة نظر بعض أعضاء المجالس البلدية، ان المرأة قد تعيش ظروفا لا يعيشها الرجل وخصوصا إذا كانت متزوجة وما يرافق ذلك من أعباء الحمل والولادة وبالتالي حاجتها إلى التفرغ للأطفال، وصعوبة التوفيق بين مهماتها كربة بيت والتفرغ للعمل البلدي، الذي يتطلب تفرغا تاما يفرض عليها عدم الانشغال بأي أمر آخر غير مسئولياتها باعتبارها عضوة، وخصوصا إذا أسندت إليها مهمة لجنة من اللجان ذات الارتباط المباشر بحاجات الناس الأساسية والضرورية، ما قد يؤثر على قدرتها الجسدية ومدى استعدادها للعمل طوال ساعات من النهار وتضاف إليها بعض ساعات من الليل في حالات معينة. هذه الساعات تنقسم بين المكتب لمتابعة قضايا مختلفة واستقبال المراجعين والسعي إلى حل المشكلات التي تعترض المواطنين. وبين اجتماعات اللجان والمجلس إضافة إلى الزيارات الميدانية ولقاء المواطنين، ومن المعروف أن طاقة المرأة الجسدية تختلف عن طاقة الرجل، في الاستعدادات النفسية عند المرأة كذلك مدى احتمالها للإهانات التي قد يواجهها عضو المجلس البلدي وبصورة مباشرة وأحيانا أمام جمع غفير من الناس.

إن العمل البلدي لا يقدر بزمن محدد ووقته مفتوح، وبالتالي الأمر يحتاج إلى وجود تفاهم كبير داخل الأسرة، يحتاج فيه العضو إلى أن تكون له قاعدته الشعبية لتمنحه الثقة وتقف إلى جانبه ولو في بعض الأحيان. وهذا في حد ذاته يحتاج إلى أن يلعب العضو دورا بارزا في المجتمع، وباعتبار أن المهمة الأساسية للمجالس البلدية هي الخدمات فقد يحتاجون إلى عضو المجلس البلدي في أي وقت من أوقات الليل أو النهار. وأحيانا قد يتلقى عضو المجلس البلدي مكالمة في الليل يطلب منه الحضور إلى مكان ما لقضية من القضايا الطارئة والتي تحتاج إلى تحرك سريع. وهنا تكمن الصعوبة بالنسبة إلى المرأة، ومن المعروف أن من ضرورات العمل البلدي أن ينشر العضو البلدي رقم هاتفه على المواطنين، و هنا يتم استغلال رقم هاتف المرأة استغلالا سيئا من قبل بعض المغرضين أو سيئي الأدب والأخلاق.

في نهاية المطاف يبقى قرار المرأة في الترشح من عدمه قرار شخصي لابد أن يكون مدروسا من جميع جوانبه، وعلينا عدم قتل الطموح والأحلام، مثلما هو علينا أن نقدم دراسات لحل مثل هذه المشكلات والمعوقات، لكن لا يعني ذلك أن نتخلى عن دورنا في مراقبة الأمور ميدانيا، ولعل هذه الجوانب السلبية الموجودة في طبيعة العمل البلدي ليست عذرا مقبولا للمرأة لتترك مكانها خاليا وشاغرا أمام تحديات كبرى أمامها، للتأكيد أنها الأقدر على التعاطي مع جميع الأمور نظرا إلى مرونتها وقدرتها على التكيف، ولا ننسى أن البحرينية حققت نجاحات كبيرة بتوليها الكثير من المناصب كمهندسة معمارية ومدنية وميكانيكية وكهربائية، أي انها شملت الجانبين الفني والتقني وتمكنت حينها من الوصول إلى مراكز عليا، وبالتالي لاتزال هناك آمال لتحقيق نجاحات.

* كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1067 - الأحد 07 أغسطس 2005م الموافق 02 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً