العدد 1071 - الخميس 11 أغسطس 2005م الموافق 06 رجب 1426هـ

"خريطة طريق" إيرانية لكبح جماح واشنطن

إصفهان أولا

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما تقترح أوروبا مشروع "صفقة شاملة" على طهران فإنها تبحث عن حل سلمي بأي ثمن كان لملف قاعه من الصفيح الساخن وسقفه من نار قد تتطاير شراراته لتصيب أوروبا نفسها في العمق من سياساتها العالمية التنافسية! حرص أوروبا على النجاح يقابله حرص أشد من جانب واشنطن على إفشال أي اتفاق أوروبي إيراني لهذا الملف المدجج بخطر التشقق والانفجار! من هنا كان حرص الفريق الإيراني المفاوض حتى الآن أن يمنع حصول مثل هذا الفشل وتاليا حصول أي انفجار محتمل والذي من شأنه أن يخرج اللعبة من أيدي الجميع ليضعها بيد الإسرائيلي المتحفز لتولي قيادة لعبة الانتفاض على المشروع النووي الإيراني! صعود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة كان رسالة واضحة إلى العالم وإلى أوروبا بالذات بأن زمن "الصفقة الشاملة" ولى بعد أن استنفذت أوروبا كل طاقاتها ولعبت كل أوراقها من دون أن تقدم ما يلبي الطموحات الإيرانية! بإعلان طهران نيتها لإعادة النشاط إلى منشأة إصفهان النووية تكون العاصمة الإيرانية استعادت زمام المبادرة من الأوروبيين من دون أن تقطع حبل المفاوضات معهم.

بالمقابل فإن خطوة طهران المفاجئة هذه، ستعني فيما تعني أن الإيرانيين قرروا ممارسة حقهم السيادي في مجال الملف النووي كما توفره لهم معاهدة خطر انتشار الأسلحة النووية الموقعين عليها على حساب خطوتهم التطوعية التي كانوا قد منحوها "سلفة" للأوروبيين في إطار "اتفاق باريس" لينهوا بذلك زمنا عمره سنتان تقريبا، انتظروا خلاله مقترحات عمل ضمانات عينية وعملية تحقق لهم طموحهم في دورة نووية كاملة من دون جدوى!

هل يعني كل ما تقدم أن الصدام بين إيران والأطلسي قادم لا محالة؟! ليس ذلك هو بالضبط ما تتمناه طهران أو تخطط له أبدا. كما أنه ليس هو بالضبط ما تستطيع واشنطن فرضه على المجتمع الدولي برمته. لكنه هو بالضبط ما تخشى منه أوروبا المتحيرة والمترددة بين ضغط أميركي متنام عليها وبين حاجاتها الماسة لدور مركزي في ما بقي من ساحات مناورة أو بازار سياسي واقتصادي في الشرق الأوسط يوفر لها بعضا مما فقدته من هيبتها "الإمبراطورية" ويلبي بعضا من طموحاتها التنافسية مع القوة العظمى الأولى في العالم.

وعليه فإن طهران كما يعتقد العارفون هنا بالشأن الإيراني ربما لامست الحقيقة فعلا عندما قررت إيجاد مثل هذه "الصدمة" في معادلة الكر والفر الإيرانية - الأطلسية في هذه اللحظة الحرجة بالذات من توازن القوى العالمية من حولها وحول ملفها الساخن.

لم تكن خطوة "إصفهان أولا" الإنذار أو الصدمة الوحيدة التي أحدثتها "طهران - أحمدي نجاد" في لعبة الكر والفر الإيرانية - الأطلسية. بل إن ما قامت به من استقبال مميز للأمين العام لحزب الله لبنان ومن بعده مباشرة للحليف السوري الرئيس بشار الأسد، كان أشبه "بخريطة طريق" مضادة لخريطة الطريق الأميركية - الإسرائيلية التي لطالما تحدثت عنها واشنطن انطلاقا من مخططها التي حاولت الترويج له من العاصمة اللبنانية "بيروت" عندما كانت تقول إن ما يحصل في لبنان من محاصرة للمقاومة اللبنانية ليس سوى جزء من برنامج أشمل ستصل أصداؤه إلى كل من دمشق وطهران قريبا!

كان "أحمدي نجاد" الظاهرة والحدث واضحا تماما في لعبة "الصدمة" عندما أرسل إلى المجتمع الدولي وهو يعانق كلا من نصر الله وبشار الأسد، رسالة لا لبس فيها، ألا وهي أن الدفاع عن الأمن القومي الإيراني وحق إيران في ممارسة السيادة الكاملة بخصوص ملفها النووي ليس منفصلا عن مهمة الدفاع عن أسوار بيروت ودمشق باعتبارهما عاصمتين حليفتين ناهيك عن احتمال انضمام بغداد لمثل هذا التحالف فيما لو صعدت واشنطن من ضغوطها أو شروطها.

ليس هناك الكثير أمام أوروبا لتعمله بوجه إيران على قاعدة "خروجها" على اتفاق باريس! أولا لأن إيران تعتقد بأن الترويكا الأوروبية هي التي لم تلتزم بروح اتفاق باريس عندما أرادت أن تحول خطوة تطوعية إيرانية بخصوص تعليق التخصيب إلى "بند قانوني" فوق القوانين والحقوق الدولية الممنوحة لطهران بحسب اتفاق الـ خذش، وثانيا عندما تعدت أوروبا دورها الوسيط بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقدم نفسها طرفا "أصيلا" لفرض شروط سياسية - أمنية على الطرف الإيراني بغطاء مشروع "الصفقة الشاملة" الذي وإن كان يحمل "مغريات" اقتصادية وتجارية ومحفزات إلا ان ينزع بقوة الأمن والسياسة حق إيران السيادي في دورة الوقود النووي المستقلة والتي هي جوهر المشروع الإيراني أصلا!

من هنا جاء الرد الإيراني بقدر ما هو حازم وجازم بالرفض بقدر ما هو شفاف وقانوني بحيث لا يترك مجالا كبيرا أمام كتلة الأطلسي المسكونة بالتحريض الإسرائيلي بالتهديد برفع ملف إيراني إلى مجلس الأمن الدولي بالطرق القانونية الدولية المشروعة!

نعم تستطيع واشنطن أن تفرض على أوروبا وعلى العالم "تسييسا" كاملا لملف إيران النووي وأن تقتحم ردهات مجلس الأمن متى شاءت لتفجر أزمة عالمية جديدة. لكن ذلك لن يكون بلا ثمن. وقد يكون ثمنه ليس فقط أزمة اقتصادية عالمية غير قابلة للسيطرة بسهولة بل قد يتعداه هذه المرة ليشمل هدم كل ما "بنته" واشنطن في كل من كابول وبغداد إضافة إلى ما تحاول بناءه في بيروت وحول دمشق.

* رئيس منتدى الحوار الايراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1071 - الخميس 11 أغسطس 2005م الموافق 06 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً