العدد 1085 - الخميس 25 أغسطس 2005م الموافق 20 رجب 1426هـ

فضل الله: يدعو إلى مبادرة وحدوية "تخرجنا من جحيم المذهبية المغلقة"

انتقد الحركات الإسلامية لاستغراقها في المحلي والإقليمي على حساب مصلحة الأمة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

انتقد المرجع، السيدمحمد حسين فضل الله، استغراق الحركات الإسلامية في همومها المحلية وإمعان معظمها في قراءة الأوضاع والحوادث السياسية من هذه الزاوية ما جعل الأمور تدار على أساس مصلحة هذه الحركات والأحزاب لا مصلحة الأمة.

ورأى أن واحدة من الأخطاء الكبرى التي ارتكبت تتمثل في التعامل مع القضايا الكبرى، بروح المصلحة الذاتية مؤكدا أن ذلك مهد الطريق للمحاور الدولية وخصوصا الأميركية للعمل على إحداث فتنة مذهبية في الأمة. وانتقد الذين ثقفوا الأجيال مذهبيا فأفسحوا المجال للمحتل لكي يطل برأسه من أكثر من شباك داخلي بعدما تم إخراجه من الباب الرئيسي في أكثر من حال حضارية على المستوى الجهادي.

ودعا سماحته إلى مبادرة وحدوية غير عادية لإخراج الأمة من جحيم المذهبية المغلقة وإعادة تحريك العنوان الإسلامي في الملفات السياسية كافة وخصوصا في العراق وفلسطين.

سئل في ندوته الأسبوعية بشأن انغماس الحركات الإسلامية في الأمور الداخلية والاقليمية؛ فأجاب: ثمة أمور نمت في أوساطنا ومجتمعاتنا الإسلامية من خلال الحوادث والمسارات التاريخية التي فرضت نفسها على الواقع العربي والإسلامي، بحيث استطاعت أن تؤثر في ذهنياتنا الفكرية والسياسية، وفي طريقة تصورنا للقضايا العامة في حركة الأمة، وبالتالي في أسلوب العمل لدى الحركيين من الإسلاميين وغيرهم، مع أن الإسلام حرك عنوان العدل على مستوى العالم، وأراد للمنتمين إليه أن يحملوا العناوين التي تهم البشرية كلها. ومن هذه الأمور بروز الشخصية الإقليمية أو القطرية أو الوطنية وطغيانها في حركة الأفراد والجماعات على حساب الشخصية الإسلامية أو العربية الجامعة، وتحكمها بطريقة معالجتنا للملفات العامة أو الخاصة، الأمر الذي أفضى في الغالب الأعم إلى الاهتمام بالتفاصيل الداخلية وإيلائها الكثير من الاهتمام على حساب الكليات أو القضايا العامة التي تتصل بحياة ووجود وقوة الأمة عامة.

وتابع: لاحظنا في الآونة الأخيرة كيف أن الحركات أو الأحزاب الإسلامية انكمشت في معظم تحركاتها في الإطار الداخلي لا على المستوى الوطني أو القطري فحسب، بل على مستوى العمل على حل مشكلاتها الخاصة وإن اصطدم هذا الحل بالمصلحة العامة للأمة أو للأحزاب والحركات الأخرى، وأضحى الأسلوب السياسي في العمل يعتمد على مقولة: فليقلع شوكه بأظافره، وليعمل كل فريق على حل مشكلاته بنفسه. ونحن في الوقت الذي نعرف أن هذه المشكلة انطلقت في الأساس من ضغط الآخرين على الواقع الإسلامي والعربي ومن محاصرة الاستكبار العالمي لهذه الحركات، إلا أننا لا نستطيع أن نبرئ هذه الحركات من أنها وقعت في الفخ المذهبي تارة وفي الفخاخ السياسية التي نصبت لها هنا وهناك، وسلكت سبل الآخرين في تحقيق نجاحات سياسية موضعية على حساب الصورة العامة للإسلام، واعتمدت طرقا غير إسلامية في التعامل مع الأوضاع والمعطيات السياسية في كثير من الأحيان، الأمر الذي سهل على الجهات المعادية اختراق الساحة الإسلامية والعربية باللعب على العناوين الخاصة والتناقضات المفتعلة.

وقال: شدد الإسلام في تعاليمه وأحكامه ومفاهيمه وفي سيرة النبي الأكرم "ص" والأئمة الأطهار "ع" والصحابة الطيبين على التلاحم داخل الجسم الإسلامي، وعلى اعتبار المسلمين بمثابة الجسد الواحد الذي تتداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر إذا اشتكى أي عضو من أعضائه، وعلى تقديم الشخصية الإسلامية العامة على أية شخصية أخرى، سواء أكانت إقليمية أم قطرية أم حتى مذهبية، لأن الإحساس بحضور هذه الشخصية يدفع بالأفراد والجماعات والحركات إلى تلمس الأهداف الكبيرة انطلاقا من شعور كل هؤلاء بأهمية الانتماء إلى هذه الشخصية والعمل وفق المقتضيات التي يفرضها هذا الانتماء. وهكذا عمل النبي الأكرم "ص" على صوغ المجتمع الإسلامي على أساس الوحدة التي تدفع كل شرائح هذا المجتمع إلى التفكير في أن ثمة مسئولية تقع على عاتقهم تقتضي منهم الاهتمام بأمور المسلمين وأن الهروب منها يعني الخروج من الدائرة الإسلامية بشكل عملي، ولا يعني ذلك أن يعمد المسلمون إلى إلغاء خصوصياتهم وانتماءاتهم الإقليمية أو الوطنية، ولكن ألا يفسحوا المجال لهذه الخصوصيات أن تتحكم بذهنيتهم في مسألة التفاعل مع القضايا الكبرى.

وأضاف "إن الواقع قد يفرض على الأحزاب والحركات الإسلامية أن تعمل للاستفادة من الخصائص الذاتية أو الظروف الموضوعية التي تتيحها هذه الساحة أو تلك لتحريك الحلول الواقعية الإسلامية في المشكلات العامة أو الخاصة، وإن التجارب السياسية قد تدعم توجهاتها في الانفتاح على الآخرين والاستفادة من أساليب العمل الإداري أو التقني لديهم، ولكن لابد للعمل أن يتحرك على أساس تحريك الخصوصيات في خدمة الخط الكبير، لأن الاستغراق في الجوانب الذاتية غالبا ما يؤدي إلى تخدير المشكلة التي ما تلبث أن تعود من جديد، ولأن النجاح في موضع معين على أساس الابتعاد عن الخطوط الاستراتيجية العامة سيؤدي إلى مشكلات أكبر على المستوى الأبعد، وإن أفضى لنجاحات جزئية في الحاضر...".

وأردف "إننا نلاحظ في هذه الأيام استغراقا غير مبرر لدى معظم الحركات الإسلامية في همومها المحلية وإمعانا في قراءة الأوضاع والحوادث السياسية في هذه الزاوية، وهذا ما جعل الأمور تدار على أساس ما هي المصلحة التي تجعل هذا الحزب أو هذه الحركة تكسب في هذا البلد موقعا في السلطة، أو في ذاك مركزا في البرلمان أو ما إلى ذلك، ومن ثم توجيه الهدف من خلال التنظير الخاص الذي يفرضه الانتماء لهذا الموقع السياسي أو ذاك، ومن هنا تبعثرت الأهداف وتعثرت الحركة ودخلنا في كهوف الذاتيات وأضعنا البوصلة في الاستراتيجية العامة للأمة".

وخلص إلى القول: "إن واحدا من الأخطاء الكبرى التي ارتكبت يتمثل في التعامل مع القضايا الكبرى بروح المصلحة الذاتية، وانعكس ذلك على الجسم العام للأمة التي وضعت على مفترق طرق خطير بين أطماع المحاور الدولية، وخصوصا الأميركية، وبين الفتنة المذهبية التي بدأت تطل برأسها، وبدأت التعبئة الإعلامية الموجهة من الأعداء تشعل نيرانها، وبدأ الحديث عن عمالة هذا الطرف وخضوعه للاحتلال وأصالة ذاك ومواجهته للطامعين والغازين وأعداء الأمة. إن الحديث عن التخوين والعمالة يتحمل مسئوليته في كثير من الأحيان أولئك الذين ركزوا خطابهم على الأسس المذهبية حتى في القضايا التقليدية غير الثابتة، والذين عملوا على تثقيف الأجيال بالحساسيات الطائفية المغلقة حتى أفسحوا المجال للمحتل أن يطل برأسه من أكثر من شباك داخلي بعدما تم إخراجه من الباب الرئيسي في أكثر من حال حضارية على المستوى الجهادي، ولكن المسألة الجهادية كانت بحاجة دائما إلى رفد على مستوى البناء الفكري بالطريقة الوحدوية التي طالما اصطدمت بجدار الذاتيات والأنانيات أو الفهم السطحي للدين أو المذهب وما إلى ذلك".

وختم: إننا بحاجة في هذه الأيام إلى مبادرات وحدوية غير عادية تعمل على تلمس آليات واقعية متحركة لإخراج الأمة من جحيم المذهبية المغلقة التي يتثقف بها الناس يوميا من خلال انفعالهم بالحوادث بطريقة موجهة وغير حكيمة، وعلى الحركات والأحزاب الإسلامية أن تتنبه إلى خطورة ما يجري لتعمل على كل المستويات لإعادة تحريك العنوان الإسلامي في الأمور السياسية، بحيث يخرج هؤلاء من انغلاقهم على العنوان الداخلي على حساب العنوان العام، سواء أكان ذلك في العراق أم في فلسطين أم في لبنان وغير ذلك من المواقع. إن الساحة تنتظرنا بكل التحديات التي فرضتها أميركا و"إسرائيل" علينا، وعلينا أن نتحرك على المستويات كافة حتى نملأها وعيا وحركة سياسية وجهادية هادفة قبل أن تلتف علينا كل الطفيليات والأحقاد التي تعمل على إعادتنا إلى الجاهلية باسم الدين والتحرر وما إلى ذلك

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1085 - الخميس 25 أغسطس 2005م الموافق 20 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً