العدد 2963 - السبت 16 أكتوبر 2010م الموافق 08 ذي القعدة 1431هـ

«شرف» صنع الله إبراهيم (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«شرف» هو عنوان الرواية الذي اختاره الكاتب القصصي المصري صنع الله إبراهيم، كي ينقل تجربته الغنية في السجون التي «كوفئ» صنع الله باستضافتها «عقاباً» له على انتماءاته السياسية، بما فيها تلك الفترة التي قرر فيها إيماناً، لا جبناً أو ممالقة، أن يعلن عن تعاطفه، لكن بطريقته الخاصة وسلوكه الفردي، مع النظام القائم في مصر خلال الحقبة الناصرية.

عندما يطوي القارئ الصفحة 566 من طبعة «دار المدى» للرواية، ترتسم أمامه علامة استفهام كبيرة حول السبب الذي دفع الكاتب إلى اختيار اسم، أو بالأحرى كلمة «شرف» عنواناً للرواية، عندما أطلقه على الشخصية الأساسية فيها. فقد كان السبب وراء دخول «شرف» السجن، هو محاولته الدفاع عن شرفه من لوطي أجنبي حاول اغتصابه. ويكتشف «شرف» أن ما حاول أن يدافع عنه في خارج السجن ينتهك يومياً، ليس بالضرورة «شرفه» هو شخصياً، وإنما شرف العديد من السجناء الآخرين.

وتنتقل الرواية من «الشرف» الفردي الأخلاقي لمواطن عادي، إلى «الشرف» السياسي القومي للأمة العربية، سواء في حيزها الوطني الضيق كما هو الحال عند حديثه عن دول معينة مثل الكويت أو مصر أو العراق، أو الإقليمي الأوسع عند تناوله الأوضاع العربية، إذ يحرص صنع الله، ومن خلال سرد تفصيلي شبه موثق على إبراز الأشكال المختلفة لانتهاك عرض الأمة، يستعرض فيه بمسحة أدبية متميزة تسودها الكثير من الأرقام والتواريخ، ما تقوم به الشركات العالمية سواء تلك التي تعمل في المجال المدني، مثل شركة «كوش» السويسرية المتخصصة في صناعة الأدوية، أو تلك العسكرية من أميركية وأوروبية.

يفقد الشرف، الذي يمثله «شرف» في رواية صنع الله، كل قدسيته المختزنة في ذاكرة المواطن العربي، ويتحول، كما أرادته - كما يحاول أن يؤكد صنع الله - الأنظمة العربية، التي لا يستثني الكاتب أياً منها، إلى شعار مستهلك تلوكه ألسنة المواطنين، تماماً كما تجترّه مؤسسات القمع العربية، بما فيها تلك الإعلامية.

ومثلما ينجح صنع الله في إبراز سياسات هتك الشرف الأخلاقي ومفهومه في السجون، من أجل تجريد المواطن السجين - سياسياً كان ذلك السجين أم جنائياً - من احترامه لذاته، كي يجد نفسه، وهو ما تسعى أجهزة القمع العربية إليه، أمام خيارين، إما الخضوع الكلي لتلك الأجهزة، والانخراط الكامل في دوائرها، ومن ثم تنفيذ أوامرها، أو التمرد على كل ذلك، كي تكون نتيجته تنمية تشوهات خلقية يفقد معها ذلك المواطن إنسانيته، نجد صنع الله يهدم أيضاً جدران السجن، ويزاوج بصنعة أدبية متميزة بين السجن الضيق الحقيقي المتعارف عليه، وبين السجن العربي الأوسع، لكنه، مهما بلغ من الاتساع، لا يكفّ عن خنق المواطن، تماماً كما تطوقه جدران ذلك السجن الضيق.

يشير صنع الله هنا إلى تحول المواطنة في ذلك السجن العربي الكبير - تماماً كما في السجون الاعتيادية - إلى مجموعة من السلوكيات المتناقضة، يحكمها موقع من يمارسها، وتتدرج تلك السلوكيات من الخنوع غير المبرر من قبل المواطن العادي، مصدره خوف متصاعد زرعته عميقاً في نفسيته آلة «القمع العربية»، إلى الانتهازية الممزوجة بفساد متدرج، هو الآخر، لكنه غير محدود، ومصدره الرُّشا المباشرة وغير المباشرة التي يتلقاها موظفو الدول العربية، تبدأ من آمر السجن، حتى أعلى منصب في قمة الهرم الحكومي.

تتجلى قدرة صنع الله الإبداعية في تلك القدرة على التحكم في النص وطريقة السرد التي ربط بشكل حي شبه الموثق بين تلك الانتهاكات لـ «شرف» المواطن والأمة على حد سواء، هذا ما يمكن أن يبدأ قارئ «شرف» في تلمسه عند بداية الجزء 13 من القسم الثاني، والمعنون «أوراق مزي بطرس نصيف (القصاصات)»، حيث يستعين صنع الله، من أجل سرد تتابع انتهاك «شرف» العرب بمجموعة من الأخبار يدونها في شكل مقتطفات من تلك القصاصات الصحافية، يجعلها ما يشبه الشاهد على عصر ذلك الانتهاك، يقول فيها «براءة المتهمين الثلاثة في قضية الأغذية الفاسدة». وقصاصة أخرى يقول فيها «براءة محافظ الجيزة الأسبق مما نسب إليه». قصاصة ثالثة تقول « 25 في المئة من إجمالي التجارة العالمية هو مبادلات بين شركات تتبع شركة كبرى واحدة...».

ينتقل، وبالرشاقة الإبداعية ذاتها، من قضايا مصر الخاصة إلى تلك العربية العامة في الجزء 15 من القسم الثاني أيضاً من الرواية، حين يقام، كما يقول العنوان «عرض العرائس الذي أقيم بمناسبة ذكرى الانتصار العظيم في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973». يتحول هذا الجزء إلى ما يشبه الحوارات السريعة التي تهيئ ذهن القارئ كي يكون قادراً على متابعة شريط سينمائي سريع يتلو على نحو متتابع مشاهد تم اختيارها بدقة، ومن أجل تحقيق هدف تأكيد حوادث انتهاك الشرف المتكررة، كي تشكل سجلاً تاريخياً للوضع العربي يغطي الفترة من بداية القرن الماضي، وقبل الحرب العالمية الأولى، حين «تناول الزعيم الصهيوني هرتزل طعام الغداء في لندن في 4 يوليو/ تموز 1902 على مائدة اليهودي روتشيلد، حتى غزو العراق.

وعندما يحاول صنع الله تأكيد انتهاك إسرائيل لـ «شرف» مشاريع السلام، ومعها «شرف» الأمة العربية، نراه ينقل ذلك على لسان المتفرج 2 في عرض العرائس ذلك بقوله «أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟ وهم يحتفظون بمئتي رأس نووي، موجهة إلى العواصم العربية، تحت سمع المجتمع الدولي وبصره، ويطورون الصواريخ، ويعقدون الاتفاقيات العسكرية والأحلاف مع عتاولة الغرب والشرق».

وفي نطاق تشخيصه للأوضاع في الشرق الأوسط، ينقل صنع الله القارئ إلى ساحة الصراع العربي الإسرائيلي عبر الحوار التالي: «عروسة صفراء: الأعمى هو الذي يعجز عن الرؤية: فالعالم الآن أصبح سوقاً تصديرية كبيرة، وستؤدي عملية السلام إلى ازدياد الاستثمار في المنطقة، وتوسيع الشرق أوسطية، وزيادة الإندماج بين دولها...

متفرج 1: أموال الخليج ونفطه، مياه النيل واردن واليرموك... وكهرباء السد العالي...

متفرج 2: وتتولى إسرائيل المقاولة والسمسرة في مشروعات متكاملة، تقودها أميركا»

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2963 - السبت 16 أكتوبر 2010م الموافق 08 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً