حكايتها توارثها الأهالي جيلا بعد جيل، التصقت بها وعرفت بها. .. فيحكى أن عبدا قيد بالسلاسل اتخذ من عين أم الشعوم والمساجد المجاورة لها مقرا يعيش فيه. مرت الأيام والليالي على العبد، والتقى ذات يوم فتاة حسناء أخاذ جمالها، أعجب بها ووقع في غرامها. استمر الحال على ما هو عليه وطلب العبد من الفتاة الجميلة الزواج، فوافقت ولكنها اشترطت على العبد أن يجلب لها طفلا من القرية بحجة أنها لا تنجب الأطفال، فكر العبد مليا في طلب الفتاة ولكن الحب أعماه فوافق على طلبها وتزوج بها.
وبحسب الأهالي فإنه ذات ليلة، وبينما كان أهالي المنطقة يرقدون بسلام وتكاد المنطقة تخلو من المارة، سمع العبد صوتا في العين، اقترب وإذا به يرى طفلا يسبح، اقترب منه ورأى أنها فرصة مناسبة لكي يفي بوعده لزوجته التي هام في غرامها، أمسك بالطفل وأخذه إلى حيث تعيش زوجته... استيقظ في صباح اليوم التالي فلم يجد الطفل الذي جره من العين، سأل زوجته فأجابت بأن الطفل لم يحتمل الأمر وفر إلى القرية. صدق العبد الحكاية وطلبت الزوجة طفلا آخر، وفي كل مرة يختفي وتختلق الجنية حجة لاختفائه وكان العبد يصدق كلامها وحججها. العبد المسكين لم يكن يعرف أن زوجته كانت جنية، إذ كانت تأخذ الأطفال إلى البحر وتغرقهم من دون أن يشعر العبد. على وتر هذه الحكاية نشأ الأهالي، ارتبطوا بالعين التاريخية وكانت بمثابة الملتقى الاجتماعي وأولوا العين جل اهتمامهم، إذ كانت مصدر شربهم وسقياهم ومرعى حيواناتهم.
الماحوز... قرية تطفو على سطح الماء
يقال ان قرية الماحوز كانت تطفو على سطح الماء، حتى أن اسمها اشتق من "الماء" و"الحوز" أي حيازة الماء أو كما يروي البعض أن التسمية كانت في الأصل "ماء حوض" ومن ثم خفف المسمى وانقلبت الضاد زايا فأصبح اسم المنطقة الماحوز.
وبالنسبة إلى العين، فقد التصق اسمها بنوع من السمك وهو الشعوم، وكان هذا السمك يتربى في العين. وبالنسبة إلى العين، فقد كانت تنقسم إلى العين الكبيرة، وهي موقع السقاية والاستجمام، وهناك العين الصغيرة وهي تستعمل لغسل الدواب والخيول خصوصا وغسل الملابس وغير ذلك من الاستخدامات.
كما كان أهل الماحوز يزفون "المعرس" إلى عين أم الشعوم عند الظهيرة ليسبح ويغتسل قبل ليلة "الدخلة". وعندها تقدم الولائم إلى المشاركين في الاحتفال وغالبا ما يجتمع جميع أهالي القرية ليشاركوا في المناسبة.
وبجانب العين التاريخية بني مسجد أم الشعوم، ولعل بناء المساجد بالقرب من العيون أمر معروف في البحرين، فعين عذاري بني مسجد خاص بالقرب منها لكي يؤدي الزائرون وأهالي المناطق الفرائض فيه، وهذا ما يدل على التزام أهالي البحرين بالفرائض وعدم تفويتها في أي وقت وفي أي مكان.
إحياء العين التاريخية
ضمن خطة وزارة البلديات والزراعة لإحياء العيون التاريخية في البحرين، جاء الاهتمام بتطوير عين أم الشعوم وقام قسم التصميم بإدارة التطوير والبحوث التابعة إلى الخدمات البلدية المشتركة بعمل دراسة ومسح للموقع. ويقول وكيل الوزارة لشئون البلديات جمعة الكعبي: "إن عين أم الشعوم تكتسب أهمية تاريخية نظرا إلى بقاء ذكرى المكان في الذاكرة الشعبية. ويأتي المشروع للحفاظ على الجانب التراثي للعين وإحيائها وذلك بالاحتفاظ بالشكل القديم للعين وإضفاء الصفة العملية عليها والسماح بالسباحة واللعب فيهما وهي خصوصية مميزة لهذه العين، وعوض تقليد غسل الحيوانات بنماذج من الخيول البرونزية ليعكس الطبيعة القديمة لعين أم الشعوم".
الموقع ومكونات التصميم
تقع العين في الجزء الجنوبي من قرية الماحوز الواقعة في الجنوب الغربي من العاصمة المنامة. ويوجد في الموقع حاليا المسجد القديم وسيتم خلال الأيام القليلة المقبلة هدمه وإعادة بنائه. وتعمل وزارة البلديات على الانتهاء من أعمال التطوير ويبدو أن العين والحديقة ستفتتحان خلال أيام قليلة.
وبشأن مكونات التصميم يقول المهندس علي سلمان من قسم التطوير والبحوث بوزارة شئون البلديات والزراعة: "إن الهدف الرئيسي من المشروع هو خلق ارتباط تاريخي بين المكان والنشاطات في الموقع، بحيث تكون العين مركز النشاطات وأهم العناصر التصميمية وإعطاء المكان الطابع المائي المحدود، كما أن للمسجد أهمية بالغة كعنصر فعال في حياة المرتادين والزوار، وقد تم التخطيط لإعادة بناء المسجد كليا مع الاحتفاظ بالشكل التراثي له، ويتميز المسجد بعدم وجود منارة به والتي لوحظ غيابها في عدد من المساجد بالمنطقة أيضا".
كما تم الحفاظ على شكل العين الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وخصصت الأولى للسباحة ولعب الأطفال، إذ ان عمقها لا يتجاوز نصف متر في المركز و300 مم في الأطراف، أما العين الكبيرة فستكون للسباحة والاستجمام للكبار ويتراوح عمقها بين متر واحد و2,1 متر، وزود الموقع بغرف تبديل الملابس وخزائن ومجموعة من المسابح الأفقية.
الماحوز في طيات التاريخ... تراث وأمجاد
تعتبر الماحوز من القرى العلمية التي خرجت الكثير من العلماء البارزين، وإليها ينتسب الكثير من العلماء الأعلام ومن جملتهم المتبحر الشيخ يوسف آل عصفور البحراني الذي ولد بقرية الماحوز سنة 1107هـ، وكذلك كان مولد أخيه الشيخ محمد والد الشيخ حسين العلامة وذلك سنة 1112هـ، وكان والدهما الحجة الشيخ أحمد آل عصفور ساكنا فيها لملازمة الدرس عند شيخه الشيخ سليمان الماحوزي، وكانت بداية نشأة الشيخ يوسف في هذه القرية الصغيرة، إلا أن حوادث الدهر حالت دون بقائه فيها.
وينتسب إلى الماحوز الكثير من العلماء وقد أدرج الشيخ علي العصفور العلماء الآتية أسماؤهم ضمن علماء الماحوز وهم: الشيخ حسن الشيخ عبدالله الماحوزي، الشيخ حسين الشيخ محمد الماحوزي، الشيخ عبدالله بن علي الماحوزي، الشيخ عبدعلي الشيخ حسين الماحوزي، الشيخ محمد الشيخ حسين الماحوزي، الشيخ محمد بن ماجد الماحوزي إلى جانب الشيخ سليمان الماحوزي.
كان أهالي منطقة الماحوز كغيرهم من أهالي جزيرة البحرين يعيشون البساطة في العيش، فتراهم يتنقلون من منطقة إلى أخرى بحسب توافر مصدر رزقهم، وكانت مهنة الفلاحة والصيد أهم تلك المهن في البحرين عموما، إضافة إلى وجود مهن أخرى كالبناء والصفارة والنسج وما إلى ذلك، وتعتبر منطقة الماحوز من الأراضي الزراعية التي تكثر فيها النخيل، وكان الناس فيما سبق يسكنون خلال فترة الشتاء في منازلهم التي يبنونها من مواد البناء البسيطة من سعف النخل وغيرها، أما في الصيف فإنهم ينتقلون إلى الجهة الغربية من المنطقة، إذ الزروع والمياه التي تخفف عنهم حرارة الجو.
وتشير المصادر إلى أن كثيرا من أهالي الماحوز هجروا قريتهم وسكنوا في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، وخرجت العائلات الماحوزية كتابا وحقوقيين، والشيء بالشيء يذكر، إذ تسلم رئيس المجلس البلدي لبلدية المنامة رسالة خطية من محمد تقي الماحوزي أحد أحفاد الشيخ سليمان الماحوزي البحراني مرفقة بجوازات العائلة. كما أن إحدى حفيدات الشيخ سليمان الماحوزي فازت بالانتخابات البلدية في مدينة بوشهر.
تاريخ حافل لمنطقة أصبحت من المناطق المهمشة، عينها تروي أراضي الماحوز ويصل ماؤها إلى منطقة أبوغزال وأبوعشيرة، وآن الأوان أخيرا لكي تعاد الحياة إلى عين أم الشعوم التاريخية.
العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ