العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ

لامبالاتنا تغري أميركا بتصدير الملف العراقي إلى الجوار

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أكد السيدمحمدحسين فضل الله، أننا نعيش في عصر الكذبة الأميركية الكبرى التي تتحدث عن ملاحقة الإرهاب وتعمل لتغطية الإرهاب الإسرائيلي، وتسعى إلى احراق المنطقة بنيران فتنة مذهبية بالتخطيط مع "إسرائيل". وحذر من أن "الفوضى البناءة" تستهدف مساعدة "إسرائيل" على استكمال بنائها السكاني والذاتي بما يمكنها من استقدام يهود العالم وطرد الفلسطينيين من فلسطين. وأبدى خشيته من سكوت العالم الإسلامي والعربي حيال مخطط التدمير الذاتي والتفتيت المذهبي الجاري في العراق، مؤكدا أن اللامبالاة قد تغري أميركا بنقل أو تصدير الملف العراقي إلى الجوار. جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن الكذب السياسي والإعلامي، إذ أجاب: "لقد جعل الإسلام في قائمة اهتماماته تركيز الأسس الأخلاقية في بناء الحياة الإنسانية، ويأتي الصدق كقيمة إسلامية وإنسانية كبرى على رأس هذه المبادئ، إذ جعله الإسلام ميزانا لإيمان المسلم وتدينه، فقد ورد في الحديث عنه "ع": "لا يغرنكم كثرة ركوع الرجل وسجوده، فربما لهج في الصلاة حتى صارت عادة، ولكن اختبروهم في صدق الحديث وأداء الأمانة". وقد امتدحت النصوص القرآنية والإسلامية الصدق والصادقين، حتى أن الإسلام نفسه أخذ هذا العنوان من خلال تصديق المتقين لهذه الرسالة: "والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" "الزمر: 33". وعندما نبحث عن سر هذا الاهتمام الإسلامي بالصدق، لدرجة أنه يربط الإيمان به، فإننا نجد أن القضية تكمن في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والحياتية بعامة لقيمة الصدق، حتى أن الله دعا المؤمنين إلى التقوى وإلى السير مع الصادقين "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" "التوبة: 199".

عصر الكذبة الأميركية الكبرى

فالمجتمع الذي يبنى على أساس الصدق والشفافية والوضوح هو مجتمع متماسك وآمن في علاقاته الداخلية، ويملك رصيدا من التوازن فيما هي مسألة الترابط الاجتماعي بين أبنائه، إذ إن آثار الصدق لابد أن تنعكس استقرارا أمنيا واجتماعيا ونفسيا وحتى اقتصاديا. فالإسلام يريد للحياة الاجتماعية أن تقوم على أساس الصدق، وكذلك الحياة الاقتصادية والعلاقات التجارية، إذ إن الآثار البينة والأكيدة لمسألة التعامل على أساس الصدق تتجلى في نجاح الحياة الاقتصادية في المجتمعات وعلى الصعيد الفردي أيضا. وفي المقابل، وإذ إن الصدق كانت له كل هذه المكانة الرفيعة في الإسلام، فإن الكذب والتكاذب مبغوض ومحرم، لأنه يمحق الإيمان ويساهم في تفكيك المجتمع ويعمل على تخريب العلاقات الاجتماعية، ويجعل النسيج الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي للدول والمجتمعات نسيجا هشا قابلا للهدم وللاختراق في كل وقت. ولا يستثني الإسلام من وجوب الأخذ بالصدق واجتناب الكذب الحقل الإعلامي، وكذلك الحقل السياسي، فهو يريد للإعلام الإسلامي وللحركة الإعلامية الإنسانية عموما أن تنطلق على أساس الصدق ليتوخى الإعلاميون قول الحقيقة بعيدا عن الشهرة وحب الظهور، وألا تتحكم فيهم غريزة السبق الصحافي على حساب الحقيقة والمضمون، لأن الكذب قد يتسلل إلى روح الخبر أو صياغته بطريقة توجيهية خفية، الأمر الذي يدخل في نطاق التحريم الشرعي بشكل أو بآخر. ومن هذا المنطلق، حذر الإسلام من المسارعة في نشر الأخبار أو تصديقها قبل التأكد من صدقيتها، يقول الإمام علي "ع": "اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل". وهكذا يريد الإسلام للسياسة الإسلامية أن تتحرك على أساس الصدق ليكون الصدق منطلقها وغايتها وعنوانها، حتى وإن أدى ذلك إلى خسران بعض الامتيازات والمواقع والمصالح الضيقة، فإن ربح القيمة في العنوان العام وتقديم الجانب المبدئي على العنوان المصلحي الذاتي، هو الربح الحقيقي للإسلام والمسلمين، وللأمة في حسابات أجيالها ومستقبلها. ولابد للساسة المسلمين أن يتحركوا على ضوء هذا المبدأ في كل علاقاتهم الداخلية مع شعوبهم وأمتهم، وكذلك في علاقاتهم الخارجية، ونريد للدبلوماسية الإسلامية أن تفرض احترامها وهيبتها من خلال أخذها بقيمة الصدق وإن كانت لا تستطيع فرض ذلك بالقوة العسكرية والأمنية والاقتصادية وما إلى ذلك، فإن جريان الخط السياسي والدبلوماسي العالمي على أساس الكذب لا يبرر لنا السير في الخط عينه، لأننا في الوقت الذي قد نتهم بالمثالية في هذا الجانب، فإننا لا نبعد الصدقية في العمل السياسي والدبلوماسي عن الالتزام الشرعي والديني. إننا ومن خلال متابعاتنا للخطوط السياسية التي تتحرك فيها المحاور الدولية وخصوصا في القاعدة التي تنطلق منها السياسة الأميركية، نلاحظ أن ثمة أكاذيب كبرى تطغى على حركتها في محاسبة الدول التي تعارضها حتى على أساس النيات كما في الملف النووي الإيراني، وفي تلميع صورة من يتحرك في خطها السياسي حتى على مستوى المجازر التي ترتكب والقوانين الدولية التي تنتهك، وهو الأمر الذي تمارسه "إسرائيل" بشكل مستمر، وليس أدل على ذلك من عدم مبالاتها بقرار محكمة العدل الدولية حيال جدار العزل ومن رفضها المتواصل لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تختص بعودة اللاجئين وبالقدس وبرفض الاستيطان وما إلى ذلك. إن الاستخبارات المركزية الأميركية، بما تنتجه من حوادث أو ما تصدق عليه من أكاذيب يصار إلى استغلالها لاحقا كما في المسألة العراقية، وما تحركه في وسائل الإعلام لجهة تضخيم إمكانات بعض الأنظمة أو الحركات وتصغير حجم الأخطار الأخرى، هي المسئولة عن معظم الكوارث والمآسي التي أصابت وتصيب المنطقة. وهي إلى جانب غيرها من المؤسسات الأميركية الرسمية مسئولة عن تشويه صورة أشخاص أو جماعات أو حركات وحتى دول لجعلها في موقع الاستهداف والملاحقة انطلاقا من المصلحة الأميركية الذاتية أو حتى لجهة مراعاة مصالح "إسرائيل"، ولا يمكن إصدار تبرئة بحق الإعلام الأميركي الممالئ لهذه السياسة والمتمم لتفاصيل هذه الخطط. إننا في هذه الأيام نعيش في عصر الكذبة الأميركية الكبرى التي تتحدث عن ملاحقة الإرهاب واستئصاله من جذوره في الوقت الذي تمهد أميركا السبيل لولادة أكثر من حال إرهابية وتعمل للتغطية على كل الممارسات الإرهابية الإسرائيلية، وتسعى إلى احراق المنطقة في فوضاها "البناءة" التي يراد من خلالها إشعال نيران الفتنة المذهبية التي تخطط أميركا مع "إسرائيل" لكي تجعلها فتنة متنقلة تعيش لسنوات وتستمر في المدى الزمني الذي تستطيع فيه "إسرائيل" أن تستكمل بناءها الذاتي والسكاني واستدعاء بقية يهود العالم وإخراج ما يمكن إخراجه من الفلسطينيين من فلسطين التي يعتبرها شارون وغيره ضمن نطاق "إسرائيل" التوراتية المزعومة. لذلك، فإننا حذرنا ونحذر العالم العربي والإسلامي من أن السكوت حيال مخطط التفتيت المذهبي والتدمير الذاتي داخل الساحة العربية والإسلامية أو اللامبالاة حيال ما يجري في العراق ومحيطه سيقودنا إلى الخراب في بلادنا وإلى تركيز الاستيطان اليهودي في فلسطين، وإلى إغراء الأميركيين وغيرهم بنقل أو تصدير الملف العراقي إلى الجوار بتضخيم وقائع معينة أو بتسهيل الأمور أمام الساعين إلى الفتنة للعبث بالأرض العربية والإسلامية أو تهيئة المناخ للمزيد من الفوضى واللااستقرار في أكثر من مكان... إننا نعيش في مرحلة الفوضى الأميركية المدمرة التي تنتقل فيها الحرائق وتتسارع فيها الحوادث والوقائع، وإذا استمر بنا الوضع على هذه الحال ومن دون مبادرات على مستوى الأمة فسنكون الضحايا حتى على مستوى القضايا الكبرى وسندفع الأثمان المضاعفة في أجيالنا القادمة وأوضاعنا اللاحقة. أمام سياسة الكذب الأميركية التي لا تنتهي من مرحلة من مراحل المراوغة والمكر حتى تدخل في مرحلة أخرى، وعلينا أن نكون الواعين لنعرف كيف نواجه ذلك كله.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً