العدد 1108 - السبت 17 سبتمبر 2005م الموافق 13 شعبان 1426هـ

الأميركيون... بطعم الشوكولا

"الهيمنة المتسامحة"... بالأسلحة الناعمة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"الهيمنة المتسامحة "التي تأخذ بالحسنى". .. وتمارس من قبل الولايات المتحدة، هي حسنة بالنسبة إلى نسبة عالية من سكان العالم".. مستشار جمهوري للشئون الخارجية روبرت كاغان من منظور براغماتي، نعم، ما بقت هذه الأطروحة حقيقية، فليست الولايات المتحدة صندوقا دوليا لنشر الديمقراطية، أو كما يذهب باولو كويليو في رائعته "الزهير" أن لكل منظومة اجتماعية مصرف للخدمات، نودع الودائع ونأخذ عوضها. والأميركيون لا يودعون الديمقراطية في منطقة ما، إلا ويسحبون بيد أخرى ما هو عوض عنها، وأكثر ثمنا. الهيمنة سلوك، والمتسامحة توصيف لهذا السلوك، ولعله من السخافة أن ننكر أن ثمة هيمنة أميركية، كما أن من الحماقة أن نصف هذه الهيمنة ونحن مقتنعون بأنها هيمنة "متسامحة". هذا ما يجعلني على ثقة بأن ثمة معادلة براغماتية متعادلة، لكم ما تريدون، ولنا ما نريد. إلا أن هذه الحال من القبول لهذه "الهيمنة المتسامحة" لا يمكن أن تستمر أكثر مما هي عليه اليوم، على الأقل في السياق العربي، أو خارجا على صعيد اليسار السياسي الأوروبي والصين. هذه الحال من الشياع للخطاب السياسي الأخلاقوي، حال قلقة ومتوترة، لا يستطيع الأميركيون الرهان عليها. الصورة الحقيقية للهيمنة المتسامحة هي أشبه بالحقيقة المرة المغطاة بطبقة من الشوكولا، فإن كانت الهيمنة الأميركية تتصف بالتسامح فإنها بهذا تلعب دورا طبقيا أو مرحليا. أو هي تحديدا قشرة "الهيمنة المستترة" خلف الكونية العالمية الجديدة في صورتها المتوحشة، والتي تتصف بأنها تجيد الإغراء والجذب. الاستراتيجي برونو كولسن يرى أن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية ثابتة تنحصر في: القضاء أو إضعاف الخصوم، والخصوم الأقوياء - سواء أكان هؤلاء من "الأصدقاء" أم من "الأعداء" من أجل أن تحافظ أميركا، أطول مدة ممكنة، على وضعها المتفوق الوحيد، سواء أكان منافسوها أو خصومها "غربيين"، أم لا. كانت استراتيجية الخارجية الأميركية منذ العام 1992 تتصف بأنها منزاحة نحو تحويل الولايات المتحدة إلى محرك دولي أوحد ومتفرد بالنظام العالمي الجديد. هذه الوتيرة من الأهداف الاستراتيجية تقتضي أن تلعب الولايات المتحدة بعد حوادث سبتمبر/ أيلول 2001 أدورا تكتيكية بالغ التعقيد، فيما أسميه بـمهمة "دمقرطة العالم"، وهو ما استبدله الأميركيون أحيانا بالدور المحوري في شياع ما يسميه الأميركيون بـ "الهيمنة المتسامحة" للولايات المتحدة. الفلسفة الجيو اقتصادية الأميركية الجديدة ضرورة جديدة وحتمية، والقوة الأميركية هي المحرك الحقيقي لهذه الفلسفة، لذلك لا يتوقف حكام الولايات المتحدة عن التأكيد أن "التفوق الشامل" لبلادهم ضروري للإنسانية، لأنه موجه من أجل "ضمان الديمقراطية والسلام" في العالم، ومن أجل حماية "اقتصاد السوق". الخطاب السياسي المستتر خلف الحجج الأخلاقية، يحاول إجبار بقية العالم على الخضوع للطريقة الأميركية في الحياة، والخيارات قليلة وحادة ومؤلمة، فإما أن تكون معنا، أو علينا، هكذا ببساطة غريبة! مدير معهد الاستراتيجية المقارنة هيرفي كاتو بينار يذهب إلى أن الاستراتيجية الأميركية الشاملة مرتبة على ثلاثة محاور: أولا: استراتيجية عامة اقتصادية، وثانيا: استراتيجية عسكرية، وثالثا: استراتيجية عامة ثقافية. وهي قائمة على الانسجام في مجالات رئيسية للقوة الشاملة منها: القوة العسكرية، إذ تسيطر الولايات المتحدة على اليابسة وعلى البحار. والقوة الثقافية والإعلامية "القوة الضاربة الثقافية". هذه الصورة المعقدة من الاستراتيجيات، أو "الفوضى البناءة" كما يصفها بعض المتخصصين بالشأن الأميركي، تنتج فيما تنتج، حال من "الهيمنة المجنونة" أكثر منها "هيمنة متسامحة" أو أليفة، قد يكون من السهل أن تروج أميركا نفسها "كسلعة ناشرة للديمقراطية والحرية"، لكنها فعليا عاجزة ان تلعب هذا الدور باقتدار، لذلك على الأميركيين أن ينفكوا من هذه الصورة المحددة، ليكون للمفهوم الإمبراطوري "العنيف" حضوره الطبيعي، الذي يستتر اليوم خلف "الهيمنة الناعمة". إن اللانظام العالمي الجديد يفرض أن تستقبل الهيمنة الأميركية بصفة التسامح على الأقل في الصورة العراقية مثلا، إلا أن تكتيكات سياسية جديدة في المشهد السياسي الدولي قد تفرض صورة أخرى مغايرة لما هو عليه حالنا اليوم. قد نشاهد الصورة بشكل مختلف عما هي عليه، خصوصا إذا ما استمرت الولاية الثانية من عهد بوش الابن بهذا الهدوء المرضي، فمن منطق براغماتي آخر، إن حالات الهدوء لا تخدم التطور الاقتصادي والسياسي الأميركي، بل هي مدعاة للانهيار الاقتصادي أو الركود المخيف، كما يذهب وزير الخزانة الاميركي إبان فترة بيل كلنتون الرئاسية في إحدى أهم مقابلاته الصحافية. إن حال "الترقب" الطويلة، خصوصا إذا ما أعقبتها أية عمليات إرهابية جديدة - محتملة - لتنظيم "القاعدة" في العمق الأميركي تجعل المشهد أكثر خطورة مما هو عليه الآن. "نقص الانتباه" الأميركي قد يكون ثمنه هذه المرة مضاعفا، وسرعان ما ستتحول ردة الفعل الأميركية إلى ما لا يطابق بل ويتعارض مع مفهوم "الهيمنة المتسامحة"، ولا أعتقد أن ثمة "طالبان" أو "صدام حسين" جديد في "الشرق الأوسط". قد تكون طهران أو دمشق موضع استهداف لأي ردة فعل أميركية حيال أي عمل إرهابي داخل الولايات المتحدة، إلا أن دمشق وطهران مختلفتان، ولا يمكن تصنيف أي عمل "أحمق" معهما بأنه "هيمنة متسامحة" أو حتى عاقلة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1108 - السبت 17 سبتمبر 2005م الموافق 13 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً