العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ

على طريق بناء "معارضة المؤسسات"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما حدث في الوفاق كان متوقعا لمن كان يتابع الوضع السياسي في البلد. لم يكن ما حدث مفاجئا حتى ولو وصفه البعض بالزلزال، فحتى الزلازل لا تأتي من فراغ، وإنما هناك حراك واحتكاك بين الطبقات. الوفاق، الجمعية السياسية الأكبر في البحرين، وارثة نصيب الأسد من المعاناة في العهد السابق، كان ينتظر منها لملمة شتات هذه الجماهير الواسعة التي يسعى "البعض" إلى إخراجها من الساحة. جمعية وضع على عاتقها حمل التركة الثقيلة في زمن الانفتاح المتقلص والاصلاح البطيء، فظلت ثلاث سنوات مركز الثقل في تحالف المعارضة. لو أردنا صفة واحدة تعبر عنها لقلنا: انها "الجمعية المظلومة". توقع منها الكثيرون من أبناء "انتفاضة التسعينات" أن تحقق لهم في ثلاث سنوات، ما لم يحققه النضال الوطني بأطيافه المختلفة في ثلاثين عاما. لم يسأل أحد عن تغير الظروف، ولا عن فوارق الأزمنة، ولا عن الطرف الأقوى الذي اعتاد حتى درجة الإدمان، على محاصرة "الصوت الآخر" في الزاوية، بالامس في السجون، واليوم بالقوانين المتشددة التي تقتل روح الإصلاح. وإذا لم يكن درب السياسة مفروشا بالورود والرياحين في بلاد العالم الثالث، وانما بالأشواك والمنافي والسجون، إلا ان الشوكة الأكثر إيلاما يوم يجد الرفاق أنفسهم مختلفين في منتصف الطريق. وما أكثر الأشواك في طريق الهواة، وهم يواجهون طرفا يمارس السياسة بمكر واحتراف ومال كثير. من البداية كانت الوفاق تتنازعها الآراء، وهو أمر طبيعي ومفهوم في تنظيم يجمع هذا العدد الكبير. هذا الاختلاف لم يكن يصعد على السطح إلا عند المنطعفات، وكثيرا ما يكون ردود فعل لما يقوم به الحكم من أفعال، تم هندستها بهدف الاستفزاز أو الاستدراج إلى معارك جانبية لم تخطط لها المعارضة ولم ترغب في دخولها من الأساس، لأنها ليست على الأجندة الوطنية وبعيدة عن جوهر الصراع الاجتماعي في البلد. ومهما كان، مثل هذه التحديات الخارجية كانت متوقعة من لاعب محترف، له أجندة واضحة، ويعرف ما يريد. إلا ان التحديات الداخلية لم يتوقف عندها أحد، رغم ما خلفته من هزات سابقة كان حريا بها أن توقظ النائمين. أهم هذه التحديات عدم وجود آلية "سلمية" لـ "إدارة الاختلاف"، بحيث تسمح لأخذ القرار تواضعا واحتراما لرأي الأغلبية. من هنا ظلت الوفاق مرارا تتجاذبها الآراء وبعنف، آخرها قبل عام تقريبا بخروج جماعة "العدالة والتنمية"، على إثر خلاف بشأن ثنائية المشاركة والمقاطعة، ولو نجحت الوفاق في وضع آلية لـ "إدارة الخلاف" لما وصل الأمر إلى الانشقاق وخروج كوادر لها ثقلها. إذا نظرنا إلى أنفسنا كمجتمع ومؤسسات مدنية، مازلنا نعيش ازدواجية في العمل السياسي، ففي الوقت الذي نشجب ممارسة الحكم في إقصاء وتهميش المعارضة، إلا أننا نرتكب الجريرة نفسها داخل مؤسساتنا وجمعياتنا السياسية. ومادمنا نطالب الحكم بالديمقراطية، علينا أن نمارس الديمقراطية في مؤسساتنا. لكن أطرافا فاعلة في جمعياتنا مازالت تؤمن أن الحق واحد لا يتجزأ، ولا يمكن المساومة عليه. وننسى أن السياسة مساحة لا يحكمها فقط اللون الأبيض والأسود، فهناك دائما منطقة فراغ حرة للتحرك والمساومة والمطالبة وتحريك الملفات. القانون الذي أثار هذه الزوبعة، وهز الجمعيات، قانون سيء ورديء، لن نختلف مع أحد في توصيفه، فقد شبعت البحرين قوانين مكبلة للأيدي والأقدام، وهي ليست بحاجة إلى قوانين تكبل الأفواه والأقلام، ومع ذلك كان من الأفضل لو التجأنا إلى الآلية الصحيحة في إدارة الخلاف، حتى في مواجهة هذا القانون السيء، وهي صناديق الاقتراع. فما تطالبون به الحكومة، يجب أن تطبقوه على أنفسكم أيضا. هذا على النطاق الجماعي، اما على النطاق الفردي، فلا يجوز أن يتخذ أي إنسان نفسه حكما ووصيا على الجمهور. الجمهور هو الرقم الأهم في المعادلة، فلا ينبغي تهميشه أو إقصاؤه أو إخراجه من الساحة تحت أي ستار كان. هذا الجمهور هو الذي دفع ضريبة التغيير، تعذيبا ومعتقلات ومداهمات وإهانات، ومازال يدفع ضريبة هذا الجمود السياسي الطويل، إحباطا ويأسا وعسرا في الحياة، يدفع لاقتحام الأخطار. الزلزال الأخير "الاستقالات" سبقته هزة صغيرة أخرى في الوفاق، إذ ترددت دعوات لحل الجمعية، وهي طريقة تنم عن طريقة تفكير مدمرة، ففي الوقت الذي نطالب فيه بـ "دولة المؤسسات"، من الخطأ أن نفكر أصلا في تدمير مؤسساتنا كلما اختلفنا على رأي أو مررنا بفخ نصبه لنا الطرف الآخر. السليم هو أن نفكر في أن نقوي مؤسساتنا، ونعززها بكل ما يحميها ويؤطرها بإطار شرعي معترف به، حتى تصبح من أعمدة هذا المجتمع ومؤسساته الضاربة في أعماق التربة، ولتصبح رقما صعبا ومحترما في الساحة، كما هي المساجد والجوامع والمآتم والأندية والمؤسسات والجمعيات الخيرية. هذا إذا أردنا البناء للمستقبل، ولم نضيع البوصلة ونحن نتحاور ونتشاور بشأن كيفية التغلب على فخ صغير اسمه "قانون الجمعيات". أمام المصاعب والمحن، اعتدنا أن نردد كلمة ذلك القائد الحكيم: "الخير فيما وقع"، ولعل الخير فيما وقع مؤخرا يا وفاق

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً