العدد 2965 - الإثنين 18 أكتوبر 2010م الموافق 10 ذي القعدة 1431هـ

الأستاذ البنا كان ذا نزعة «صوفية» ... و «الإخوان» كانت أفضل ما يلائم المرحلة

المفكر الإسلامي جمال البنا لـ «الوسط»:

أكد المفكر الإسلامي المصري جمال البنا أن تأسيس دعوة الإخوان المسلمين كانت استجابة للظرف الذي كانت تعيشه مصر وأنها تمثل أفضل صيغة للعمل على التغيير والعمل في ذلك الوقت، وأكد البنا في حديث إلى «الوسط» أن «الجماعة مرت في حياة الأستاذ البنا بمرحلة ناجحة ومتفقة مع الوقت، أما الفترة التي أتت بعد البنا فجاءت بتطورات خطيرة جداً استدعت أن تعيش الجماعة تغيراً في المفاهيم والأفكار للتكيف مع الظرف الجديد بعد وفاة البنا والحملة الأمنية القاسية ضد كوادر الجماعة».

وأشار الشقيق الأصغر لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا الى أن «حجاب المرأة يحول عمليا دون مشاركتها في الحياة العملية، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد غيرت من وضع المرأة، ما يستدعي تغيير المفاهيم بشأنها وما يستتبعها من حجاب أو غير حجاب. أما شعر المرأة فهو ليس عورة ولا يوجد أبدا في الكتاب والسنة ما يقول ذلك». جاء ذلك في حوار لـ «الوسط»:

أنت أحد الشخصيات الفكرية التي كانت قريبة من أجواء تشكيل حركة الإخوان المسلمين في مصر. إلى أي مدى بدا الأستاذ المؤسس الداعية حسن البنا قريبا من فكر الإخوان ومن أجواء التأسيس؟

- الأستاذ حسن البنا رحمه الله كان زعيماً موهوباً وموفقاً وأراد الله له أن يقوم بهذه الرسالة من الميلاد إلى الاستشهاد، فكان هو الابن البكر في الأسرة الذي استأثر بحب وعناية وتربية والدي، ثم عهد به إلى كتاب كان شيخه ضريراً فكلفه بأن يقرأ له المراجع، فتصور الطفل الذي دخل الكتاب لكي يتعلم أن شيخه يكلفه بقراءة المراجع الفقهية الكبيرة، فتعلم بشكل مبكر جداً. وقد رافقه التوفيق في كل خطى حياته فدخل مثلاً دار العلوم. كان يمكن أن يدخل الأزهر مثلاً ولو دخل الأزهر كان فكره سيتحجر ويتقوقع، ولو دخل الجامعة مثلاً كانت دراسته ستصبح مدنية خالصة. ميزة دار العلوم أنها تجمع ما بين العلوم العصرية والعلوم الإسلامية بأسلوب رشيد، حقيقة هي قلعة من قلاع اللغة العربية والفكر الإسلامي.

ثم دخل الإسماعيلية، وكان من الممكن أن يوصل إلى بعثة لأنه كان الأول ولكن السنة هذه بالذات في ظروف معينة حالت دون إرسال بعثات، كان يمكن أن يعيّن في القاهرة، ولو عيّن في القاهرة كان من الممكن ألا يرزق التوفيق الذي رزقه في الإسماعيلية ولكن الله اختار له منطقة الإسماعيلية وقام بتأسيس الجماعة ووفق فيها توفيقاً كبيراً، فكان رجلاً واسع الأفق وكان رجلاً أديباً ومطلعاً اطلاعاً واسعاً على كل الترجمات العربية للكتب الأوروبية. فأراد أن يقدم الإسلام كمنهج حياة، وتلقى التراث الذي بدأه جمال الأفغاني، وبالمناسبة جمال الأفغاني بالذات كان من الشخصيات التي تعجب بها الأسرة كلها، والوالد رحمه الله سماني جمال بناءً على هذا الاسم، وكنت وأنا طفلاً صغيراً أتصور أن اسمي جمال الأفغاني، كل من يقابلني يسميني جمال الأفغاني، فالأستاذ البنا تأثر بفكر جمال الأفغاني والشيخ محمد عبده ورشيد رضا الذي قدم السلفية الميسّرة وجمع كل هذا التراث وعمل منه دعوة الإخوان المسلمين، وأيضاً كانت له تجربة صوفية وهذا أيضاً جزء مهم لأن الصوفية تغرس عملية الولاء والانتظام في الهيئة، ولكن كان يحكم نشاطه أمران: الأمر الأول، أنه قدم دعوته في بداية الثلاثينيات أي في سنة 1928 واستشهد في أول 1949، أي ما بين الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، وفي هذه الفترة كان المجتمع المصري وحتى المجتمع العالمي كله مختلفاً عن المجتمع اليوم، فهي طريقة ليبرالية في تاريخ مصر، وكان العالم لم يصب ببلاء الدعوات النازية والفاشية وغيرها، هذا عامل.

العامل الثاني أنه استطاع أن ينهض بالإخوان من طريقة صوفية نشأت في مدينة من مدن القنال وكانت أعدادها بضع عشرات، خلال عشرين سنة فحسب منذ أن تكونت دعوة الإخوان في الإسماعيلية سنة 28 إلى أن ظهرت في القاهرة سنة 48 كدعوة عالمية تقدم الإسلام كمنهج حياة، في عشرين سنة حقق نقلة يعسر تصورها. ولكن كان نتيجة هذا أنه أصبح زعيماً لنحو 500 ألف تقريباً كانت تمثلهم الإخوان وقتها.

إذاً، الأستاذ البناء عندما بدأ دعوته كان في الأربعينيات ثم نجح في اجتذاب عدد كبير فأصبح زعيماً جماهيرياً. هذا له انعكاساته على حرية قائد الدعوة في العمل، فكما تعلم أنه كانت لي تحفظات على دعوة الإخوان، وكان ما بيني وبين البنا رحمه الله مودة خاصة، فمن المحتمل أن يكون هو البكر وأنا مثلما يقولون آخر العنقود، فكانت هناك علاقة جدلية؛ الابن الأكبر والابن الأصغر، الابن العبقري في التوفيق وفي الدعوة، والابن المشاكس الذي له آراؤه الخاصة، فلما كنت أقول له هذه التحفظات كان يسمع ويبتسم. أنا أتصور ما كان يدور بخلده، كان يقول مثلاً طبعاً من حقك أن تكون لك هذه الملاحظات، ويمكن أن تكون هذه الملاحظات صحيحة ولكن أنا زعيم مسئول أمام قاعدة عريضة لابد أن أحسب حسابها، وحتى لو كان فكرك هذا صحيحاً فقد لا يكون الوقت قد آن لتطبيقه، ولا مستوى الجمهور يسمح بتطبيقه، فالقيادة بقدر ما تقود الجماهير وتتقدمها بقدر ما تمسكها الجماهير نفسها وتحدّ من انطلاقتها.

أود القول إن دعوة الإخوان كانت في وقتها أفضل ما يمكن أن يظهر في ذلك الوقت، لأن قائدها كان موهوباً ومرناً وذكياً، ولكن ليس شرطاً أنها كانت المثلى، لا، هذا ما كان الظرف يسمح به في حينه. لقد كنت شاباً صغيراً وأفكر تفكيراً طليقاً يصل به الفكر إلى آفاق بعيدة ربما، ولم يكن وقت تطبيقها قد حان. وحتى الآن بعد 50 سنة وقت تطبيقها لم يأتِ بعد، فهو كان محقاً.

لقد اهتم الأستاذ البنا بالقاعدة أكثر مما اهتم بالنخبة الخاصة بهذه القاعدة، أو أنه عندما أراد أن يعنى بالنخبة وجههم توجيهاً سياسياً وجهادياً، وكان يمكن أن يكون هذا السر في تكوين «التنظيم الخاص». فقد وجد حسن البنا أن الشباب في مصر لا يمتلك صلابة ولا قوة ولا اعتزازا ولا تنظيما قويا، فبدأ يفكر في إيجاد صيغة تنظيمية تلبي هذه الحاجات. وكانت قد ظهرت في أواخر فترة الأربعينيات «بدعة» القمصان الخضراء والقصمان الزرقاء تقليداً للمجموعات التي كونها هتلر وموسوليني، الأستاذ البنا لم يفعل الشيء نفسه، الوفد عمل الشيء نفسه وكذلك مصر الفتاة، ولكنه أنشأ «الجوالة» وهي عبارة عن المرحلة المتقدمة للكشافة، فكشافتنا بالفتيان الصغار وجوالتنا بالكبار، فأسس الجوالة وهو تنظيم رسمي معترف به ويقف ما بين الرياضة وما بين التنظيم العسكري إلى حد كبير، فانتشرت الجوالة، فكنت تجد مثلاً شيخاً كبيراً في الصعيد عمره 60 سنة يلبس لبساً رياضياً ويقفز ويلعب سويدي وتجد فيه صورة لم يكن من الممكن أن تتحقق مطلقاً، ولذلك قلت يوماً إنه إذا قدر لهيئة أن تمحو الأمية من مصر فهذه الهيئة هي الإخوان المسلمين، لأنها تغلغلت ولم تعمل، لأنها لم تعن بهذا الامر، وهذه من الأمور التي كنت ألحظها عليهم.

الذي أريد قوله إنه أخذ من هذه الجوالة النخبة من الجوالة، وعمل منهم التنظيم الخاص، والذي كان له دوران، دور كان وقته بدأ وهو القتال في فلسطين ومقاومة الصهيونية ومقاومة إسرائيل، ومعروف أن الجيش المصري كان جيش تشريفات وأن الإنجليز حالوا دون أن يكون جيشاً قوياً وكانوا هم قادته، فالأستاذ البنا أنشأ المتطوعين وفعلاً قبل أن يستشهد رأى أن المعركة قامت ورأى أن المتطوعين ذهبوا وانتشر المتطوعون في كل المعارك التي واجهوا فيها اليهود. ولكن إلى جانب هذا كان هناك دور ثان لم يشهده لأنه بدأ في سنة 51 وهو مجابهة الاحتلال البريطاني، فنشبت مناوشات كبيرة بين الشباب الوطني وقوات الاحتلال في القنال، وكان أبرز الشهداء والقادة هم من الإخوان المسلمين.

لقد كنت قريباً منه في الأربعينيات، الدعوة في بدء تأسيسها لم تكن تملك مقرا مستقلا، فكان مكانها هو بيت الأسرة، ففي ذلك الوقت (الثلاثينيات من القرن الماضي) حينما بدأت تنتقل من الإسماعيلية إلى القاهرة لم يكن لها مكان خاص، وكانت الأسرة تأخذ لها بيتاً من بابه كما يقولون عندنا في مصر، كان بالصورة الموجودة في القاهرة زمان، المبنى تأخذه كله إيجار، وهذا البيت التقليدي كان يضم ثلاث غرف مناظر وحوش صغير ودور فوقي للمنظار ثم دور آخر ثم بعد ذلك السطوح، فالأسرة كانت تأخذ بيتاً من هذا النوع، أسرة الأستاذ البنا تأخذ شقة (دور) وأسرتنا الكبيرة تأخذ دور والإخوان يأخذوا (الحجرات) التي كانت موجودة في الأسفل، فحتى قبل أن يعهد إليّ بأعمال كنت أعرفهم، فكانت معرفة تكاد تكون أولاً سببها عضوي، علاقة النسب، قبل أن يعهد إليّ أي شيء... الأمر الآخر كان هناك نوع من التعرف دون الانضمام ودون الاندماج، وهذا الوضع له ميزة أن ترى الأشياء بموضوعية بعيداً عن انحيازات الانتماء فالعين لا ترى نفسها كما يقولون. كنت في وضع يمكنني من أن أتعرف على الرعيل الأول (رعيل الأربعينيات) وعلى التنظيمات (الكتيبة)، لم أكن منضماً ولكن أحياناً الظروف تحكم فكنت أحضر الكتيبة معهم، حيث كانوا يقضون يوماً كاملاً في النهار ثم يقضون طول الليل ثم يباتون ويصلون الفجر لغاية الظهر ثم يغادرون، والأستاذ البنا كان يؤمهم في الصلوات، وأحياناً تكون الكتيبة في أماكن صحراوية أو أماكن خلوية فتكون صلاة الفجر أو صلاة المغرب في صعيد من الأرض، والأستاذ البنا يقرأ القرآن بطريقة خاصة وطبعاً كان يقرأ سوراً طوالاً، وكان حضور هذه الصلوات من أكبر الأساليب التربوية للإخوان.

فطبعاً ألممت بهذا العالم، ولكن بعد هذه الفترة لم تعد لي علاقة بهم، كل الذين أصبحوا مرشداً عاماً من جيل الأربعينيات كنت أعرفهم باستثناء الهضيبي رحمه الله، لأن حسن الهضيبي كان قاضياً ولم يكن يظهر ظهوراً علنياً بشكل تام ولم يكن عضواً رسمياً في الإخوان، لأن منصبه كان يحول دون هذا، فلم أكن أعرفه. ولكن مثلاً عمر التلمساني كل هذه المجموعة أعرفها، وطبعاً شيوخهم كالغزالي والشيخ سيد سابق كانت لي بهم صداقة خاصة بالشيخ سيد سابق رحمه الله، وأيضاً تم اعتقالي بتهمة الانضمام للإخوان في ديسمبر/ كانون الأول 48 وبقيت في السجن فترة سنة ونصف السنة تقريباً.

لقد تم اعتقالي ضمن الحملة التي استهدفت أعضاء مكتب الإرشاد، و الوحيد الذي لم يعتقل من مكتب الإرشاد هو الأستاذ البنا رحمه الله.

كيف كانت طبيعة العلاقة التي جمعتك بشقيقك المؤسس؟ هل كنت تشعر بغلبة «الرابط الأسري» الذي يجمعك به أم بصفته قائداً ملهما للدعوة؟

- الأستاذ البنا لم يكن يشركني في أي عمل دعوي إخواني بالدرجة الأولى، لكنه كان يوكل لي مناصب إدارية تقريباً، كالمطبعة مثلاً، وربما المنصب الذي لم يكن إدارياً هو سكرتير مجلة «الشهاب»، وهي المجلة التي كانت تمثل لسان حال الجماعة وهي آخر مجلة صدرت منها 8 أعداد أو 8 نشرات، وكان مقرها هو مقر الأسرة في شقة كبيرة بشارع الهامي في شارع الحلمية، كان الأستاذ البنا رحمه الله يأتي مرهقاً عند الساعة 12 مثلاً بعد المحاضرات لكي يكتب التفسير ويكتب أبوابه، وهذه المجلة قائمة على ثلاثة: كانت قائمة على الأستاذ البنا، وعلى الأستاذ رمضان الذي كان مديراً وعليَّ أنا سكرتير التحرير، وكان معنا شخص للأعمال الكتابية. ولكن باستثناء هذا لم أكن محلاً للثقة، ولكن أحياناً تأتي تكليفات بشكل عرضي.

معروف أنك لم تنضم إلى حركة الإخوان، وكانت هناك دعوة من أخيك للانضمام للجماعة لكنك امتنعت وقد كتبت أيضاً كتاب «ما بعد الإخوان»، إلامَ يرمي هذا الكتاب؟

- كتاب «ما بعد الإخوان» يستعرض تطور فكرة الإخوة، وكيف أن الجماعة مرت بمرحلة ناجحة ومتفقة مع الوقت، وهي مرحلة الأستاذ البنا. أما الفترة التي أتت بعد البنا فجاءت بتطورات خطيرة جداً، واستشهاد البنا نفسه كان إيذاناً بالعدّ التنازلي للعهد، وبدأت مباشرة بعده بثلاث سنين حركة جمال عبدالناصر، وحدث الصدام المشئوم بين عبدالناصر والإخوان، وعذّب الإخوة وحوربوا، وبعدها جاء السادات ربما كان أكثر كرماً أو فيه شيء من الكرم ولكن لم يكن بالذي يطلق للإخوان العنان أو يتسامح في التشبث بالسلطة، كل هذه العوامل أثرت على الإخوان ما من شك وجاءت بوضع جديد. كان يجب على الإخوان أن يتلاءموا مع هذا الوضع، ولكن للأسف الشديد لم تكن ظروفهم تسمح، من الصعب علينا أن نلومهم لأنهم تعرضوا لتعذيب وحشي لا يمكن تصوره، تصور شخصاً لديه أولاد وزوجة وتقطع العلاقة بينه وبينهم 10 سنوات مثلاً وليس لهم مورد أو استقرار لا نستطيع أن نحاسبهم، فنحن لم نكن نحاسبهم أو نعاتبهم، ولكن نقول لهم إن هناك حالة جديدة ووضعاً جديداً، فمن الضروري أن يكون هناك تغيير. فكانت الفكرة تكمن في إما أن يغير الإخوان جذرياً من فكرتهم وأساليبهم، وإما أن يتحولوا إلى هيئة من هيئات الحفاظ مثل الجمعية الشرعية أو السنة المحمدية وباقي الجمعيات التقليدية، وحينما تود أن تكون هيئة تقدم مشروعاً حضارياً إسلامياً فهذا لن تستطع القيام به إلا حينما تقوم بتغيير في المبادئ وفي الأساليب. ثم إني قلت للجماعة كيف يتم هذا التغيير، بأن تجعل مثلاً الإنسان هو الهدف وأنها تلحظ الزمان وأن تسير على خطة معينة يمكن تطوّر نفسها.

وبالمناسبة، حينما قمت بتأليف الكتاب بعثته للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله، فبعث لي جواباً رقيقاً يقول لي إن الإخوان بخير والحمد لله، فهو رجل مؤدب، ولكن معنى كلامه أنه ليست لنا علاقة بكلامك فنحن في خير هكذا.

كيف استطعت أن تحافظ على استقلالك الفكري والسياسي وأنت مستغرق بالكامل اجتماعياً وعملياً في نشاط الدعوة منذ مرحلة الرحيل الأول؟

- العملية عبارة عن علاقة جدلية، أنا أحبهم وبيني وبينهم وشيجة لا تمحى، ولنا ذكريات مع الرعيل الأول ويعز عليّ أن مثل هذه الهيئة الكبيرة التي تعرضت لتضحيات وتعلقت بها آمال أنها تضل وتتخبط، فكنت باستمرار في كل كتبي عيني عليهم في حقيقة الحال، أقول الشيء الذي ربما يستكمل لهم جانباً من الجوانب، ولكنهم للأسف الشديد تجمدوا وتقعقعوا إلى آخر درجة، فبدل من أن يبدأوا حيث انتهى حسن البنا نكصوا على أعقابهم، وكادوا أن يكونوا هيئة سلفية ولكن ليس السلفية المرنة الميسرة بل فيها نوع من التشدد والغموض نوعاً ما.

يرى أحد المؤرخين لمسار الفكر الإصلاحي الإسلامي (رضوان السيد) أن الفكر الإسلامي المعاصر أصابته من الارتداد، بدءاً من أفكار جمال الدين الأفغاني مروراً بأفكار محمد عبده ورشيد رضا وانتهاء بحركة الإخوان المسلمين التي مثلت حالة تراجع حسبما يرى؟

- لا، لا أتفق معه وقمت بالرد عليه، قلت له إنه يرى أنه وصل إلى الأوج مع جمال الأفغاني وآرائه الثورية وبعدها نزلت قليلاً مع محمد عبده نزعة التدريج والإصلاح ثم نزلت مع رشيد رضا وبقي الفقيه والسلفي، ثم نزلت مع حسن البنا... لا.

إن تحليله ليس دقيقاً، ومثلما أشرت قبل قليل، أن الداعية والزعيم الجماهيري غير المفكر، فجمال الأفغاني كان ثورياً وكان داعية ولكن لم يكوِّن تنظيماً، محمد عبده لم يكوِّن تنظيماً، رشيد رضا لم يكوِّن تنظيما، كانوا أناساً يطرحون أفكاراً، رضوان السيد لأنه أيضاً مفكر مثلهم يقيس العمل بمدى الفكر، ولكن الأستاذ البنا كان زعيماً جماهيرياً عمل تنظيماً، فهذه مسألة لم يقدرها لأنه مفكر، رضوان السيد رجل كتابة ورجل أكاديمي ومفكر، فيقيس بمعايير التفكير فحسب دون الجانب الآخر وهو العمل، تكوين هيئة الإخوان كان خطوة كبيرة جداً، ففي كتابنا «ما بعد الإخوان» شبهتهم بروفلر الذي عمل ستاندرت اويل في أميركا، قبل روفلر كانت هناك 100 شركة ربما لشركات النفط، كل شركة لها مقاسات ولها أسعار، فجاء روفلر فأسس شركة ستناندرت اويل، أي البترول القياسي الذي يُقاس عليه، فالأستاذ البنا أسس للإخوان الهيئة القياسية التي نشأت منها كل الهيئات أو تمردت عليها، ولكن كانت فيها في يوم من الأيام، لكن هذا العمل رضوان السيد لم يقدره في حقيقة الحال.

لك رأي في الحجاب أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإسلامية خلاصته أن لا لزوم للحجاب وشعر المرأة ليس عورة وهذا ما يتنافى مع معظم الاجتهادات الفقهية القديمة والمعاصرة؟

- الحجاب يحول عمليا دون مشاركتها في الحياة العملية، فمادامت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد غيرت من وضع المرأة، مما يستدعي تغيير المفاهيم بشأنها وما يستتبعها من حجاب أو غير حجاب. أما شعر المرأة فهو ليس عورة ولا يوجد أبدا في الكتاب والسنة ما يقول ذلك، وهناك حديث في صحيح البخاري بأن الرجال والنساء كانوا يتوضأون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من حوض واحد في وقت واحد، فكيف إذاً تتوضأ المرأة وهي مقنعة مرتدية ذلك اللباس الذي يجعلها شبحا أسود. كيف تغسل وجهها وقدميها ويديها إلى المرفقين، وكيف تمسح على شعرها. لقد استمر هذا الوضع طيلة حياة الرسول وفي جزء من خلاقة أبي بكر الصديق وجزء من خلافة عمر الذي فصل بين الرجال والنساء في الوضوء من مكان واحد.

ثم إنه ليس في القرآن الكريم أو السنة الشريفة ما يأمر بالحجاب مطلقا. القرآن عندما قال «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» (النور: 31) كان ذلك في إطار الحديث عن لباس اجتماعي سائد في ذلك الوقت، فالرجال يلبسون العمائم والنساء تختمر لتقي نفسها من التراب أو من الشمس، وبالتالي فالمسألة لا علاقة لها بالدين، ومن هنا أمر القرآن أن تسد المرأة فتحة الصدر بالخمار الذي كانت ترتديه كعادة اجتماعية، لكنه لم يأمرها بأن ترتدي الخمار ولم يقل إنه من الضروري أن يغطي الرأس. القرآن ليست فيه آية واحدة تحث على الحجاب إلا بالنسبة لزوجات الرسول، وهو ليس زيا وإنما باب أو ستار. الإسلام لا يطلب من المرأة أن تغطي شعرها أو تنزع ذلك الغطاء، هذا ليس شأنه، وإنما يدخل في إطار حقوقها الشخصية.

المرأة كانت تضع خماراً يغطي رأسها، ثم بعد ذلك القرآن لاحظ أن فتحة الجيب (فتحة الصدر) واسعة جداً فقال: «وليضربن بخمورهن على جيبوهن»، ليس معنى هذا أن القرآن فرض الخمار ولكن وجدها كزي معين فأراد أن يحجب به فتحة الصدر، باستثناء هذا فإن القرآن لا يريد إلا الحشمة وعدم التبرج والخلاعة، ولو أراد حجب رأس مثلاً أو عضو معين لما عجز أن يتكلم. فيقول «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، فما هي حكمة القرآن بهذا اللغز؟ فكان بإمكانه أن يقول تكشف كذا وتحجب كذا، لأنه يريد شيئاً مرناً عاماً يصلح لكل الأجيال ولكل العصور.

بعض الفقهاء يريدون أن يسيّروا الناس على مثل حدّ السيف، وضروري أن يكونوا هكذا. لا، فالقرآن يؤمن بتعددية، يؤمن بمرونة، يؤمن بأن دين هذا الجيل ودين أجيال قادمة، دين هذه الشعوب وشعوب أخرى قادمة، كل ذلك يتطلب المرونة ويتطلب التفاوت فلا داعي للتعسير والتحديد والتقييد. ثم إن ذلك ليس من مسائل العقيدة في شيء، العقيدة الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذه العقيدة التي نؤمن بها كلها، ولكن دون ذلك لا يعتبر من مسائل العقيدة التي لها سواء الثبات ولها أشياء لا تتغير، إلخ هذه القضية.

العدد 2965 - الإثنين 18 أكتوبر 2010م الموافق 10 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً