العدد 2426 - الإثنين 27 أبريل 2009م الموافق 02 جمادى الأولى 1430هـ

محاولة لفهم الموقف الإيراني من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقابلة خاصة مع الشبكة الأميركية «أي بي سي»، أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمد نجاد، بشكل شبه مفاجئ، عدم وجود «أية مشكلة لديه» أن يرى الفلسطينيين قد توصلوا إل اتفاق سلام مع «إسرائيل» يقود إلى تعايش دولتين، مؤكدا أنه سيدعم الفلسطينيين «مهما كان القرار الذي سيتخذونه». كان يمكن ألاّ يثير هذا الموقف الإيراني أية ردود فعل غير طبيعية إلا حين نربط بينه وبين مجموعة التطورات التي عرفتها العلاقات الدولية الإيرانية، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة.

أول تلك التطورات، كان الغزل الأميركي– الإيراني الذي بادر به الرئيس الأميركي باراك أوباما، حينما تقدم خطوة إيجابية تجاه طهران، مبديا استعداد بلاده لطي صفحة الخلافات التي صعدها الرئيس السابق جورج بوش، ووصلت إلى حد التهديد بالغزو، إما من طرف أميركا مباشرة، أو عن طريق غير مباشر من خلال «إسرائيل»، وقد أوردت صحيفة التايمز البريطانية في منتصف أبريل/ نيسان 2009، أخبار استعداد «الجيش الإسرائيلي لشن ضربات جوية واسعة النطاق ضد منشآت نووية إيرانية، وبأن الرسالة الموجهة لإيران هي أن التهديد ليس فقط كلاميا».

ثاني تلك التطورات، كان الهجوم الإعلامي الكاسح الذي شنه نجاد نفسه، في مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في جنيف، في شهر أبريل/ نيسان أيضا، عندما وصف نجاد «إسرائيل» بالعنصرية والبربرية. وكان رد تل أبيب هو الآخر شديدا، عندما شبه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم، إيران بألمانيا في عهد أدولف هتلر، وما تلى ذلك من تصعيد نبرة إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري من أجل «لجم التحدي الإيراني».

التطور الثالث، كان قضية الصحفية الإيرانية الأميركية الموقوفة في السجون الإيرانية روكسانا صابري، المتهمة في قضية تجسس، وصدر بموجبها حكم عليها بالسجن لمدة ثمان سنوات. وقد انضم الاتحاد الأوروبي إلى أميركا في المطالبة بالإفراج الفوري عنها، أو تجميد تنفيذ الحكم الصادر بحقها، وتقديمها إلى محاكمة عادلة، في محاولة لممارسة المزيد من الضغوط السياسية على طهران.

التطور الرابع، الزوبعة الإعلامية التي هبت وخفتت سريعا في أعقاب التصريحات الإيرانية بشأن سيادة البحرين، والمتمثلة في ادعاءات الأولى تبعية البحرين لها، وما تلا ذلك من تصعيد بحريني، تلاه تراجع إيراني.

هذه التطورات في مجملها تعكس دخول واشنطن وطهران في عملية شد وجذب مصدرها رغبة الأولى في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط في ضوء التطورات التي عرفتها المنطقة على امتداد السنوات الخمس الماضية، مع إفرازاتها السياسية. وعلى هذا الصعيد تحاول واشنطن أن تقلص من حضور، ومن ثم حصة، إيران في أية ترتيبات مقبلة. المشكلة التي تواجهها واشنطن هنا ذات شقين: الأول أنها لاتستطيع أن تقفز فوق طهران، بعد أن نجحت هذه الأخيرة في مد حبال طويلة مع قوى بات لها حضور قوي في المنطقة، نسجت عن طريقها علاقات تحالف استراتيجي بينها وبين تلك القوى، الأمر الذي يجعل من المحال على واشنطن، تقزيم الرقم الإيراني في أية معادلة جديدة لترتيب الأوضاع في المنطقة. أما الشق الثاني، فمصدره العلاقات الأميركية – الإسرائيلية والتي كانت ذات طابع استراتيجي لامحدود بين واشنطن وتل أبيب بدأ يشوبها بعض الفتور، وتتعرض لشيء من التراجعات في أعقاب الحرب الباردة وسقوط الكتلة السوفياتية. مما أزاح تل أبيب من فوق مقاعد المحظية الأولى دون أي منافس.

هذا يعني أن أوضاع الشرق الأوسط الراهنة ملائمة لإعادة رسم الخارطة السياسية لها، لكنها في الوقت ذاته، ليست الأكثر ملاءمة للولايات المتحدة، المترنحة تحت ضربات تدهور أوضاعها الاقتصادية على الصعيد الداخلي، وتراجع تحالفاتها وتنامي موجات العداء لها على المستوى الخارجي. يضاف إلى ذلك بروز منافسين جدد غير تقليديين لها على هذه الساحة من أمثال الصين والهند.

مقابل ذلك، تدرك طهران أن الظروف السائدة اليوم أكثر ملائمة لها من أي وقت سابق، فإلى جانب تضعضع النفوذ الأميركي في المنطقة، من جراء النزيف الذي تعاني منه واشنطن في أفغانستان والعراق، هناك الأزمة الداخلية الإسرائيلية الناجمة من فقدان «إسرائيل» بريق تفوقها العسكري المطلق على باقي دول المنطقة، بعد تعثر اجتياحاتها العسكرية ضد قوى صغيرة محدودة الموارد المالية والعسكرية من مستوى المقاومة العسكرية في لبنان وغزة. لكن طهران تدرك أن ليس هناك سلاح أفضل بوسعها أن تشهره في وجه بعض المشكلات الداخلية التي تعيق حركتها، التي وإن بدت ثانوية، لكنها تبقى في نهاية المطاف عنصر إضعاف لها، من أن تدخل في حروب سياسية محدودة الأفق محسوبة العواقب. وليس بين يديها أكثر جدوى من قضايا مثل الملف النووي، والصحافية الإيرانية، والقضية الفلسطينية التي بوسع طهران استخدامها، بشكل ذكي من أجل تكتيل الجبهة الداخلية ورص صفوفها، ونيل التعاطف الخارجي وتقليص تأثيراته السلبية.

على هذا الأساس وجدنا طهران تصعد من موقفها تجاه «إسرائيل» فتتهمها بالبربرية والعنصرية في جنيف في مطلع هذا الشهر، وهذا يخاطب بإيجابية الموقف العربي على المستوى الخارجي، ويدغدغ عواطف التيار الإيراني المتشدد على الصعيد الداخلي. ورغم التناقض الشكلي في تحول الموقف الإيراني من خلال قراءة تصريحات نجاد الأخيرة، لكنها في جوهرها تراعي التحولات الخارجية التي ولدتها حرب غزة، وتأخذ في الحسبان اقتراب موعد الانتخابات والعوامل المؤثرة فيها على الصعيد الداخلي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2426 - الإثنين 27 أبريل 2009م الموافق 02 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً