العدد 2427 - الثلثاء 28 أبريل 2009م الموافق 03 جمادى الأولى 1430هـ

غيفارا وبن لادن... الرد الطبيعي لتصحيح الأوضاع المتردية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

متوهم أنه يبعث الإطمئنان في قلب زائره رئيس الوزراء البريطاني غوردون بران، وتهدئة مخاوف المجتمع الدولي من تنامي أنشطة مقاتلي حركة «طالبان»، أعلن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، أن «الاستخبارات الباكستانية تعتقد بأن زعيم تنظيم (القاعدة) أسامة بن لادن توفي». لكنه استدرك خوفا من مفاجآت تدحض ما ذهب إليه فقال: إنه لا يملك بين يديه أي دليل قاطع على ذلك، وبأن حلفاءه الأميركيون أخبروه «بأنهم لا يعرفون إن كان بن لادن حيا أو ميتا»، وهم حسب رأي زرداري «مجهزون أكثر منّا لتقفّي أثره». تأتي هذه التصريحات الباكستانية، فيما يواصل الجيش الباكستاني تعزيز وجوده في شمال غربي البلاد في محاولة للحد من نشاط حركة طالبان في المنطقة.

والحديث عن «مقتل» أو «موت»، وأحيانا «إنشلال حركة» أسامة بن لادن أصبح ما يشبه رواية الأساطير التي تتكرر في الأجهزة الإعلامية، وخاصة عند حلول ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 على البرجين الأميركيين، لدرجة أن البعض اعتبرها أحد مظاهر إخفاقات إدارة بوش، الذي غادر البيت الأبيض دون أن يقترب من إمكانية إلقاء القبض على بن لادن، رغم اجتياح القوات الأميركية لأفغانستان وإطاحتها بحكم طالبان، وتنصيب حكم موال لها في العاصمة كابول.

يثير الحديث عن بن لادن في القرن الحادي والعشرين، ذكريات مشابهة لما كنا نسمعه أو نراه من مؤسسات الإعلام الأميركية بشأن تشي غيفارا قبل مقتله في بوليفيا في العام 1967، عندما غادر العاصمة الكوبية هافانا، كي يشعل حرب الغوار في بوليفيا. ولد ارنستو غيفارا دي لا سيرنا في 12 يونيو/ حزيران العام 1928 لأسرة أرجنتينية أرستقراطية دار عليها الزمن، ولم يكمل دراسة الطب بل ترك مقاعد الدراسة فيها، كي يتسنى له قيادة أشهر حروب عصابات ثورية في القارة الأميركية الجنوبية، القائمة على نظرية «البؤرة الثورية» التي كان يبشر بنجاحها، والتي شكلت حينها تحديا للأيدلوجية الماركسية التقليدية، إلى جانب مناهضتها للنفوذ الإمبريالي، وعلى وجه الخصوص في أميركا اللاتينية. نجح «نشي» مع رفيق نضاله فيدل كاسترو في تحقيق أول انتصار كبير لهم على الإمبريالية في كوبا بنهاية الخمسينيات. لكنه، أي جيفار، كما غادر مقاعد كلية الطب كي يلتحق بالثورة، لم يكن مقتنعا بأن مكانه المناسب هو منصب وزاري في حكومة الثورة الكوبية. لذلك غادرها كي يكمل مشوارا لم ينته عندما اغتالته أجهزة المخابرات الأميركية بالتعاون مع الحكومة البوليفية.

ربما تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفها الأساسي، حينها والذي كان إلقاء القبض على غيفارا، لكنها من غير شك فشلت فشلا ذريعا في اجتثاث جذور الأفكار الثورية، ومعها الخلفيات اليسارية، المصحوبة بالحقد على واشنطن. وعلى امتداد العقود التي تلت استشهاد غيفارا هددت أمن الولايات المتحدة أنظمة من نوع نظام الليندي في تشيلي، وشافيناز في فنزويلا، الذي أهدى مؤخرا الرئيس الأميركي كتاب “الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية” للكاتب الأوروغوايي الشهير إيدواردو غاليانو، ومحتوى الكتاب يدور حول استنزاف ثروات أميركا اللاتينية بين القرن الخامس عشر والقرن العشرين، من قبل قوى أجنبية في مقدمتها الولايات المتحدة. وأخيرا وليس آخرا، هناك فوز الرئيس الإكوادوري رافايل كوريا، الذي ردد قبل فرز جميع صناديق الاقتراع عبارة غيفارا الشهيرة «حتى النصر دوما».

وفي السياق ذاته عرفت أميركا الجنوبية منذ غيفارا صعود العديد من الرؤساء إلى سدة الحكم ممن ينتمون إلى تيار اليسار، ويسار الوسط إلى سدة الحكم. المهم في الموضوع أنهم، أي الرؤساء لم يأتوا على صهوة مركبات عسكرية، وفرتها لهم إنقلابات عسكرية مباغتة، بل جاؤوا من خلال صناديق الاقتراع، وعبر انتخابات حرة شفافة، لم تستطع واشنطن ذاتها أو غيرها من أن تشكك في نزاهتها. واكتسبت تلك النتائج المزيد من الأهمية، لكونها جاءت في أعقاب سقوط الكتلة السوفياتية، وتزعم أميركا ساحة العمل السياسي الدولي، الأمر الذي مدها، أي أميركا، بقدرات كبيرة للتدخل في الشئون الداخلية لكثير من البلدان، كما شاهدناها في العراق وقبل ذلك في أفغانستان.

العبرة التي نستخلصها من أميركا اللاتينية هي أن مقتل غيفارا، لم يحل دون استمرار ولادة ونمو الحركات المناهضة للولايات المتحدة، ولم يمنع، رغم الجهود التي بذلتها واشنطن هناك، من أجل ضمان نتائج سياسية لصالحها وصالح حلفائها، وصول قوى وطنية تضع مصالح بلدانها فوق كل المصالح.

نعود اليوم إلى بن لادن، والذي كان يوما ما حليفا، ولا نقول عميلا كما يحلو للبعض وصفه، للولايات المتحدة في حربها ضد الوجود الإمبريالي السوفياتي في أفغانستان. لكن الأمور تطورت بعد سقوط الحكم الموالي لموسكو في كابول، وما تلا ذلك من أحداث أدت إلى تحول بن لادن من حليف إلى مناؤى للوجود الأميركي، ثم تطورت الأمورإلى ما هو أسوأ من ذلك، من وجهة النظر الأميركية، كي يصبح بن لادن العدود اللدود الأول لواشنطن.

لذا، قد تنجح باكستان، ومعها الولايات المتحدة، في وضع حد لحياة بن لادن، لكنها، من دون أي شك، ستجد نفسها أمام أكثر من بن لادن وفي أكثر من بلد في آسيا وحدها، دع عنك إفريقيا، والسبب في غاية البساطة، وهو أن بن لادن، هو رد فعل، وليس فعل، على الأوضاع المتردية والسيئة التي تساعد الولايات المتحدة، وغيرها من أمثالها على تكريسها في بلدان مختلفة من العالم الثالث.

بالأمس كانت أفغانستان، وبعدها كانت العراق، وقبلهما هناك الكيان الإسرائيلي الذي تصر الولايات المتحدة، رغم وقوف العالم ضد الجرائم التي يرتكبها بحق المواطن الفلسطيني واليهودي الشرقي في «إسرائيل» ذاتها، دع عنك أولئك الفلسطينيين من رعايا السلطة الفلسطسنية في غزة والقطاع. فما لم تغير واشنطن من سياستها الرعناء، لن يتوقف العالم عن ولادة قوى مناهضة لتلك السياسات، وليس غيفارا وبن لادن سوى بعض من رموز كثيرة تفرزها الظروف التي تولدها قوى من أمثال الولايات المتحدة.

كل ذلك دون أن ننسى أو نغيب الاختلاف الإيدلوجي والعقائدي بين بن لادن وغيفارا، لكن كلاهما كان الرد الطبيعي الذي أنتجته الأوضاع المتردية في بلدانهما.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2427 - الثلثاء 28 أبريل 2009م الموافق 03 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً