العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ

فوضى دستورية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يتوجه العراقيون اليوم للتصويت على الدستور العراقي "المعدل". التعديلات الطفيفة، كما وصفت، جرت بعد نقاشات مطولة بين أطياف المجتمع وهيئاته وتنظيماته السياسية. وشملت التعديلات تسع نقاط لتوضيح بعض ملابسات وردت في الكثير من المواد والبنود. "التعديلات الطفيفة" جيدة، ولكنها ليست كافية لإزالة الغموض الذي يسيطر على دستور العراق المقترح. فهناك الكثير من المواد والبنود لاتزال بحاجة إلى مزيد من التوضيح نظرا إلى تعارضها واحتمال تفسيرها بطرق ملتوية من تكوينات مختلفة يتألف منها الكيان العراقي. ومثل هذه التعارضات وتحديدا تلك المتعلقة بصلاحيات "سلطات الأقاليم" يمكن أن تبرر لاحقا سلوكيات تقسيمية أو انفصالية في حال اختلفت توجهات "الدولة الاتحادية" مع دويلات "حكومات" الأقاليم والمحافظات. وهذا أمر متوقع أو على الأقل يجب عدم استبعاده من حسابات القوى السياسية. احتمال التعارض في الصلاحيات مسألة واردة ويرجح في حال عدم تدارك المخاطر أن تتحول الاختلافات على تفسير الدستور إلى حفر خنادق دفاعية تمنع الدولة "الاتحادية" من فرض شروطها وقوانينها على الأقاليم. هناك الكثير من الأمثلة يمكن تقديمها من الآن لتقريب صورة الواقع المفكك التي يحتمل أن يشهدها العراق في المستقبل القريب. فقبل أيام من الاستفتاء على الدستور صدرت تصريحات متناقضة تشير بوضوح إلى احتمال حصول قراءات مختلفة للبند الواحد. مثلا، قال "وزير الثقافة في الحكومة الكردية" سامي شورش تعليقا على الدستور "الاتحادي" إنه يحفظ "المصالح القومية للأكراد" لأنه يعترف "بالأمر الواقع" ويشرع "كردستان كإقليم فيدرالي" ويعطي "الحكومة الإقليمية" حق الإشراف "على الموارد الطبيعية وتوزيعها مع الحكومة المركزية". هذا مثال من الجانب الكردي. مثال آخر من الجانب الإيراني تولى توضيحه النائب السابق للرئيس الإيراني محمد علي أبطحي. يقول أبطحي تعليقا على الاستفتاء إنه "سيستفيد منه الشيعة العراقيون، الحلفاء الايديولوجيون لإيران، من دون أن يضطر الإيرانيون إلى التدخل أو بذل أي جهد كان". وفي الاتجاه نفسه ذهب تفسير الناطق باسم لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشورى الإيراني كاظم جلالي. فالناطق جلالي رأى أن "الشيعة يشكلون غالبية ويفترض أن يعززوا في طبيعة الحال موقعهم". هذا الكلام صدر قبل أيام من الاستفتاء على الدستور ونشرته صحيفة "الحياة" في عددها الصادر يوم الخميس في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. ومن الكلام الاستباقي يمكن أن نتصور كيف سيكون مصير العراق في سياق قراءات ترى كل جهة مصالحها الخاصة في مواد الدستور وبنوده. فكل طرف يقرأ النصوص من زاويته ويفسرها على هواه وبما يتناسب مع مكاسبه الخاصة "الأقاليم والمحافظات" من دون انتباه أو اهتمام بموضوع العراق كوحدة سياسية - جغرافية. فالبعض يتحدث عن هواجسه الطائفية أو المذهبية أو المناطقية. والبعض الآخر يتحدث عن مكاسبه الطائفية أو المذهبية أو المناطقية. والقلة القليلة تتحدث عن مصير العراق ومستقبله واحتمال غيابه عن الخريطة السياسية العربية وتوزعه إلى كيانات مستقلة "كانتونات" ليست بعيدة بدورها عن تجاذبات أهلية "عشائرية" داخلية. المسألة إذا خطيرة. وحين يبدأ التفكك من الأعلى "الدولة" إلى الأدنى "المحافظات والأقاليم" يعود التفكك ليصعد من الأدنى "عشائر ومذاهب وطوائف" إلى الأعلى ليضرب وحدة المحافظات والأقاليم بسبب التنازع الأهلي الضيق على قسمة الغنيمة. التفكك عادة يبدأ من العام إلى الخاص ثم يعود ليبدأ من جديد من الخاص إلى العام... وبعدها يبدأ "الخاص" بالتآكل والتضارب والتناحر الداخلي نظرا إلى عدم وجود ضوابط دستورية "اتحادية" واضحة تراقب الانفلات من هذه الجهة أو تلك. الدستور الذي يتوجه الشعب العراقي للتصويت عليه اليوم بـ "لا" أو "نعم" يحمل في بنوده ومواده مخاطر كثيرة وفوضى دستورية تهدد وحدة الكيان الجغرافية - السياسية نظرا إلى غموضه وتضارب صلاحياته وفسحه المجال للكثير من التفسيرات التي تعطي إشارات خاطئة في كل الاتجاهات. وحين تتعطل الإشارات الضوئية وتفتح كلها وفي وقت واحد على "الأحمر" و"الأصفر" و"الأخضر" تدب الفوضى "الدستورية" وتتصادم السيارات على تقاطع الطرقات. وهذا الاحتمال هو المرجح في حال تمت الموافقة على الدستور

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً