أقامت جمعية البحرين للفنون التشكيلية على هامش معرضها السنوي العام للأعضاء، معرضا خاصا بنادي التصوير الفوتوغرافي التابع للجمعية، والذي كما يبدو أنه قد تسبب في أمواج متلاطمة من الآراء بشأن نوعية العمل المقدم فيما لو كان تصويرا خالصا أم أعمال فنية معالجة ببرامج الصور.
آراء متباينة كثيرة، هاجم من خلالها الكثيرون أعضاء الجمعية على توجههم نحو تقديم أعمال، يضاف إلى قيمتها الفنية لمسات من برنامج معالجة الصور الشهير «الفوتوشوب»، والذي قد يدفع البعض، والمرتبطين منهم وخصوصا بالمدارس التقليدية في فن التصوير، لاعتبار هذا التدخل تشويها للعمل، أو إضافة تحسينية تخفي عيوب ونقاط ضعف المصور فيما يقدمه للعرض أمام الجمهور.
بمقابل هذه النظرة، كانت وجهات نظر معظم المشاركين في ذلك المعرض الذي احتضنه مجمع السيف التجاري تصب في الجهة المقابلة لهذا الرأي، معتبرين أن المعالجة في الصورة هي أمر يخضع لقبول منظمات التحكيم الدولية، وهو أسلوب ومدرسة جديدة في فن التصوير الفوتوغرافي رغما عن أنف من لا يقبل بذلك، حتى لو كان الكثيرون غير مدركين لمحتوى الصورة التي قد يتم تعديل جزء بسيط منها، أو قد يتم معالجتها كليا لإخفاء ملامحها وإبرازها بصورة تجريدية أخرى.
الخلاف بشأن ذلك أخذ على محمل من المشاركين في المعرض، وكانت لهم آراء للرد على منتقدي هذا الأسلوب الذي قدموا من خلاله أعمالهم، إذ تحدث المصور البحريني المتميز شفيق خلف عن المعرض بالقول «المعرض هو فعالية سنوية يقيمها نادي التصوير الفوتوغرافي بجمعية البحرين للفنون التشكيلية، وهو يضم هذا العام أعمالا شاركت في مسابقات عالمية، منها مسابقة آل ثاني في الدوحة ومسابقة النمسا للتصوير التين أقيمتا العام الماضي، وكانت أغلب معروضات هذا المعرض قد شاركت في المسابقة، وتأهلت للمنافسة بين كم الأعمال الكبير الذي كانت لجنة التحكيم تقوم بفرزها، حتى أن بعض المعروضات قد فازت، فيما كان بعضها قد دخل للمنافسة فقط، وهو ما يجعل كل الأعمال قد خضعت لعملية التحكيم الدولية، وباختيار المنظمة العالمية للتصوير ومنظمة أميركا للتصوير، التين تعتبران أكثر مؤسستين دوليتين مشهود لهما في مجال التحكيم».
يضيف شفيق خلف «شاركنا في هذا المعرض بأفضل الأعمال، وقوة المعرض في أن الصور الموجودة فيه محكمة دوليا، ولم يأتِ اختيار المعروضات هباء؛ كما أن الفكرة الثانية هي أن الناس والجماهير يشاهدون صورا غريبة وأساليب جديدة في التصوير، تتداخل معها معالجات الصور وأساليب التصوير غير الاعتيادية، بخلاف الصور العادية الواضحة، والتي تركز مباشرة على الموضوع، إلا أن هناك معايير نقدية حديثة، لا يدركها حتى المصورون أنفسهم، وعلى أساس هذه المعايير يدخل المحكمون لدورات ويحصلون على خبرات حتى يتمكنون من فهم هذه الأعمال، ولذلك نجد الكثيرين لا يقبلون تدخل برنامج الفوتوشوب في الصور المعروضة أمامهم».
ويجد هذا الموضوع قبولا عالميا من خلال المحكمين، حتى أن المسابقات الدولية أخذت تفتح أبوابا إضافية في المسابقات للصور المعالجة كليا، فيما تكون الصور المعالجة لتحسين الإضاءة أو الألوان مدرجة ضمن المسابقة العامة.
المصور نادر البزاز وجد إزاء تساؤل عن رفض كثير من المشاهدين البحرينيين للصور المعالجة أن هناك فارقا بين المشاهد العادي الذي يزور المعرض مرورا بما يراه، والمصورين الذين يزورون المعرض، معلقا بشأن ذلك أن «المشاهد العام في كثير من الأحيان يتقبل الصورة، ويرى فيها الصورة والفكرة الجديدة، ويبدي إعجابا بالفكرة التي أمامه، إذ عادة ما تشد الصورة القوية المشاهد لأن يتأمل فيها، بينما الصورة التقليدية العادية لا تشده لتأملها لأنها لا تحتوي ما يشده إلا إذا ارتبطت بشيء من ذكرياته القديمة ومشاعره».
ويضيف البزاز «المشكلة أن بعض المصورين يختلفون في مسألة معالجة الصور، وبالذات فيما يقوم على إخفاء ملامح الصورة الأصلية وفكرتها السابقة، إلا أن ذلك أمر طبيعي خاضع للتغيرات والتطورات التكنولوجية، إذ إن الناس حينما كانوا يستخدمون الأفلام العادية للتصوير، رفضوا وعارضوا الانتقال للتصوير بكاميرات الديجيتال، وكانوا يرددون أن الفن الأصيل موجود في الصورة المطبوعة من الفيلم، بينما النظرة العقلانية تدفع المصور للتوجه نحو الديجيتال، وذلك لأنه يستطيع التقاط 1000 صورة في اليوم، وانتقاء ما يشاء منها، إلى جانب الوضوح والسرعة والدقة، لذلك فإن متطلبات العصر تستدعي استخدام الكمبيوتر، ولكن يجب أن لا نخرج عن إطار الصورة، والدخول في معالجات أكبر من خلال معالج الصور».
فيصل خلف، المصور الذي قدم أعمالا أخرى في المعرض، قدم صورة عن الأعمال التي يتم تقديمها، وهي معالجة كليا بالفوتوشوب، والتي تقدم بهذه الصورة لتخدم قضية معينة قائلا: «الأعمال التي تراها معالجة كليا، والتي يركب فيها أفعى في فم شخص، أو يستبدل إصبعه بقلم هي مدرسة خاصة في فن التصوير تسمى الأنستليشن في الفوتوغرافيا، أو تركيب صورة على صورة، وهو جزء من الفن التشكيلي، من إدخال صورتين لمعالجة موضوع ما، وإبقاء على معالم الصورتين لجعل الصورة تتحدث عن موضوع، وتوضح الفكرة بنفسها».
وعلل فيصل خلف هذا الأسلوب بأنه «يهدف إلى إبقاء معالم الصورة الحقيقية، وتوضيح المعنى، وهي مدرسة خاصة، ولا بد من طريقة ما للتحدث عن موضوع له هدف معين، فإن لم تكن أبعاد الصورة ثلاثية، فيمكن أن يكون لها بعد واحد أو هدف، وإن لم يكن لها ذلك، فسنفقد حيوية الصورة».
المصور علي الكوفي رد على من التهم المعرض بالضعف، وأن الصور المشاركة فيه مكررة ومعروضة في وقت سابق، وأن الأعضاء غير جاهزين لتقديم معرض بالقول «أحب أن أرد على من اتهم المعرض بالضعف والتكرار وعدم استعداد الأعضاء لتقديم معرض، سواء كان هذا الشخص صحافيا، مصورا، هاويا أو متذوقا للصورة، أن عليه حينما ينتقد الأعمال أن يتكلم من منطلق الفهم للعمل المعروض، أو أن يتكلم من منطلق احتراف، وإن لم يكن فعليه أن يتكلم من منطلق النقد البناء، وتجنب إثارة الأحقاد بما يرويه عن المعرض».
الكوفي وجد أن «كل إنسان يستطيع التصوير، سواء بالتلفون أو الكاميرا الصغيرة، أو الكاميرات ذات الاستخدام الواحد، فكثيرة هي أنواع الكاميرات، ولكن في الصورة أشياء وعناصر كثيرة يجب أن يدركها المتأمل للأعمال، ترتبط بالتقنيات والأبعاد الفنية للعمل، وهي أمور لا يتوصل لها الكثيرون إلا من خلال الدراسة والبحث والفهم لآليات وأدوات النقد، لا أن يكون الشخص (لكع) ويهاجم أعمال الآخرين عوضا عن دعمهم وتشجيعهم».
ويوضع الكوفي بالقول «حينما يقال أننا شوهنا الصورة بالفوتوشوب، فالصورة كانت يوما تقليدية وغير معالجة، وكذلك الرسم الواقعي الذي ينقل المنظر كما هو، إلا أنه، ومع تدرج الفنون ضمن مراحل معينة، وصلوا لتقديم أعمال تجريدية، فهل يحق أن نرى في التجريد أمرا سيئا؟ التجريديون جاءوا بهذا الفن من فهم ودراسة وعلم وخبرة، وليس بمجرد التلطيخ على لوحة الرسم، وتختبر ذلك حينما تطلب منه رسم أصبع، لتجده قادرا على ذلك، بخلاف من لا يملك الأساس للرسم».
وبين كل تلك التضاربات والردود التي حملت طابع الدفاع عن التقنيات الحديثة في معالجة الصور، كان المصور حيدر رفيعي، ذو الأسلوب الرفيع في تقديم الأعمال المصورة والمعالجة لتقديم الصور البانورامية قد وجد أن ظاهرة رفض الأعمال المعالجة «أمر سيتجاوزه الناس، إذ إن المصور الفوتوغرافي يجب أن يتماشى مع التقنيات الموجودة في حاضره وأن يكون متماشيا مع المجتمع، ولا يعيب الإنسان الخطأ أو السؤال فيما لا يفهمه، ولكن العيب هو أن يكون الإنسان جاهلا ويدعي المعرفة ويقلل من شأن ما يحرزه الآخرون».
ويضيف رفيعي «ما مضى يجب رميه وراء ظهورنا، ويجب أن نتوجه لما هو موجود في حاضرنا، إذ إن من يتهم المعالجة الصورية بالسوء، فهذا أمر ينبع من قلة فهمه، ولكن حينما يفكر الإنسان في ما أحدثته التقنيات الحديثة، وتسهيلها ما كان عسيرا في السابق، يجعله يشعر بالتخلف إن لم يقم بمواكبة العصر الحديث، سواء كان ذلك في الفوتوشوب أو التصوير الفوتوغرافي أو الفن، إذ يجب أن نتابع ونعمل وفق هذه التقنيات لنبرز للمجتمع أعمال حداثية وفق دراسة لكل ما هو جديد في العالم».
الحوار المحموم بالآراء المدافعة عما قدمه الأعضاء من أعمال معالجة بالفوتوشوب، وخضعت لتحكيم دولي في مسابقات عالمية، ولكنها لاقت الرفض على أرضها، اختتمه رئيس نادي التصوير في جمعية البحرين للفنون التشكيلية خليل حماد، الذي وجد أن «النادي أصبح يستقطب شبابا جددا ضمن أعضائه، وهؤلاء الشباب يعملون معنا ولهم أعمال مقدمة حتى في المعرض، إذ كانت بداياتهم بسيطة ومتواضعة، وتطورت مع الوقت، حتى صاروا أكثر تميزا من الأعضاء القدامى، وهم طاقات ستفرض نفسها وأعمالها، وسيؤيد الناس ما يقدمونه لأنه يتماشى مع التطور العام في هذا المجال».
ويضيف التصوير الفوتوغرافي يسير في هذا الطريق، وأنا لا أقول إن هذا الفن سيحتاج لسنوات طويلة ليصبح محببا للناس، بل هي فترة بسيطة قادمة ليتعرف عليها المجتمع، وخصوصا مع فكرة إقامة المعرض في مجمع تجاري قريب من الناس، يسهم في تقريب الفن للجميع، إذ إن مدة التفاعل في الصالات محدودة، بخلاف المجمع الذي يزوره الكثير من الناس، والذي يحرك أيضا حركة البيع بشكل أفضل من الصالات».
العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ