العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ

البيروقراطية: بين الفائدة والضرر

هشام عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

"البيروقراطية مفيدة!". ربما يستغرب البعض من هذا القول، ولكن من يتمعن فيه سيدرك أن حضارة المجتمع في الوقت الحالي لن تكون ممكنة لولا التنسيق الاجتماعي والإداري عبر تصنيف دوائر القرار، أو بما يسمى "البيروقراطية". وهذا ناتج عن قدرة هذا التوجه التنظيمي على تيسير الطلبات عبر جهات محددة، كل جهة مختصة بمرحلة من مراحل المراجعة والتفاوض. فبدلا من تكليف جهة واحدة بتقييم وتنفيذ أو رفض الطلبات، توزع المهمات على دوائر عدة تهتم كل منها بالطلبات التي اجتازت ضوابط الجهات السابقة. والمتوقع من هذا هو فعالية أكبر في تخليص المعاملات. لكن الواقع في الكثير من الأحيان يختلف. فبدلا من تكون وسيلة لتيسير الأمور، أصبحت البيروقراطية كلمة ذات مفردات سلبية، منها التعطيل ووضع المصالح الشخصية قبل العامة. وبما أن البيروقراطية تنطبق على المؤسسات والشركات كما تنطبق على الأنظمة الحكومية، فإنها تلعب دورا مهما في تطور الشركات ونمو الاقتصاد. والشيء الآخر انه كلما كبر حجم الشركة، وتنوعت مصادر الدخل، كلما زادت متطلبات الإدارة، وهذا يؤدي في معظم الأحيان الى زيادة البيروقراطية، وبدون وضع حد، لذلك تتحول الشركة من عامل اقتصادي وتجاري سلس الى ما يشبه جهازا حكوميا في دولة متخلفة متشابكة بقيودها الإدارية. والناتج عن كل ذلك هو عدم القدرة على مسايرة متطلبات الاقتصاد الداخلي للشركة، مثل تركيز الموارد للأقسام المهمة، والاقتصاد الخارجي مثل التجاوب السريع مع المنافسة وظروف الاقتصاد الكلي. ولكن، ما الذي يميز البيروقراطية المتوازنة والفعالة عن السيئة؟ نرى أن "ماكس وبر"، عالم الاجتماع الألماني، ذكر عدة أسباب لتدهور والحد من فاعليتها. وحتى لو ركز "وبر" على البيروقراطية في ميدان الحكومات وتطبيقها للقوانين، يمكن أن نستعير أسبابه لفهم التخلف الإداري في بعض الشركات الكبرى. أول هذه الأسباب مبدأ الكفاءة. وهو مبدأ نجده على صفحات "كليلة ودمنة" وأيضا بما يسمى "مبدأ بيتر" "ذمم ذىكىم" الذي يقول إن المرء يرتقي حتى يصل الى منصب هو غير كفؤ به. فبسبب نجاحه في المناصب السابقة، يكافأ بالترقية، من دون أي دراسة لمدى قابلية تطبيق خبرته في المنصب الجديد. وكونه مديرا آخر في مسار البيروقراطية، فعدم كفاءته تؤدي الى العرقلة والتعطيل. وربما قل القلق من "مبدأ بيتر" في يومنا هذا بسبب التقييم والتدريب المتواصل للمديرين. ولكن نجد القلق يعود في شكل السبب الثاني الذي يذكره "وبر" هو كثرة السياسة والفساد الإداري، كون الشركة عامل رأس مالي لا يمنعها من أن تكون مرتعا للنزاعات الداخلية ووضع المصلحة الشخصية بدلا من مصلحة الشركة ومستثمريها. ويبرز الفساد الإداري عبر أشكال مختلفة، لاسيما منها محاباة الأقارب في التعيينات والترقيات. فبدلا من نظام متقدم يحتضن الجدارة نجد هناك نظاما قبليا متخلفا. ومن الأسباب الأخرى لدينا كثرة التجزيئات والإجراءات، قلة التوثيق أو كثرته، والاعتقاد بأن الرئاسة العليا دائما أدرى بالأمور يسود الشركة. في نهاية الأمر، نرى أن البيروقراطية تتحول الى مرض يجري في عروق المؤسسة، يهلكها ويحولها الى رجل هرم، بطيء الحركة، موشك على الزوال بدلا من مؤسسة متفاعلة، متجددة ومتغيرة. حبذا لو قام أصحاب القرار في مؤسساتنا الكبرى بالتعرف على منطق أنظمتهم البيروقراطية، عاملين على تيسير الأمور بدلا من تعقيدها، والمبادرة في كشف نقاط الضعف في التقسيمات الإدارية. فكما تبادر حكومتنا بتسهيل الأمور وإزالة التعقيدات للشركات والأعمال، على الشركات نفسها القيام بالشيء نفسه

العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً