العدد 1145 - الإثنين 24 أكتوبر 2005م الموافق 21 رمضان 1426هـ

رسالة خالدة من البلاغة والبيان... إلى يوم الدين!

في إسهامه الفكري والعلمي أصالة وسبق ونبوغ وتفوق "2-2"

"شهيد المحراب. .. قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج علي بن أبي طالب "ع"... تنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هديا على مسالك العابرين، وهم على قلتهم، كالأعمدة تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومض من فرق مشارفها قبب المنائر... وإنهم في كل ذلك كالرواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السحب لتعكسها من مصافيها على السفوح خيرات رقيقة، رفيقة عذبة المدافق... ومن بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب "ع" في هالة من رسالة وفي ظل من نبوة، فاضتا عليه انسجاما واكتمالا كما احتواهما لونا وإطارا". الحديث عن اسهام الامام علي بن أبي طالب "ع" الفكري والعلمي في حركة التنوير البشرية حديث عن العطاء الانساني في أسمى معانيه. حديث يأخذ بك إلى تلك الأجواء التي كان فيها الامام عالما وخطيبا وأديبا ومربيا فاضلا ومؤسسا لمدرسة فكرية خالدة في التراث الاسلامي لاتزال قادرة حتى يوم الناس هذا على ضم الطلاب اليها وعلى التفاعل والتأصيل للكثير من التيارات الفكرية القديمة والمعاصرة. ذلك أن الامام علي "ع" فيما أعطاه كان ابن الاسلام البار الذي باع لله سبحانه وتعالى حياته ومداركه فأفاء الله عليه بجملة من المواهب الانسانية التي اختص بها.

قبس من فصاحة الامام

قبس من نور الامام في الفصاحة العربية يشير اليه الأستاذ بقسم اللغة العربية والدراسات الاسلامية بجامعة البحرين عدنان زرزور الذي تحدث عن اسهام الامام في الجانب الفكري والعلمي على أساس كونه حديث أصالة وسبق ونبوغ وتفوق وليس حديث مساهمة أو مشاركة. ولعل المزيد من التوضيح يقدمه ضيفنا هنا فيسترسل في القول: "لقد وصف الله تعالى اللسان العربي بأنه مبين. وقد ارتقى القرآن الكريم بهذا اللسان الذي نزل به إلى حد الاعجاز. وعبر عن البيان بأنه الكلام، والبيان هو ما امتاز به الانسان، فجاءت معجزة النبي الكبرى بيانية بالاشارة إلى ان رسالة الاسلام هي رسالة حيث كان الانسان في أي زمان وجد". وقد كان من تمام هذه الصورة في هذه الرسالة أن يكون رسول الله "ص" في الذروة العليا من البيان فيعطيه الله تعالى جوامع الكلم ويختصر له الكلام اختصارا فيكون بذلك رسول الانسانية الأخير ومعلم البيان الأكبر. ثم تأتي بلاغة سيدنا علي بن أبي طالب "ع" في المرتبة التالية مباشرة بعد بلاغة النبي الأكرم، لتكمل بذلك صورة البلاغة والبيان في هذه الرسالة الخالدة إلى يوم الدين.

بلاغة تتصدر البلغاء

وعن مستوى بلاغة الامام يردف زرزور: "اذا كانت بلاغة النبي "ص" لا تبلغ شأو الكلام الالهي أو تقصر عن مرتبة اعجاز القرآن، ولكنها تعلو على سائر أنواع البلاغة التي عرفها البلغاء والأدباء. فإن بلاغة الامام علي "ع" تتصدر بلاغة هؤلاء البلغاء في جميع عصور الأدب العربي من دون استثناء. وأذكر هنا أن صاحب الكتاب المتميز في البلاغة: يحيى بن حمزة العلوي وأعني كتابه المشهور "الطراز" أشار إلى مكان الصدارة هذا الذي يحتله الامام علي "ع" وكتب في ذلك كلاما نفيسا". ماذا عن أبواب هذا الاعجاز؟ يجيبنا زرزور: " من أبواب الاعجاز التي يمكن الاشارة إلى أثر سيدنا الامام علي بن بي طالب "ع" في تأصيلها باب الفواصل القرآنية ويعنون بالفاصلة - في هذا السياق- الكلمة التي تختم بها الآية من القرآن، ويتحدثون عن أثر هذه الفواصل في اعجاز القرآن بوجه عام وفي الجانب الصوتي منه بوجه خاص. وعلم الفواصل - كما يسمونه - يرتبط برؤوس الآي، كما يرتبط به عدها أو عدد آيات القرآن الكريم وبعض العلوم والمسائل الأخرى. ومع الاختلاف الذي وقع بين البصريين والكوفيين في رؤوس الآي مع اتفاق الفريقين على النص القرآني، أو على السورة الواحدة من القرآن، اختلف عدهم لآيات القرآن. ولكن العدد الأشهر في طبعات المصحف الشريف في العالم الاسلامي منذ مئات السنين، اتبع فيه طريقة الكوفيين. وهؤلاء رووا هذا العدد أو هذه العدة عن أمير المؤمنين الذي كان بين ظهرانيهم "ع" وربما أخذوا ذلك من تلاوته وطريقته في الوقوف على رؤوس الآي أو من تعليمه وإرشاده. اللجنة المشرفة على طبع مصحف المدينة المنورة "بمجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لطباعة المصحف الشريف" كتبت في التعريف الملحق بهذا المصحف: "واتبعت في عد آياته طريقة الكوفيين عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي عن علي بن أبي طالب، على حسب ما ورد في كتاب "ناظمة الزهر" للامام الشاطبي وغيرها من الكتب المدونة في علم الفواصل، وآي القرآن على طريقتهم 6236 آية. وفحوى ذلك أن القرآن الكريم: جمعه أبوبكر، ونسخه عثمان، وقرأه علي رضي الله عنهم أجمعين. والمسلمون يقرأون القرآن إلى يوم الدين بقراءة سيدنا علي بن أبي طالب "ع"". ولعلنا نشير في الختام، إلى نقطة طرحها الشيخ حميد الشملان في الحلقة الأولى وهي الاستفادة من وسائل الإعلام في نشر فكر الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، إذ تعتبر من أهم مصادر التنوير العلمي والفكري، ويوضح الشيخ الشملان أن نبوغ الإمام عليه السلام لا يقتصر على ما جاء في الكتب التي تحدثت عن سيرته، بل في الإسهامات الكبيرة التي استفادت منها الأمة ومازالت فيما تم اعتماد منهجه في حقوق الإنسان وتصنيف الحقوق والواجبات وعلوم الفلك والرياضيات واللغة وسائر العلوم، مصدرا يستعين الباحثون به. ولعل في هذه الخاتمة، أعطر وأزكى الكلام في الحديث عن شخصية صاحب هذه الذكرى وليد الكعبة، وشهيد المحراب الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام.

من حكمه عليه السلام

- إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه. - من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. - من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب. - يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذر. - إذا كنت في إدبار، والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى. - اللسان سبع إن خلي عنه عقر. - عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. - من أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته اصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه وعظ كان عليه من الله حافظ. - عظم الخالق عندك، يصغر المخلوق في عينك. - يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.


وضع أسس بناء وتأهيل الطاقات الشبابية

شباب الأمة في حاجة للالتحاق بجامعة "علي"

الوسط-حيدر محمد

أرسى الإمام علي بن أبي طالب "ع" منهجا تربويا متكاملا في بناء وإعداد وصناعة الطاقات الشبابية المؤهلة لقيادة المجتمع الصالح بالاعتماد على كل العناصر الايجابية التي تنطوي عليها مرحلة الشباب. وكان لهذا المنهج أثر واضح في كتابة حوادث تاريخية كان عنصرها الأول هم الشباب الذين استطاعوا أن يضعوا لبنات مجتمع إنساني صالح وفق المنهج الإسلامي في التربية السليمة لما لها من سحر أخاذ في حياة الشباب، ولعلنا في هذا التقرير نرصد آراء بعض الشباب عن بناء شخصية الشباب المسلم من خلال منهج الامام عليه السلام. يرى الناشط محمد فخراوي الذي أكد أن الحديث عن شخصية جامعة كأمير المؤمنين"ع" - ولو كان منحصرا في بعد واحد من أبعاد هذه الشخصية الكاملة - يحتاج الى مجلدات كثيرة هي الأخرى قد لا تفي بتعريف هذه الشخصية حق معرفتها "ولكن من أهم الصفات التي من المفترض أن تؤثر في شخصية الشباب الملتزم في الجانب التربوي، تكمن في مجموعة من الصفات التي نراها واضحة في حياة الإمام "ع" فلقد كان علي "ع" مطيعا ومنقادا بالكامل الى رسول الله "ص" وقيادته، وكان صادقا تماما في التزامه بدين الله وتعامله مع الناس، ومثال ذلك انه أعلن بوضوح انه سيعيد الأموال المنهوبة الى بيت المال حتى لو كانت صداق النساء، وبهذا الموقف الصريح بين للجميع نهجه في التعامل مع بيت مال المسلمين خلال فترة خلافته".

احتضان الكوادر الشابة

لكن يوسف حسين "عضو مركز بوري الثقافي" يقول إن الإمام علي "ع" أرسى منهجا واضحا في بناء الشباب الملتزم، وترجمه فعليا من خلال احتضانه الى الكوادر الشابة، وصقلهم دينيا، والتاريخ يحدثنا عن نماذج كثيرة، الى درجة أن الصفوة التي كان يعتمد عليها أمير المؤمنين "ع" في اشد الظروف كان في طليعتهم الشباب، ولعلنا نستذكر القصة الشهيرة مع خادمه قمبر، حينما ذهب معه الى السوق، واشترى بعض الملابس فأعطى أفضل الملابس لخادمه قمبر، وحينما سأله عن السبب، قال إنك شاب ولديك شرحة الشباب، فعلي حتى في هذا الجانب أراد أن يهتم بشخصية الشباب عوضا عن تعاليمه الأخلاقية والتربوية، وفي الأوضاع التي كانت سائدة مع الإمام علي بعد مقتل الخليفة الثالث استشرى الفساد في معظم الأمة، فالإمام أراد أن يعيد للأمة هيبتها على جادة الصواب، خصوصا وان الإمام ورث مجتمعا متراجعا من جميع الجوانب، فبدأ ببناء هذا المجتمع وكان لابد من إشراك الشباب، فربى لنا شبابا مؤمنا ليكونوا انطلاقة تتوج بنشر المعارف والقيم الأخلاقية في جميع أنحاء الدولة الإسلامية، حتى في حركة الولاة؛ عزل بعضهم واسند المهمة الى بعض الشباب حتى أن بعض الأقطار التي كان فيها ولاة كبار حاول أن يهيئ صفا آخر من الشباب، وبالتالي ملامح أمير المؤمنين من الشخصية الأخلاقية".

في النجف دفن العلم

ويتفق كل من الباحث والكاتب جلال مجيد وحمد الزيرة الى مصادر الاستفادة من أمير المؤمنين "ع" قائلا: "يمكن للشباب أن يستفيدوا من علي في روحه وصفاته: زيارة وحبا وولاء وذكرا خطابيا وكتابيا وشعريا. ومن المعروف من سيرة الشيخ الوائلي إنه كان طيلة حياته في النجف يداوم على الحضور عصرا يوميا في منتدى أمام ضريح أمير المؤمنين "ع". فهو باب العلم، وفي النجف دفن العلم". ويجب علينا الاستفادة من علي "ع" في أقواله: نثرا وشعرا ودعاء. فأما النثر فدونك "نهج البلاغة" وكلماته الحكمية في غيره من الكتب، وأما الشعر فدونك القصيدة الزينبية الحافلة بالتوجيهات التربوية الراقية. وأما الدعاء فأنعم بدعائه الذي علمه لصاحبه كميل بن زياد وكذا مناجاته الشعبانية. ويختتم عضو مركز المعرفة الإسلامي الناشط حسين شمس هذه الجولة المباركة بالإشارة الى أن علي "ع" يرى أن الإنسان هو غاية الوجود، ومن أجله خلق الله ما خلق إذ بعد أن خلق تعالى الكون ورتبه أحسن ترتيب، ونظمه أجمل تنظيم، وأتم مرافقه، على أكمل وجه، وجمع فيه ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، أخرج إليه الإنسان، وأسكنه فيه على أن يكون خليفته في أرضه، يحيا في كنفها ويعيش من خيراتها، ويمضي في أقواله وأفعاله ونواياه، ومقاصده، وفق أحكام الله وإرادته مطيعا، مذعنا، شاكرا، إلا أنه الإنسان خالف أمر الله، وسلك بوحي من نفسه الأمارة بالسوء، فجذبته الدنيا إليها وحجبت عنه الرؤية السليمة فبات أسير أوهامه وشهواته. ويسترسل شمس قائلا: "كثيرة هي الخطب والكلمات التي تضمنها "النهج" وهي تدعو إلى طلب العلم وأخذه من أي مصدر كان، كما وتحث على العمل حتى لا تبقى التربية مجرد نظريات لا فائدة منها في عالم الواقع. لذلك فإن الإمام "ع" يدعم القول بالعمل وهذا هو الحق الذي يشهد به العمران والتقدم والتطور الحاصل في المجتمعات من ذلك "العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، إذ لا خير في علم بلا عمل"". ولابد للعارف من أن يكون عاملا حتى لا يكون علمه حجة عليه ولقد طبق الإمام علي "ع" هذا الأمر على سائر مجريات حياته، يبدو ذلك في حديثه عن العلماء الذين يتعلمون، إذ قسم "ع" تعلمهم لغايات ثلاث: للمراء والجدل، للاستطالة والحيل، للفقه والعمل

العدد 1145 - الإثنين 24 أكتوبر 2005م الموافق 21 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً