العدد 1146 - الثلثاء 25 أكتوبر 2005م الموافق 22 رمضان 1426هـ

فلسفة "الجراح" وأشياء أخرى ...

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

سألوا الفيلسوف ديوجين ذات مرة عن الساعة المناسبة لتناول الطعام، فأجاب قائلا: "بحسب مقتضى الحال؛ حين يكون المرء ثريا، فإنه يأكل متى يشاء، وحين يكون المرء فقيرا، فهو يأكل عندما يستطيع!". وفي مرة أخرى، كان ديوجين يستمني علنا، وكان معتادا على ذلك، فصاح قائلا: "كم يكون المرء سعيدا لو انه يكفيه أن يفرك بطنه كي لا يشعر بالجوع!". هذا الفيلسوف ديوجين، كما صوره لي الناقد الفلسفي البحريني يوسف يتيم أثناء حوار جرى أخيرا على شكل أطروحات فكرية، تحتوي على قليل من الجد، وكثير من "القشمرة" عن الفلسفة البوهيمية والبوهيميين عندنا في البحرين. إن هذا الفيلسوف اليوناني لا يبتعد كثيرا عن الفلاسفة والبوهيميين، كونه كان يزدري بالأعراف والأخلاق السائدة، والقصائد، والأقوياء من المتنفذين في الدولة، والأساتذة الذين يعتقدون أن معرفتهم هي الحقيقة النهائية المطلقة. هنا، تذكرت بضعة أبيات للشاعر عبدالله البردوني الذي يملك من الشهرة في اليمن وخارجه "شهرة القات اليمني"، الذي يتم تخزينه في تشابه مثير للدعابة، وللطرافة أو "الظرافة": بين "الكمبيوتر الذي يخزن المعلومات، واليمني الذي يخزن القات"! يتحدث فيها الشاعر عن فلسفة الجراح، إذ يقول فيها: متألم مما أنا متألم حال السؤال وأطرق المستفهم بما أحس من الأسى الدامي وبي أضعاف ما أدري وما أتألم وكأن قلبي في الضلوع جنازة أمشي بها وحدي وكلي مأتم وكأن روحي شعلة مجنونة تطغى فتضرمني بما تتضرم دعونا نقلب المعنى على جمر المصارحة، كصراحة "فله" في رواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر، إذ قالت لمهيار المتيم بالثورة الجزائرية، والذي يخشى الافريقيات، لاعتبارهن "لبؤات"، ورثن من الغابة شراستها: "نحن الافريقيات ننتشي بالقهوة. هنا المرأة لا تخون إلا الرجل الذي لا يروي أرضه جيدا!" "ص35". قلت ليوسف يتيم: هل حيدر حيدر كاتب بوهيمي مبدع ومنتج، أم إنه بوهيمي ضمن الإطار المتعارف عليه عن البهيمية التي تحمل صفة اللامبالاة؟ أعتقد أن البوهيمية سلوك، وفي جزئية منه ثقافة، ومثلما يقال عن الشاعر المصري أمل دنقل إنه بوهيمي ذو مكانة كبيرة، وبوهيميته أبدعت وأثرت الشعر العربي، فإن حيدر حيدر كذلك. ولدينا كتاب بحرينيون يسلكون السلوك البوهيمي "واعفني من ذكر أسمائهم منعا للإحراج، على رغم إنني فخور بهم" يتسكعون في المقاهي ويلازمون السهر الطويل والغياب عن العالم لفترة طويلة، ويفتقدون الاهتمام بالمظهر، وأحيانا عدم المراعاة للظروف، وهذه ليست تهمة، أو شتيمة لسلوكياتهم، بقدر ما يمكن ربطه في أن يكون الإنسان بوهيميا ومثقفا أو غير مثقف، منضبطا وغير منضبط، فالبوهيمية فلسفة عميقة، لها مرجعيات، منها تفجير طاقات الإنسان المتجاوزة للعقل، والانفلات والرفض والتمرد على السائد. رفض السائد ميزة راقية للبوهيمية والبوهيميين، وهي في معناها الدقيق والواسع حرية الضمير، وفي معناها الضيق فيها نوع من الكسل، لأنها تأخذ من الأشياء أقلها كلفة وأقلها جهدا. صاحبنا بوشهاب، الذي كان صامتا، ويستمع بشغف عن البوهيمية وحلو الكلام حولها، دخل على خط الحوار "بتفجيره قنبلة" كلامية: البوهيمية رائعة. أنا بوهيمي! دعونا نشكل حزبا من البوهيميين في البحرين يعنى بالفقراء الرافضين للواقع، والرافضين للمجتمع، والرافضين للصحافة المحلية، والرافضين لأحوالهم، وحتى لما كان يدور تحت قبة البرلمان من سفاهات عن نانسي عجرم، أو كلام يدخل في الحرية الشخصية، مثل إغلاق الفنادق في رمضان، ويريدونه أن يمتد لما بعد رمضان دون اكتراث من مصير عدد من البحرينيين الذين سيتم تسريحهم من أعمالهم في الفندقة، ليزيدوا البطالة بطالة أخرى بين البحرينيين الفقراء، وتحطيم عوائل تسترزق في عيشها من هذه الأعمال، إلى آخره من المآسي والنبتة الشيطانية المتخلفة، التي لا ترحم، ولا تقبل نزول رحمة الله على العباد. دعوني أسألكم: "من يملك الدنيا: الفقراء أم الأغنياء، ومن يملك الآخرة: الفقراء أم الأغنياء؟!". أقول لكم بكل أمانة وصدق: الفقراء لا يدخلون الجنة! تعرفون لماذا؟ ببساطة شديدة، لأنهم "الفقراء": يحتاجون إلى وساطات لدخول الجنة، كما هو الحال عندما تتقدم بطلب وظيفة في وزارات الدولة والشركات والمؤسسات، فإنه لابد أن يكون لديك أحد "الهوامير" والمتنفذين في "الشطارة"، حتى تحصل على العمل بعد سلسلة من التعجيز و"اللت والعجن". كما أن الفقراء قد حصلوا على كامل مستحقاتهم من "صدقة وزكاة" الأغنياء في شهر رمضان الكريم، الذي قرره الله تعالى في قرآنه الكريم كي يشعر هؤلاء الأثرياء بجوع الفقير، الذين لم يصوموا قط عن مراجعة حساباتهم في البنوك ليل نهار: فلماذا ينوي الفقراء الاستيلاء على أموال الأثرياء "المساكين؟! ". "تكركرنا" من الضحك على بوشهاب، وطلعته "الفانتازية"، وقلنا له: حديثك "مشروع رؤية" سنتدارسه عن "كثف" على رغم إنه خارج من "شيوعي حاقد على الطبقات الثرية" وليس "بوهيميا" يرفض الأشياء الكريهة في المجتمع التي لا تطاق على نطاق واسع... فحافظ على رفضك للسائد، وحاول تغييره بأية فلسفة وإن كانت "البوهيمية"، أو فلسفة "الجراح" التي تحاول تضميد المجتمع بها لترقيعه

العدد 1146 - الثلثاء 25 أكتوبر 2005م الموافق 22 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً