العدد 1152 - الإثنين 31 أكتوبر 2005م الموافق 28 رمضان 1426هـ

صورة المرأة العربية في البرامج الرمضانية... قراءة تحليلية

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

أصبحت جميع الجهات والمؤسسات في الآونة الأخيرة تتحدث وتخطط لتمكين المرأة سياسيا وبدأت تتشكل ملامح موضة العام 2005 - 2006 بالتمكين السياسي للمرأة، أحسب أن ذلك كله جيد ويصب في مصلحة المرأة الطموحة والراغبة في الدخول في اللعبة السياسية، وربما يسهم ذلك بشكل أو بآخر على صعيد إبراز دور المرأة وحقيقة قدرتها على ممارسة العمل السياسي كشريك جدير بتحمل المسئولية، المجلس الأعلى للمرأة تبنى ومنذ أشهر معدودة مشروع التمكين السياسي للمرأة، منتدى المستقبل الموازي أقر محور تمكين المرأة سياسيا كأحد المحاور المهمة للمؤتمر، غرفة تجارة وصناعة البحرين أخيرا دعت لندوة تهدف إلى تمكين المرأة للترشح الانتخابي، الجمعيات السياسية لديها بعض المشروعات أو الأفكار الخجولة المتعلقة بمحور تمكين المرأة سياسيا. ربما الأمر متعلق بالموارد المالية والبشرية وأحسب أنهما من الموارد المهمة لإدارة أي مشروع من المشروعات، الاتحاد النسائي "تحت التأسيس" لم ينشط إلى الآن للنهوض بهذا المحور، الجمعيات النسائية لم نسمع لها خبرا عن جهودها التنسيقية في سبيل التمكين السياسي للمرأة، وربما تطالعنا الأيام القليلة المقبلة بذلك، وربما هناك الكثير من المشروعات والبرامج التي تصب في خدمة هذا الهدف المنشود، والتي تعكس توجها حضاريا، يؤكد دعم المرأة التي نسعى إلى حصولها على حقوقها السياسية. كل تلك الجهود التي تبذل والانجازات التي تحققت ربما تذهب جميعها أدراج الرياح بحيث لا تستطيع تحقيق غاياتنا وأهدافنا المنشودة، والأسباب كثيرة سأسلط الضوء ها هنا على محور مهم ورئيسي في عملية التمكين السياسي للمرأة أتصور بأن الجميع يعلم ذلك بما فيهم وزارة الإعلام، إلا أن السكوت عن ذلك يعني انتحارا سريعا وتحللا لجميع البرامج والمشروعات الهادفة لتمكين المرأة سياسيا، واحدة من أهم أسباب إخفاق المرأة في الانتخابات السابقة والذي ربما اتفق غالبية المحللين والسياسيين عليها هي مسألة النضج الاجتماعي أو الوعي الاجتماعي التي ترسخ وتأصل أن المرأة لا تقدر على خوض غمار الحياة السياسية وانها لا تصلح لأن تكون شريكا جديرا بتحمل المسئولية وأن الرجل حتما سيكون الأقدر على ممارسة العمل السياسي مقارنة بالمرأة التي ربما تصلح لأي شيء وكل شيء ولكنها لا تقوى على العمل السياسي وتبعاته، والسؤال: هذه الفكرة أساسا من أين جاءت؟وما هي جذورها؟وما الذي يساعد مثل تلك الأفكار على النمو والازدهار؟ في الوقت الذي باتت فيه التشريعات والقوانين منصفة للمرأة وأعطتها الحق السياسي في أن تكون ناخبة ومرشحة، وللإجابة على مثل تلك الأسئلة نتذكر على الفور وظيفة الوسائط الإعلامية ومدى قدرتها على تنضيج مثل تلك الأمور من عدمها، إذ يعد الإعلام بأشكاله وأنواعه أحد المقومات الحقيقية لتمرير بعض القناعات والرسائل، إذ إنه يوفر تربة خصبة لنمو مثل تلك الأفكار وتكاثرها، ولكم أن تتصورا ونحن على أعتاب دورة انتخابية جديدة وستكون المرأة حتما من المشاركات فيها، في الوقت الذي يتسمر فيه أفراد الأسر عند الشاشة الصغيرة "التلفاز" ولا سيما في شهر رمضان المبارك سواء في فترة الإفطار أو الفترة التي تليها، ويتابعون بشغف كبير حوادث المسلسلات الرمضانية التي تعاد نفسها عاما بعد عام هذا لا ينطبق فقط على برامج تلفزيون البحرين فقط، فقد قمت بجولة على غالبية المحطات العربية وحاولت أن أكون فكرة لا بأس بها حول موقعية المرأة العربية في البرامج والمسلسلات الرمضانية، لا أخفي عليكم وجدت واقعا مخيفا ومرعبا وطرحا مملا للغاية، بل كان تصويرا رهيبا وفيه نسف وتشويه لشخصية المرأة، إذ مازالت النظرة النمطية والتقليدية تسيطر عليها، فالمرأة العربية والبحرينية تحديدا كما تصورها المسلسلات لا حول لها ولا قوة، بل مازالت المرأة ضعيفة لا تمتلك قراراتها وماتزال في دائرة صمتها، وتبدو وكأنها مسلوبة الإرادة والمصير، ولازال صوتها خافتا غير مسموع، وتتكلم بنبرة حزن مبحوحة وتغلب على مشاعرها الضيق والضجر والتردد، تبعية المرأة واضحة جدا للعيان، ودورها قاصر على إدارة شئون المنزل فهي حبيسة البيت والجدران الأربع، شخصية غير مقدرة وغير محترمة من قبل أفراد أسرتها على رغم التضحيات التي تقدمها والمسئوليات الجسام التي تناط بها، الم أقل لكم إن واقعها واقع مخيف، بل هو أكثر من ذلك واقع مقزز، لا أعرف ما الهدف الأساسي أو الحقيقي وراء هذا التصوير غير اللائق بمكانة المرأة، الا نستحي أن نصور واقع المرأة البحرينية القوية الجسورة المتعلمة والمثقفة والتي خاضت جميع الميادين وعلى جميع الأصعدة بهذا الواقع الخيالي الذي يذكرني بالعصر الجاهلي؟ أليس عيب في حق المرأة أن نجعل منها تمثالا لا يليق بمكانتها الاجتماعية؟ بينما يعطى الرجل السلطة والسيادة بشكل مبالغ فيه إذ يصور بأنه الأمر الناهي صاحب القرارات وهو السلطة العليا في البيت، وكأنه يعيش عصر "سي السيد" البائد، والذي لم يعد من اللائق أن يذكر هذا الوضع حتى في الروايات، للذين لم يتابعوا وقائع بعض المسلسلات التي شاهدتها بأم عيني تصور بأن أحد الرجال "مزواج"، على سنة الله ورسوله طبعا ويتزوج أربع نساء على ذمته مع مراعاة العدل والإحسان، ولكن كلما رغب في الزواج بواحدة أخرى، يضع الأربع "زوجاته" بلا سبب يذكر سوى تحقيق غاية في نفسه وهو التبديل والتغيير والبحث عن الجديد والصغير والجميل طبعا "مواصفات الرجل لزوجته"، على محك القرعة بحيث التي تكون في القرعة يكون مصيرها الطلاق حتى يحلو له أن يتزوج امرأة جديدة أخرى، تصور حتى يستطيع تحقيق هدف شخصي لا مبرر له ولاسيما أن زوجاته الأربع يتمتعن بكل المواصفات التي يرغب في توافرها، ربما يقتل مشاعر امرأة أو يحطم طموح أخرى، صورة النساء وهن جالسات ومشاعرهن التي ترتسم على وجوههن من إحساس بالرعب والخوف والقلق من أن يكون نصيبهن الطلاق بحسب القرعة التي لم يتم مشاورتهن فيها، وإنما عرفن بذلك للعلم فقط ولضرورة التطبيق الفعلي لها، التي "يطلع" اسمها في القرعة عليها أن تجهز أمتعتها لكي تخرج من بيت الحياة الزوجية بلا سابق إنذار، ولا عليها سوى الطاعة، كلمة لماذا؟ غير مطلوب منها أن تنبس بها. الإعلام بسياساته غير المبرمجة وبعده عن التخطيط وعدم قراءته الواعية لما تتطلبه المرحلة الحالية من احتياجات وأولويات، قد يفسد الكثير من البرامج والمشروعات التي تخطط لها الجهات المختلفة والتي تعمل ليل نهار على تمكين المرأة سياسيا ومن الواضح أنه تمتلك الحس غير المتوافر لدى الوزارة المسئولة عن مخاطبة أفكار الناس، كيف للمجتمع أن يثق في المرأة ويقبل بها أن تكون ممثلة له أو أن تتبوأ منصبا سياسيا معينا وهم لايزالون يرون المرأة من خلال الأدوار التي تعطى لها في البرامج التلفزيونية، إذا ما طالعنا الإعلام بصورة مشخصة ومجسدة وموصفة بواقع خجول وضعيف ومهزوز للمرأة، أليس الإعلام أولى من غيره من المؤسسات التي يجب أن يتبنى محور تمكين المرأة سياسيا من خلال البرامج التثقيفية والتوعوية والاجتماعية المختلفة التي تعمل على تنضيج المجتمع ومساعدته على اتخاذ قرارات حكيمة بشأن مشاركة المرأة في العمل السياسي؟ أم أن الحديث في جانب والتنفيذ ينصب في جانب آخر؟ ألا يحق لنا أن نستفيد من الاعلام باعتباره سلطة وبالتالي يكون داعما للمرأة ولتمكينها على جميع الأصعدة أم إننا نسعى إلى التسلية وسد الفراغات بغض النظر عن نوعية ما يقدم ويطرح من مواد؟. الأمر خطير إذا ما استمر على هذا المنهاج وكان بودي استغلال الفرص خصوصا في شهر رمضان إذ الحرص على مشاهدة البرامج، ففي كثير من الأوقات يكون البعض منشغلا، ويطيب لهم المتابعة في هذا الشهر تحديدا، وبالتالي إحداث تأثيرات ايجابية لصالح المرأة كان واردا لو تم التخطيط له، كأن يعمل على إبراز أدوار المرأة بشكل لا نقل يبالغ في قدراتها واستعداداتها ولكن يعكس على الأقل مدى إمكاناتها وقدراتها واستعداداتها، ويترك الحكم النهائي للمشاهد، ولدينا نماذج كثيرة ممكن أن تلعب أدوارها المرأة ضمن سلسلة البرامج الرمضانية والمسلسلات الاجتماعية، ليكن أحد الأهداف الواضحة والبارزة لدى وزارة الإعلام من الآن وحتى الانتخابات العامة 2006 العمل على إبراز الجانب المغيب لشخصية المرأة، لا ترسيخ ما هو غير حقيقي لدى ذهنية المشاهد، وعلى الجهات والمؤسسات التي تعنى بتمكين المرأة سياسيا تنسيق الجهود مع وزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية الأخرى لما لها من أدوار فاعلة في تحقيق القبول الاجتماعي للمرأة كشريك في تحمل أعباء العمل السياسي، نأمل أن يتحالف الجميع لتحقيق ما يصبو إليه المجتمع

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1152 - الإثنين 31 أكتوبر 2005م الموافق 28 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً