العدد 2985 - الأحد 07 نوفمبر 2010م الموافق 01 ذي الحجة 1431هـ

هل في الإمكان قيام زراعة تعاقدية في البحرين؟

عبدالله comments [at] alwasatnews.com

عبدالله البشير- وزارة البلديات والتخطيط العمراني 

يعتبر تسويق المنتجات الزراعية أحد أهم العوامل المهمة التي تؤثر على إمكانية تنمية وتطوير قطاع الزراعة. فالتنمية الزراعية لا تتحقق بزيادة الإنتاج فقط وإنما أيضاً في القدرة على تصريف وتسويق ذلك الإنتاج بأسعار تعود على المزارع بالأرباح التي تمكنه من العيش الكريم والثبات في أرضه والاستمرار في زراعتها.

لقد استطاع المزارع البحريني على الرغم من موارده المحدودة التغلب على الكثير من المعوقات التي تعترض الإنتاج الزراعي، من تملح للمياه والأراضي وقسوة المناخ، وأن يحقق معدلات مقدرة من الإنتاج الزراعي وعلى وجه الخصوص إنتاج الخضراوات، حيث وصل إنتاجها إلى نحو 18 ألف طن في الوقت الحاضر بزيادة فاقت 50 في المئة عن مستواها في بداية هذا القرن. وينتج المزارع العديد من أصناف الخضراوات التي تتلاءم مع البيئة المحلية.

إن المزارع في مملكة البحرين يعاني في كثير من الأحيان من مشكلة تسويق منتجاته. فأنماط التسويق القائمة مجحفة بحق المزارع الذي يتحمل الجزء الأكبر من الأعباء غير أن ما يحصل يدفعه المستهلك ضئيلاً إذا ما قورن بالهامش الربحي الكلي.

ومما يزيد من تفاقم مشكلة التسويق أيضاً تمسك المزارع البحريني بالتركيز على زراعة أصناف معينة من الخضراوات ينعكس فائضاً في إنتاجها سلباً على الأسعار ويلحق أضراراً مادية كبيرة بالمزارع، بالإضافة لذلك فإن تدني مستوى الخدمات التسويقية والأنشطة المساندة لها من تعبئة وفرز وتدريج... الخ، يجعل المنتجات المحلية من الخضراوات في درجة تنافسية متدنية من الناحية التسويقية مع المنتجات المثيلة المستوردة والتي تتمتع بمتطلبات السوق المتطورة.

وتحت وطأة هذا النظام التسويقي الحر في مملكة البحرين قد يتطلب الأمر وجود جهة أو مؤسسة تعمل على الربط بين المزارعين وأسواق الاستهلاك. وربما تكون جمعية البحرين التعاونية الزراعية هذه الجهة، ولكن وبالنظر للأسباب الموضوعية التي تواجه نشاط هذه الجمعية في الوقت الحاضر فإنه يصعب عليها القيام بمثل هذه المهمة.

يوجد في البحرين العديد من المؤسسات العاملة في تجارة أو استهلاك السلع الغذائية، ويمكن لإحدى هذه المؤسسات أن تقوم بهذا الدور من خلال شراكة تعاقدية ما بين المزارعين وهذه المؤسسة أو مؤسسات مشاركة أخرى، فالزراعة التعاقدية لها مميزات عديدة عندما تنظم وتدار بكفاءة حيث إنها تقلل من المخاطر وعدم اليقين لكلا الطرفين.

تتمثل ميزة الزراعة التعاقدية للمزارعين فيما تقدمه من أسعار مستقرة لمنتجاتهم. فالعائدات التي يحصل عليها المزارعون مقابل محاصيلهم في الأسواق المفتوحة تعتمد على الأسعار السائدة وقت الحصاد، وقدرتهم على التفاوض مع المشترين.

أما الزراعة التعاقدية فتستطيع إلى حد ما التغلب على هذه الحالة من عدم اليقين. فقد تحدد المؤسسة المشاركة في الاتفاق مقدماً الأسعار التي ستتفق عليها مع المزارعين وينص على ذلك العقد المبرم فيما بينهم.

وقد ترتبط عقود الإنتاج ما بين المؤسسة والمزارعين بقيام هذه المؤسسة بتوفير المشورة الإرشادية للمزارعين والبذور المحسنة والأسمدة والقروض الميسرة، إضافة إلى القيام بالخدمات التسويقية وتسويق المحصول. ويمكن كذلك أن تعمل المؤسسة على تشجيع المزارعين لتبني طرق الإنتاج الحديثة.

وتحت واقع الإنتاج الزراعي الحالي في مملكة البحرين فإن غالبية المزارعين قد ترفض تبني النظم الحديثة مثل الزراعة بدون تربة والزراعة العضوية بالنظر إلى المخاطر المحتملة والتكاليف التي تنطوي عليها هذه النظم. فالمؤسسة الراعية للشراكة يمكنها تمويل مثل هذه الزراعات وتشجيع المزارعين على تبنيها.

إن أسلوب الزراعة التعاقدية من المؤمل أن يكون له قدر كبير من النجاح في بلد مثل مملكة البحرين، حيث مازالت الحيازة الزراعية صغيرة النطاق وبحيث لم يعد لمحاصيل المزارعين في كثير من الحالات القدرة التنافسية في الأسواق المحلية أو الخارجية.

إن التعاقد هو عملية مساومة أو تفاوض بين طرفين غير متساويين من الناحية الاقتصادية، فالشريك ذو مقدرة اقتصادية عالية والمزارع هو الأضعف. وفي هذه الحالة يمكن للمزارعين أن يتعاونوا فيما بينهم من خلال الجمعية التعاونية بحيث تكون لهم قوة المساومة وتحقيق شروط عقدية عادلة في النهاية، كما يمكن للدولة أن تكون راعية لمثل هذه الشراكة.

إن تبني مثل هذا المشروع في مملكة البحرين يتطلب أن يشمل في البداية عدداً محدوداً من المزارعين (25 - 30)، لزراعة أصناف محددة من الخضراوات يلتزم المزارعون بزراعتها وفقاً لمتطلبات الشريك، وهذه المحاصيل تكون من الأصناف المرغوبة في الأسواق وذات قدرة تنافسية عالية وذات مردود اقتصادي مجزٍ للشريكين. كما يمكن أن تطبق التجربة في منطقة زراعية محدودة لتسهيل عملية المتابعة وتقليل تكلفة نقل المحصول.

هناك الكثير من التجارب للزراعة التعاقدية الناجحة سواء في مملكة البحرين أو في دول العالم النامي الأخرى. ففي البحرين توجد الشراكة التعاقدية ما بين شركة دلمون للدواجن ومربي الدجاج اللاحم، حيث بدأت هذه الشراكة منذ بداية الثمانينيات وأثبتت نجاحها وفوائدها لكل الأطراف. أما على مستوى الدول النامية، ففي إحدى المناطق الهندية تعاقدت إحدى المؤسسات مع نحو أربعمئة مزارع لزراعة الطماطم، وأكدت دراسة أعدت عن هذا البرنامج أن الإنتاجية ودخول المزارعين قد زادت بما يقارب 50 في المائة في المتوسط عن تلك الخاصة بالمزارعين الذين يزرعون الطماطم لبيعها في الأسواق المفتوحة.

وكذلك الحال في سريلانكا، حيث تعاقدت إحدى المؤسسات مع أكثر من 15 ألف مزارع لزراعة الخيار يملك كل منهم نحو نصف هكتار فقط (5000 متر مربع). وهناك اتفاق تعاقدي في طور الإعداد ما بين بعض الشركات المصرية والمزارعين في مشروع الجزيرة بالسودان بخصوص زراعة محاصيل محددة لصالح هذه الشركات في مقابل توفير مستلزمات الإنتاج والميكنة والقروض الميسرة للمزارعين وعلى أن يلتزم المزارعون بتوريد الإنتاج لهذه الشركات وفق صيغة تعاقدية تحدد بها كيفية تحديد الأسعار وخصم تكاليف الإنتاج التي تتحملها هذه الشركات.

العدد 2985 - الأحد 07 نوفمبر 2010م الموافق 01 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً