العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ

الولايات المتحدة العربية "الخليجية"

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن موت المسارح والغناء، وموت الكتابات الأدبية والإبداعية، واندثار المجلات الثقافية والفنية والعلمية واختفاء الفرق الغنائية، هي كوارث ثقافية حقيقية. .. وإن الخلط بين الأشياء هي مشكلة تواجهها مجتمعاتنا، فالخلط بين المتعلم والمثقف، كما هو الخلط بين الحرفيين والجامعيين، وهل السياسيون متعلمون ومثقفون، أم هم حرفيون في باع السياسة فقط ولا دخل لهم بالثقافة؟ كيف ينقذ السياسي غير المثقف بلدا من الانهيار؟ وماذا عن رجال الدين، هل يعملون فعلا كدعاة دين حنيف فيه خير للإنسانية، أم كل منهم ينتمي إلى طائفة ومذهب، وعنده جدولة يدافع عنها ليس بدافع إصلاح البشرية إنما بحكم انتمائه للطائفة؟ إن المتعلم الجامعي في أيامنا هذه قد لا يكون بالضرورة مثقفا، ويبدو أن الجامعات أصبحت تخرج حرفيين يتعلمون الصنعة فقط. فالطبيب والمهندس والمحامي والسياسي ودعاة الدين، كلهم متعلمون ولكنهم ليسوا بالضرورة مثقفين، فهم يتعاملون مع علم محدد لصنعة معينة ولا وجود للثقافة، إلا إذا كان لدى بعض الأشخاص اهتمام خاص بالشئون الثقافية من كتابة وقراءة عامة وفنون أخرى، فيقومون بتنمية أنفسهم بهذه الأمور. كيف بالإمكان أن تدار بلادنا بواسطة حرفيين لا ثقافة لديهم؟ إن التاريخ الغربي يشهد بالمحاولات الأولى للنهضة الحديثة، فلقد تواكب الفكر مع السياسة والإبداع جنبا إلى جنب، وكان رواد النهضة ساسة ومبدعين وفنانين... قاوموا تسلط الحكام بنشر المعرفة والثقافة منذ بداية حركات التحرر والثورة. ويبدو ذلك واضحا أيضا فيما قبل عصر النهضة الحديثة في عصر اليونان، أيام الفلاسفة والمفكرين. وتم نقل الإنسانية نقلة فعلية من المشاعر المادية من إدراكه للرياضيات والعلوم، إلى الفنون والنحت والرسم وجماليات النسب الفنية. وبذا أثمرت هذه الحضارة ثمراتها وباتت متقدمة بنسب مدروسة وعلى أسس علمية فنية سياسية متعادلة... يقدر فيها كل إنسان وتقدر مهاراته المتوازنة المتكاملة في الغالب، بحيث ارتفع مستواه في الحياة التي يحياها وتفوق في مجالات الحياة بما شكل نقلة أساسية للعالم المتحضر المتمدن. إن القصور الثقافي في أمتنا العربية وافتقار حركات تحرير الشعوب في القرن الماضي سواء المد القومي أو البعثي أو الماركسي، كلها أتت من خلال ساسة غير مثقفين... ومناضلين سياسيين لم يهتموا بتوسعة الجانب الفكري لأداء رسالتهم، وقد يكون ذلك بسبب انشغالهم بتحرير الأمة، ولتدعيم مراكزهم السياسية في قيادة وتحريك الشعوب والسيطرة عليها بنظرياتهم الأيديولوجية البحتة. وبما أنه كان لديهم التأثير الكيرزماتي الشديد في تلك الفترة للضرب على الوتر الحساس للشعوب المستعبدة الضعيفة والمغلوبة على أمرها، فقد تم تطويع هذه الشعوب بالأسلوب الذي يعرفونه من السيطرة السياسية المنفردة عن كل ثقافة أو إبداع، وتعويدها على هذا النوع من الفكر والتفكير. فالسياسة من أجل السياسة فقط ولا شيء آخر قد يملأ تفكيرهم للرفع من مستوى شعوبهم وتمكينهم من معيشة أكثر رخاء وحرية. بذلك حرمت محاولات هذا النوع من النهضة السياسية الشعوب العربية من منابع الفكر والإبداع وحرية ممارستها، وكان لدور رجال الدين "الحرفيين" أيضا وغير المثقفين، الدور البارز لمؤازرة هذا النمط من التفكير، وساهموا في محاربة الفكر والإبداع... وقاموا بمحاولات لغلق الفكر وتعقيد المرأة ووضع قوانين من الممنوعات والمسببات أسهمت في التدهور السريع في هذه الأمة. إن الإنسان العربي لم يدرب على النشاط الموازي للنشاط السياسي في الفكر والفن والمعرفة، وأهملت قدراته الحسية والمعنوية واستبدلت بالاهتمام المادي البحت، والاستهلاك المجرد، فأصبحت المادة هي شغله الشاغل وأضحى أخطبوطا خطيرا، ما أدى إلى تحول هذا الإنسان الرهيف الرقيق الحساس إلى وحش مادي مفترس، فأصبح كل همه ينصب على التجميع المادي والتجميع من أجل الكثرة وليس لأي هدف آخر من التطور الحسي أو الفكري، وتحول إلى إنسان سلبي، قد يبيع أبويه ووطنه للوصول إلى أعلى المراكز التي تساعده على تحقيق الغنى والثراء الفاحش! وهنا لي تعليق بسيط على تأثير ذلك على الأجيال الجديدة، وكيف تحول معظم الدارسين إلى دراسة المهن النفعية المادية، فقد ظهر المصرفيون والإداريون والأطباء والمهندسون والمحامون "البيزنزيون"، الذين تمرسوا في "فهلوة" و"شطارة" على كيفية مص دم الزبون للحصول على أسرع طريقة للربح الوفير، وبغض النظر عن الصدق والأمانة والشرف، وانقلبت كل المعايير فأصبحت التجارة "شطارة" بغض النظر عن نوع النشاط، إنسانيا كان أم أي شيء آخر... فهم المسيطرون على الحياة العصرية. وازداد ضعف الشعوب وانحدرت الثقافة إلى الحضيض وبدا وضع الأشخاص المستنفذين والمقربين إلى السلطة فقط لإدارة هذه الأماكن وبغض النظر عن كفاءاتهم، فقام هؤلاء بتنفيذ الدور المنوط على أحسن وجه لتدعيم مراكزهم والتقرب من الحكام! وغدا الفن والفنانون والمثقفون المبدعون، مجرد واجهة تستغل وتستعمل لصالح السلطة، تحولت إلى تسلية استهلاكية، وأحيانا كثيرة مثيرة للغرائز الجنسية... وهذه الأخيرة هي التي نجحت في التسويق، إذ تنسجم مع الحركة المادية في حياة الشعوب المسطحة، التي فرض القهر فيها على المبدعين فتقلص الإبداع وأصبح أداة في يد السلطة ينفذ أوامرها، وبات الغرب الجائر يهددنا ثانية، وعاد الاستعمار من جديد، فهل لنا أن نفيق يوما ونرى ما يدور حولنا، وأن نقارن بيننا وبين الغرب لنرى كيف يستثمر أبناؤه؟... أم ربما سنفيق لنرى أننا قد انضممنا إلى الدولة العظمى وأصبحنا دولة الولايات المتحدة العربية "الخليجية"؟... لعل ذلك قد يساعد على استثمار أفضل لأبنائنا!

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً