العدد 1175 - الأربعاء 23 نوفمبر 2005م الموافق 21 شوال 1426هـ

الإعلام الأسود

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

خلال الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي التي استمرت على ما يزيد على الأربعين عاماً أو أكثر لعبت أميركا دوراً بارزاً في التحكم وتوجيه الإعلام الغربي لصالحها، وقامت بشراء وسائل الإعلام المختلفة. وتوجد بيانات واضحة ومخيفة عن ذلك في كتاب اسمه «من الذي سيدفع للزمار» للباحثة البريطانية ومخرجة أفلام تسجيلية فرانسيس سوندرز. وتذكر الكاتبة عن طريقة عمل المخابرات، وهي أن تقوم بتلميع بعض الأسماء البسيطة ومساندتها وإبرازها في المجتمعات على أنها أسماء ثقافية مهمة، وتدفع لهم مبالغ طائلة مقابل إملاء ما تريد نشره من وقائع مزيفة ومصاغة بالطريقة السياسية والتاريخية التي تراها، ما يساعد على ترجيح كفتها، ومنهم: جورج أوريل، برتراند راسل، وأرنولد تونيبي. وآخرون ممن تجندهم من الجواسيس والاستخباريين أوعزت لهم تأسيس «لجنة قومية من أجل أوروبا حرة» لحمايتهم من الاتحاد السوفياتي وهيمنته... وكان بينهم هنري كيسنغر والممثل المغمور رونالد ريغان (حينذاك)، مع مجموعة من الغربيين، وأوكلت إليهم الحكم على أعمال المبدعين في المراكز الثقافية بالغرب... وكان لهم القول الفصل في كل شيء. وعلى سبيل المثال، تم رفض أعمال مثل يوليوس قيصر (لشكسبير) والجثة الهامدة (لتولستوي) من الجوائز في المهرجانات المسرحية، وذلك لعدم فائدتها لمكافحة الشيوعية، وحجب جائزة نوبل عن الشاعر بابلونيرودا العظيم وإعطائها روائيا روسياً مغموراً اسمه بسترناك، أما المبالغ التي خصصت بعد 11 سبتمبر/ أيلول لبناء شبكة استخباراتية وإعلامية ضخمة لغسل الأدمغة العربية والإسلامية والغربية فقدرها 900 مليون دولار لتجنيد المزيفين من المثقفين المدفوعي الأجر، واستغلت قنوات فضائية فتحت خصيصاً لهذا النوع من التوجيه السياسي مثل «الحرة» و«سوا» الإذاعيتين، عدا المجلات والصحف، وبذلك يتم لها السيطرة التامة. وبدأت بعض الأصوات الإعلامية العربية المزيفة في الظهور إلى حد حصولهما على جوائز نوبل، وإهمال الكثير من المبدعين الحقيقيين، الذين رفضوا «القبض» لتمسكهم بمواقفهم «الشريفة». فهل نبدأ بالشك في بعض من حصلوا على جائزة نوبل من مثقفينا؟، وكيف تتم فبركة من يظهر على حساب من هم الموالون والذين يقبلون الرشوة، وحجب الوطنيين عن الساحة الإعلامية؟ كيف تسوق أفكارنا ومن يدفع لها، وماذا بعد، وأين هي حكوماتنا؟ أم هي مازالت معتمدة على سياسة شهرة أميركا الدولية والولاء لها، ومازالت تعمل لها ألف حساب خوفاً منها؟ وماذا عن أبنائنا الذين يدرسون مناهجها التي تطبق في الكثير من المدارس الخاصة هنا، وابتعاثهم إلى أميركا، ليرضعوا من سياستها؟ ها نحن نرى حجم الضرر وغسل الأدمغة إذا تم تفعيله ونجاحه في الحرب الباردة... فما بالك بهذه الحرب الشعواء علينا، فهل لنا أن نتعظ قليلاً ونفتح أعيننا ونرى في أي بركان أسود نحن نسبح؟ وكيف أدخلنا العدو في عُقر دارنا وفتحنا له كل الدروب ليأخذ كما يريد؟ متى سنتعلم الدرس؟ متى سنبدأ بمحاربتها بسلاحها نفسه... وبعمل قناة فضائية ولو واحدة موجهة لإيضاح وشرح ونصرة قضايانا، وإظهار الجرم والاستغلال الأميركي البشع؟، وبأن تكون باللغة الإنجليزية وتبث في أميركا والبلدان الغربية وربما الشرقية الأجنبية. هل لنا في تكوين جبهة سياسية منظمة وتسميتها «باللجنة القومية لتحرير الشعوب من الهيمنة الأميركية»، أو «لجنة توحيد العالم العربي والإسلامي» على الأقل للدفاع عما ضاع منا مثل فلسطين والعراق الممزقة ومن هم مازالوا على القائمة؟ هل لنا أن نحارب الإعلام الأسود بإعلام أبيض واضح كالشمس؟ وقبل أن تنضب الثروة في منطقتنا العربية وحينها نصبح بلا ثروة ولا أوطان؟

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1175 - الأربعاء 23 نوفمبر 2005م الموافق 21 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً