العدد 1184 - الجمعة 02 ديسمبر 2005م الموافق 01 ذي القعدة 1426هـ

سينما العقاد... الحلم الذي قتله الإرهاب

في حديث ذكريات مع الكاتب والروائي سليم نصار(1­2):

المنامة-منصورة عبدالأمير 

02 ديسمبر 2005

اللقاء مع سليم نصار هو حديث ذكريات مع كاتب وصحافي وروائي بدأ نشاطه مع مهنة المتاعب منذ ستينات القرن الماضي. .. فالحديث له نكهة خاصة لأنه يعتمد التجربة وخلاصاتها وما تعنيه دورة الزمن في منطقة لا تعرف الاستقرار وتعيش حالات قلق دائم ومخاوف من مستقبل مجهول لا يتردد في السير نحو سياسة حافة الهاوية، سليم نصار ابن تجربة عريقة عاشها وصنع اجزاء منها حين بدأ عمله في بيروت في مؤسسات أسهمت في صناعة الصحافة العربية المعاصرة، وفي اللقاء معه تشعب الحديث وتطرق الى أسماء اتصل بها وشخصيات عمل معها في «الصياد» و«الشبكة» حين كان يشرف عليها سعيد فريحة، وفي «الحوادث» في أيام عزها حين كان يديرها سليم اللوزي. حديث الذكريات مع نصار تناول كل تلك الأمور وخصوصاً تجربته الصحافية وما الذي اختلف بين فترة مضت وعالم يزحف قدماً وينجز خطوات متقدمة في حقول الاتصالات والفضاءات... فالحديث تناول الفارق بين جيل وجيل، وما هو الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه الجيل المعاصر حتى تواصل مهنة المتاعب رسالتها... كذلك تطرق الحديث الى ذاك التفاوت بين الصحافي في الستينات الذي كان يجب أن يعرف كل شيء عن المهنة، وبين الصحافي في أيامنا الذي دخل عالم التخصص والانتقاء بين وظيفة وأخرى. الحديث مع سليم نصار لا ينتهي فهو يربط الذكريات بالأخبار، والحوادث بالناس، والمهنة بالأصدقاء، والتجربة بمجالات تطورها وما حملت معها من ايجابيات وسلبيات. حصل اللقاء الطويل مع الكاتب والصحافي والروائي حين قام بزيارة المنامة للمشاركة في «منتدى المستقبل» الذي احتضنته البحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني بحضور شخصيات عالمية وعربية ومحلية. وفي مناسبة وجوده في المملكة، التقت «الوسط»، في يوم تلقى به ذاك الخبر المشؤوم عن استشهاد صديقه المخرج العربي/العالمي مصطفى العقاد في ليلة الانفجارات الإرهابية التي ضربت ثلاثة فنادق في عمان. صدم الحادث الأليم سليم نصار... فالمخرج العقاد صديقه الدائم وتربطه به ذكريات ومودة منذ أيام بيروت حين انتقل اليها الشاب الطموح وصاحب المخيلة السينمائية من حلب. صورة العقاد وحياته وتطور تجربته السينمائية ومعاناته وأحلامه طغت على اللقاء الذي تحول إلى حديث ذكريات عن سينما العقاد، وصورة العرب والإسلام في الغرب وماذا يمكن أن نفعل لمواجهة الإرهاب... وكان السؤال الأول عن معرفته بالعقاد وكيف توطدت الصداقة: لم يعش العقاد في سورية لفترة طويلة، بل قضى اكثر اوقاته في منطقة الحمرا بلبنان، وكان دائما يتحدث عن أحلامه بتقديم أفلام يمكن لها أن تقتحم أميركا، وكانت هذه من تفاعلات حرب 67 وما رأى فيها من العجرفة الاسرائيلية وكيف كان العرب موضوعين في زاوية إذ إن المجتمع الغربي شوه صورة العالم العربي على أساس انهم شعب خامل لا يعرف كيف يقاتل الغرب. العقاد رأى هذا التجني على العرب فقرر أن ينقح أفلاما يقدم فيها صورة للاسلام الصحيح ومدى عطاء الحضارة العربية للمجتمعات الأخرى.

فكرة فيلم الرسالة

بعدها جاءت فكرة فيلم «الرسالة»، وهو الفيلم الذي تعذب العقاد بسببه أولا لأنه لم يكن قادرا على أخذ الإذن من أي شيخ لا في الأزهر ولا في المملكة العربية السعودية ولا في أي مكان آخر للموافقة على تصوير شخصية النبي محمد (ص). جميع المشايخ رفضوا فكرته رفضا تاما وكانوا خائفين من الكيفية التي ستبدو عليها شخصية النبي (ص). من هنا جاءت فكرة تقديم العمل بواسطة شخص آخر هو حمزة عم النبي محمد، ليحكي قصة الرسول، على أن يظهر النبي كصوت فقط، ولكن حتى هذا كان موضع انتقاد من قبلهم. هكذا لم يأخذ فيلم «الرسالة» البعد السياسي الذي كان يجب ان يأخذه بسبب الحظر التي تعرض له من قبل رجال الدين الذين اعتبروا سماع صوت النبي محمد أمراً غير مقبول ومرفوض. الى جانب هذا تعرض الفيلم لعوائق من قبل اليهود في الولايات المتحدة وهم المستأثرون بصناعة الأفلام وتوزيعها، فنحن نعرف ان 80 في المئة من صالات العرض في باريس مثلاً يملكها اليهود، ولهذا واجه العقاد صعوبات في توزيع فيلمه.

... وعمر المختار

بعد ذلك اراد العقاد ان يعطي فكرة عن شخص مثل فيغا زاباتا المكسيكي واحد محرري المكسيك، فاختار عمر المختار الذي يمثل الى حد ما الصلابة والتحدي ضد الطغيان والاستعمار الايطالي. طبعاً لم يتمكن من الحصول على ممول للفيلم حتى قرر القذافي تمويل الفيلم ومنذ ذلك الحين نشأت بينهما صداقة قوية، استمرت حتى وفاة العقاد، وهي ما دعت القذافي لاصدار الكثير من التصاريح بشأن مقتل العقاد، كما هاجم قتلته ووصفهم بالأِشرار. المهم تم تمويل عمر المختار واعتقد انه كلف حينها (في الثمانينات) 40 مليون دولار وقام انطوني كوين ببطولته. بعدها حصل نوع من الجفاء بين العقاد وكوين إذ تصور الأخير ان العقاد عمل ثروة من وراء الفيلم ولذلك اصبح كوين غير مقتنع بالأجر الذي حصل عليه فأراد الحصول على المزيد ورفع دعوى قضائية على العقاد ثم حصل نوع من المصالحة. مسكين العقاد لم يربح من أفلامه، إذ إن الأفلام بالعادة هي أعمال تجارية في الأساس وهناك الكثير من الأسماء اللبنانية التي كانت الأفلام بالنسبة إليها كذلك مثل جوزيف عبدو خوري، الذي كان يملك «بنك ميدتيرينيان» في باريس، وطلب منه تمويل فيلم «رامبو» الذي بلغت كلفته حينها 50 مليون دولار، وفعلاً غامر ومول الفيلم ولذلك تجد حتى الآن اسم مؤسسة خوري على الشريط على أساس انها ممولة الفيلم. كذلك هناك ماريو قصار منتج لبناني الأصل واسم مهم في الانتاج السينمائي، وأنتج أفلاماً سينمائية اخذت شهرة عالمية، وهو أحد الأسماء التي كانت انتاج الأفلام بالنسبة إليها تجارة. أما العقاد فقد عمل أفلامه على أساس أنها هادفة كان يريد ان يحقق دعوة سياسية من ورائها ويريد ان يغير نظرة الغرب للشرق وذلك لأنه يعتبر السينما خصوصاً في الفترة التي سبقت اكتشاف التلفزيون من الوسائل القوية لايصال الفكر للجماهير. إذاً هناك مرحلتان في حياته، الأولى التي عمل فيها «الرسالة» و«عمر المختار»، والتي كان يسعى فيها إلى اظهار الاسلام بمظهر الدين المسالم والمنفتح والمتسامح والمحب، كما كان يتحدث فيها عن صلابة المقاومة العربية ويعمل فيها على نفي كل العبارات والتصريحات التي تصف العرب بأنهم شعب ضعيف خامل لا يقاتل، ولذلك أراد تغيير هذه الصورة التي بدأت في الظهور في أعقاب حرب .67 المرحلة الثانية من حياته هي التي أصبحت فيها افلامه تجارية حين أطلق سلسلة افلام «هالوين» التي عرض منها ثمانية أجزاء، ولا أعرف ان كان قد انتهى من التاسع ام لا، إذ أعرف أنه سافر الى لندن قبل فترة بسيطة لاتمام العمل.

عندما ترك العقاد سورية ولبنان،

ماذا عن فيلم صلاح الدين، كيف ظهرت فكرته، وما حقيقة الشائعات التي تدور حوله؟ ­ في البداية عرض عليه الكثير من الأثرياء العرب تمويل فيلم «صلاح الدين»، على شرط أن يتدخلوا في السيناريو، واسمحوا لي بعدم ذكر أي اسماء في هذا المقام. عرض عليه من قبل أمراء كثر بالمنطقة الاطلاع اولا على السيناريو قبل الموافقة على تمويل فيلمه، وكان هو يرى انهم ما داموا واثقين منه وفي قدرته على تقديم عمل جيد وصالح فنيا، فلماذا التدخل في سيناريو الفيلم. كان يرى أن التدخل قد يفسد فكرة الفيلم، ولذلك لم تسر الأمور بشكل سلس بسبب الفيلم أولاً، وبسبب رغبة العقاد الشديدة ثانياً في انشاء مكان مخصص لانتاج الافلام. كان العقاد يفكر في هوليوود عربية، فذهب الى لبنان ووجد قطعة أرض مناسبة يملكها رفيق الحريري. عرض عليه الأمر وفعلاً وافق الحريري وقدم للعقاد قطعة كبيرة من الأرض للقيام بالمشروع كهدية. لكنه حين ذهب الى الشام وعرض الأمر على المسئولين رفضوا طلبه، وقيل له إن الحريري أراد أن يرفع سعر أرضه وأن يجعلها مهمة، وخصوصا مع وجود ممثلين عالميين، وما سيتبع ذلك من فتح مطاعم ومحلات تجارية ما سيجعل المناطق مهمة وسيرفع من ثمن المكان. لكني اتصور ان دمشق رفضت لأنها كانت تريد من العقاد ان يبني هذه المدينة في سورية بدلا من لبنان لأنها ستعود عليها بعائد مادي كبير جداً. لذلك قرر العقاد ترك الاثنين، لبنان وسورية، واتجه الى الأردن واتفق مع المسئولين هناك على الموقع المناسب. وكانت لديه فكرة عن سيناريو لصلاح الدين، أراد منها أن يعطي فكرة عن الاسلام المتسامح والشجاع، وأن يقدم قصة هذا الرجل الذي جاء من العراق ليحرر فلسطين والمنطقة بأكملها فتصادم مع الصليبيين وقهرهم، وإنه كان لديه رفق ورحمة بمن انتصر عليهم. وكانت هذه هي النظرية الأساسية التي اعتمدها أساسا لفيلمه، واستعان تقريباً بما يصل 40 ­50 كتابا من سورية والمنطقة العربية، لكنه رحل قبل أن يحقق حلمه. المرحلة الثانية في حياة العقاد هي أفلام «هالوين»، وظهرت فكرة هذه الأفلام لدى العقاد من موقف حصل مع ابنه حين اصطحبه مرة الى السينما وكان يشاهد فيلم لهيتشكوك، وكان الابن مصطحبا صديقته فشعر العقاد بانه كلما ظهر على الشاشة منظر مخيف كان الابن وصديقته يقتربان من بعضهما اكثر، بسبب الخوف. وحين خرج من الصالة، سأل ابنه لماذا لم تترك القاعة حين شعرت بالخوف، فقال لا أريد ذلك، حينها استشعر كيف يمكن للخوف ان يشد الشباب وأن يجذبهم لمشاهدة أي فيلم.

يوم البحث عن الخادمة

كيف كان انطباعك عن أفلامه في المرحلة الثانية؟ ­ حين أهداني الجزء الأول من سلسلة «هالوين» استسخفت الفيلم، حتى جاءت الخادمة التي تعمل في منزلي وطلبت مشاهدته، فسمحت لها بذلك. وفي صباح اليوم التالي استيقظت، لأجد زوجتي تفتش عن الخادمة في كل مكان، لم نجدها في المنزل فقررنا الاتصال بجميع صديقاتها ولم يكن رآها أحد. في الساعة العاشرة وجدناها خارجة من غرفة أبنائنا الصغار، وحين سألناها أين كنت قالت كنت أرتعد خوفا طوال الليل بسبب الفيلم، لم أتمكن من النوم فذهبت الى غرفة الصغار. حينها اتصلت مباشرة بمصطفى وقلت له «عرفت الآن ان الفيلم مهم». أما عن سبب اهتمام ال

العدد 1184 - الجمعة 02 ديسمبر 2005م الموافق 01 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً