العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ

نظرية «تنشيط المجتمع المدني»... إلى أين؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

نظرية «تنشيط المجتمع المدني» طرحت على الساحة العربية منذ مطلع التسعينات، ولكنها فشلت إلى حد الآن في تحقيق النتائج الملموسة، أو المرجوة. النظرية بشّر بها عدد من الأوساط العربية (والإسلامية أيضاً) وتبنتها مؤسسات أميركية (وأوروبية أيضاً) تدعو إلى نشر الديمقراطية، وذلك بعد انتصار الحركات الديمقراطية في أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي. مؤسسات المجتمع المدني، وهي الجماعات الطوعية التي تنشأ داخل المجتمع وتدعو إلى قضايا مثل حقوق الإنسان وحماية البيئة وتمكين المرأة والشفافية وغيرها من الموضوعات الأخرى، نجحت في أوروبا الشرقية لأسباب عدة، وهي لا تتوافر لدينا في بلداننا. فمن جانب، أصبح تنشيط مؤسسات المجتمع المدني «مهنة»، أو «صناعة» يحترفها البعض في بلداننا ممن شكلوا جمعيات، بعضها يتكون من عضو واحد أو عضوين، وأصبحت أسماء هذه الجمعيات متداولة وتدور في كل عاصمة تنعقد فيها ورشة عمل أو مؤتمر يعنى بما يطلق عليه «المجتمع المدني». وهذا الترحال بين ورش العمل في كل العواصم أصبح «سياحة مجانية» يحصل عليها أصحاب هذه الجمعيات، الذين يذهبون لرؤية الوجوه ذاتها وتكرار الجمل والعبارات ذاتها، ومن ثم يعودون إلى بلادهم لكي يبشّروا بما سمعوه، وبعدها مباشرة ينطلقون إلى مؤتمر أو ورشة أخرى للالتقاء بالوجوه نفسها التي التقوها قبل شهر أو شهرين. ومن جانب آخر، فقد تمكنت الحكومات من «اختراق» شبكة الاجتماعات واللقاءات التنشيطية للمجتمع المدني، واستطاعت فهم اللعبة، وبدأت الحكومات ذاتها تكرر الجمل والعبارات بعد أن تمتص أثرها الحقيقي. أما في حال أصبح لواحدة من هذه المؤسسات «المدنية» أي تأثير يذكر، فإن الحكومات في منطقتنا سرعان ما تشهر في وجهها اتهامات ارتباطها بالخارج وتحبطها. أوروبا الشرقية كانت محكومة من قبل أنظمة شمولية (وشيوعية) لا تؤمن بالدين، والمجتمع المدني كان يمثل خياراً آخر للناشطين السياسيين الذين لم يكونوا محظوظين بالنسبة إلى حرية السفر والترحال بين العواصم، لأن الخروج من هذا البلد أو ذاك لم يكن أمراً سهلاً. ولكن في بلداننا فإن الأمر يختلف، ولدينا مؤسسات خارج إطار الدولة، وحتى الدول الشمولية والعلمانية المتطرفة لم تستطع احتواء الأعمال المنطلقة من المساجد والمؤسسات الخيرية الدينية. وهذه المؤسسات دينية في الأساس وليست مدنية، بمعنى من يشارك في أنشطتها إنما ينطلق على أساس «الواجب الديني»، وليس على أساس «الحق المدني». مؤسسات المجتمع المدني ربما تنجح في حال توافق «الواجب الديني» مع «الحق المدني»، ولكن في حال اختلفا (لأي سبب كان، سواء كان بسبب اختلاف التفسير والفهم، أو في التناقض الفعلي بينهما) فإن الأولوية تعطى للواجب الديني. وفي بلداننا يتداخل الواجب الديني مع الإطار المذهبي ومع الانتماء القبلي والإثني، ويتم تطويع الفهم الديني لخدمة الأغراض السياسية أو الحياتية للطائفة أو القبيلة أو العرق. ولهذا السبب، فإنه وحتى مؤسسات المجتمع المدني أصبح كثير منها تابعاً لهذه التقسيمات، وهو ما يعني إفراغاً لنظرية «المجتمع المدني» من أساسها. فروقات عدة قد نتعرض لها في المستقبل أدت إلى نجاح النظرية في مناطق أخرى من العالم، وفشلت (ومازالت تفشل) في تحقيق الإصلاح المنشود في بلداننا.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً