العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ

ثلاث مظلات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حفلات كثيرة تعقدها معاهد البحث لترويج فكرة الربط بين الأمن والاقتصاد. فالربط هذا يشكل حجر زاوية في التفكير الجديد لاستراتيجية الدول الكبرى. وحتى الآن لم تتبلور هذه الأفكار في صيغة بديلة، ولكن عواصم الغرب تحاول تسويقها عن طريق المؤتمرات والندوات التي تعقد تحت شعارات أمنية وسياسية. ومعظم تلك اللقاءات يغلب عليها طابع الترويج أكثر من التفكير. حتى الآن تبدو الأمور غامضة، ولكن الإشارات التي أرسلتها تلك المحاضرات والتصريحات كافية لتقديم تصور أولي عن جوهر تلك الاستراتيجية الجديدة وتوجهاتها المختلفة ­ في الشكل على الأقل ­ عن سياسة قديمة. يعتمد التوجه الجديد على مجموعة أفكار تقوم على مبدأ محاولة إدخال الناس في المشروعات بهدف ادماجهم في سياسة تنطلق من قواعد محددة، تصب في النهاية في دائرة مشروع التدويل الذي يبدو أنه البديل الاستراتيجي المتعدد السياقات عن استراتيجية القوة العسكرية. وهذا البديل ­ كما يبدو ­ لن يعتمد على دولة واحدة (بريطانيا سابقاً والولايات المتحدة الآن) وإنما على توازنات دولية تقودها أميركا مدعومة من بريطانيا وتحت غطاء أممي وعلم الأمم المتحدة. الهدف من التدويل إعطاء شرعية قانونية للقوات الأميركية ­ الأطلسية، ويعوض واشنطن احتمال فشلها في العراق في حال قررت تخفيف قواتها أو إعادة نشرها (موضعتها في قواعد عسكرية) أو سحبها نهائياً من هناك. والاحتمال الأخير مستبعد الآن، ولكنه يبقى من الأمور الواردة في المستقبل. تستند فكرة التدويل ­ كما تبدو الأمور من الصورة المشوشة ­ إلى ثلاث مظلات: الأولى ميدانية، وهي تتشكل من القوات الأميركية لتكون أكبر كتلة عسكرية في المنطقة. والثانية أطلسية، وتتألف من قوات مشتركة أوروبية ومهمتها الاسناد اللوجستي والتغطية السياسية. والثالثة أممية، وهي تهدف إلى تقديم غطاء قانوني (شرعية دولية) لمهمات القوات الأجنبية. كل مظلة لها دور، ولكنها في المجموع العام تخضع لعلم الأمم المتحدة وتتذرع بقرارات مجلس الأمن التي صدرت في تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الجاري بشأن العراق والخليج لتنفيذ مهمات ردعية ضد دول تعتبر فاشلة أو خارجة على القانون أو دول تهدد أمن المنطقة واستقرارها. المظلة الدولية هي الإطار القانوني الذي تحتاجه القوات الأطلسية (الأميركية ­ الأوروبية) لتشريع وجودها ومهماتها وعملياتها. وهذه المظلة القانونية تعطي ضمانات للدول الكبرى الأخرى (روسيا والصين) وأيضاً ترسل إشارة تطمين لدول الخليج حتى لا تعود الذاكرة بالناس إلى فترة الاستعمار والاحتلال المباشر. فالتدويل في النهاية لا يستفز روسيا والصين كالاحتلال المباشر كذلك يريح دول المنطقة لأنه يعطي ضمانات قانونية ولا يورط الخليج في حروب خاصة تدفع ثمنها الدول الإقليمية. إضافة إلى الضمانات والتطمينات يضفي التدويل شرعية قانونية على الانتشار العسكري ويحفظ الاستقرار القائم على فكرة الربط بين الأمن والاقتصاد، كذلك يؤمن طرق الامداد ويوجه رسالة تحذير لإيران ويحاصر «الفوضى البناءة» في العراق ويمنعها من الانتشار جنوباً. هذه الاستراتيجية تحتاج إلى الناس ايضا وتهدف إلى الاعتماد عليهم لحماية الاستقرار من خلال الربط بين الأمن والاقتصاد. وسياسة كسب الناس تشكل نقطة مهمة في المشروع بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة (والأطلسي) فشل فكرة البطش العسكري والنتائج البائسة التي توصلت إليها مسألة الإفراط في استخدام القوة لتعديل القوانين والموازين والأمزجة. استراتيجية القوة ستبقى واردة، ولكنها لن تستخدم الا للردع أو وقت الحاجة، وستكون أيضاً تحت رقابة الأمم المتحدة والشرعية الدولية. كذلك لن تكون القوة العسكرية سوى وسيلة لتأمين الاستقرار لضمان نمو اقتصادات المنطقة وتقدمها وسط إجراءات قانونية وتنازلات دستورية تعطي فرصة للطبقة الوسطى للمشاركة في صنع مستقبل الخليج. حتى الآن لاتزال الاستراتيجية الجديدة غامضة، ولكن ما تسرب من خطوط وخيوط يكفي لنسج تصور سريع عن مشروع تعده الولايات المتحدة بالتعاون مع دول الأطلسي، ويهدف إلى إعطاء دور مميز لحلف «الناتو» في الأمن (الحماية) والتنمية (الاقتصاد). وهذا ما بدأت واشنطن تروج له من خلال حفلات معاهد البحث وما يتفرع عنها من منظمات وهيئات وزيارات متبادلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً