العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ

المنبر طريقاً للشتم والتنابز الطائفي

الموظف الفاشل محام فاشلٌ أيضاً!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك موضوعاتٌ آسنة يتحاشى من يحرص على وطنه تناولها، وعلى رأسها الدعوات التي تؤجّج «الطائفية» وتحريض أبناء الوطن الواحد ضد بعضهم بعضاً. ولكن إذا وصل الأمر إلى استغلال المنابر في توزيع الشتائم على خلق الله، والتعبير عن أماني النفوس المريضة بالأيام السوداء للمخالفين، بل والدفاع عن هذا الانحراف الغريب على تاريخ البحرين، فلابد من قرع ناقوس الخطر. ربما تذكرون ما جرى قبل أكثر من 1424 عاماً، حين كادت فتنة واحدة تنشب بين المهاجرين والانصار، فتداركها نبي الأمة (ص) بمقالته الحكيمة: «الفتنة نائمة، لعن الله من أوقظها». أما اليوم، وبعد مرور كل هذا القرون، أصبحنا نستيقظ كل يوم على «اقتراحات فتنة» و«مقالات فتنة»، بعد أن تحوّلت الفتنة زاداً يومياً للبعض، يزحف بها نحو المناصب، من ليس لهم همٌّ ولا عملٌ غير الخوض في المستنقعات. وفي الوقت الذي تعاني البلد من مشكلات يومية، وأزمات معيشية متراكمة، نرى عقول هؤلاء لا تعمل إلاّ على موجة الفتن والشحن الطائفي، حتى انتهى أحدهم إلى استخدام لغة السبّ والشتائم لطائفة كبيرة من أبناء البحرين على منبر الجمعة، بدل استخدامه في الدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة. هذا «الخطيب» الغريب لم يهتد بهدي القرآن الكريم ولا التزم بسنة رسول الله (ص)، وانما احتذى بنهج الحجاج بن يوسف الثقفي، في سبّ «الآخرين» المخالفين له في الرأي والمذهب. مثل هذا العقل المغلق، لا يفكّر إلاّ طائفياً، ولا يتحرّك إلاّ طائفياً، ولا يقترح إلاّ طائفياً. وعندما خرج بوصةً واحدةً من زنزانة تعصّبه، لم يسعفه عقله إلاّ بتقديم اقتراح من النوع المضحك: «تأسيس حديقة حيوان دولية»، كأن البلاد امتلأت «حدائق بشرية»، حتى يفكّر سعادته باقتراح هذه الحدائق الحيوانية «الدولية»، هذه المقترحات العجيبة، ليست مستغربة على عقل متشرّب بالروح الطائفية الضيقة، التي ينتقدها البحريني السليم الطوية، لكن إذا وصل الأمر ببعض المتقاعدين، إلى الدفاع عنه باعتبار ما قاله رأياً محترماً، وأصرّ على تسمية صاحب الفتنة بـ «صاحب الفضيلة»، فلابد من تمحيص ما يسوّق من مغالطات. إن من يدّعي كتابة «مذكرات منصفة» عمّا جرى في وزارة الإعلام من تجاوزات فظيعة في السابق، لابد أن ينصف هذا الشعب ممن يشتمه. ومن يوزّع لقب «الفضيلة» على كلّ من هبّ ودبّ، لابد أن يفهم أولاً معنى الفضيلة، التي هي أبعد ما تكون عن اللغة البذيئة التي بدأت تتسلق بعض منابر المسلمين، واستخدام الألفاظ المستوردة من عصور التخلف والانحطاط والتقاتل المذهبي البغيض. إن من المعيب أن ينصب أحدهم نفسه مفسراً لأقوال المهووسين الطائفيين، بان المقصود بالرافضة «رافضي دين الله»، فهو إما أن يكون جاهلاً أو متجاهلاً، غبياً أو متغابياً، وفي كل الأحوال القارئ البحريني لا يستلطف من يتذاكى عليه، لأن هذا المصطلح القبيح، يقابله في تراثنا الإسلامي مصطلح قبيح آخر هو «النواصب»، الذين كانوا يكفّرون المسلمين المخالفين لهم ويخرجونهم من الإسلام، على أساس ان الجنة خلقت حصرياً لهم وحدهم، وخطورة هذا الفكر الإستبدادي المتعجرف أنه يبدأ بلغة السبّ والشتائم على المنابر والدعاء بالأيام السوداء على الآخرين، ومن الطبيعي أن ينتهي باستباحة دماء المسلمين، كما يحدث يومياً في العراق، وكما حدث في بالي والدار البيضاء والقاهرة وشرم الشيخ والرياض ومكة المكرمة، وكما حدث أخيراً من استباحة دماء المدنيين الآمنين في عدد من الفنادق بالأردن، دون ذنب ولا جريمة، و «دون حق ولا فساد في الأرض» كما في المفهوم القرآني. إن مسألة الدفاع عن هذا الفكر «الاستئصالي»، أقرب للتذاكي والاستغباء، وكأنها «فهلوة لفظية» يقوم بها بعض «فتوة» روايات نجيب محفوظ، لإثبات مهاراتهم في الردّ والإفحام، وهكذا... اقتراحاتٌ موبوءة، وشتائمُ على المنبر لأول مرة في تاريخ البحرين، واستنقاصُ طائفة كبيرة من المواطنين أمرٌ لا يستحق أن يرفع نائب فيه دعوى ضد الجاني، وسيظلّ يجلس على خازوقه، ليتفلسف قائلاً: «بودّي (لاحظوا كلمة: بودّه،) أن يبيّن لي النائب صاحب الدعوى تلك المقترحات، وبعدها لنا كلام آخر في تفنيد ما قد يبيّنه النائب المحترم»، فالكاتب البيزنطي ليس مستعداً لاحترام عقول الناس، وانما هو بانتظار أن يدلّه النائب على تلك المقترحات الطائفية، ليجلس في صومعته مثل أفلاطون ليكتب رداً مفحماً آخر، على طريقة من «يرفض دين الله»، يقولون إن «الكبر شين»، و«فقدان العقل مصيبة»، وإذا كانوا في اليابان يستفيدون من فئة «المتقاعدين»، فإن بعض المتقاعدين الذين لفظتهم الوزارات في بلادنا، بعد ثلاثين عاماً من الكسل والتثاؤب والنميمة، تحوّلوا فجأةً إلى «محامين» ومتفلسفين، ينافحون عن «دعاة وخطباء» فاشلين أمثالهم، مشيدين بتوجهات «أصحاب اللغة البذيئة» و«الفضيلة الناقصة»، التي تنتهي باستباحة دماء الناس... في مرحلة جديدة من أبرز انجازاتها توزيع اللعنات والشتائم من على المنابر، مع الدعاء بإنزال الأيام السوداء على رؤوس خلق الله... في ظاهرة تحدث لأول مرة في تاريخ البحرين الحديث

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً