العدد 1190 - الخميس 08 ديسمبر 2005م الموافق 07 ذي القعدة 1426هـ

لماذا ارتفع مؤشر الفساد الإداري والمالي في البحرين؟

في اليوم العالمي لمكافحة الفساد... يلح السؤال:

في التاسع من شهر ديسمبر / كانون الأول من كل عام، تطرح ملفات ظاهرة الفساد التي تحولت إلى مرض استشرى في كل مجتمع من المجتمعات. .. ولعل مملكة البحرين ستعيش تجربة خاصة في إحياء ذكرى اليوم العالمي لمكافحة الفساد لسببين» الأول يتعلق بتقرير حقوق الإنسان الذي أشار إلى تراجع مستوى الرقابة على الفساد الإداري والمالي وارتفاع مؤشر الفساد، أما السبب الثاني فهو متعلق بتقرير ديوان الرقابة المالية الذي كشف الغطاء عن حزمة من التجاوزات في الإدارات الحكومية... وفي خضم هذا الجدل، يلح سؤال كبير، فيا ترى هل هناك تراجع في مستوى الرقابة على الفساد الإداري والمالي؟ وما أسباب ارتفاع مؤشر الفساد في البحرين؟

آل الشيخ: المتنفذون واستغلال ثغرات القانون

نبدأ مشوار البحث عن الإجابات أول ما نبدأ مع النائب محمد آل الشيخ الذي يقول: «نعم، يبدو ان هناك تراجعاً على المستوى العالمي من حيث مستوى الرقابة على الفساد المالي والإداري، كما أن هناك دلائل على ارتفاع مؤشر الفساد في المملكة. وبصرف النظر عن الأرقام التي وصلت إليها المملكة، يبدو أن هناك «تراجعاً كبيراً في الحفاظ على المال العام. وهذا التراجع يرجع إلى التلاعب على القانون من خلال استغلال الثغرات القانونية في فترة غابت فيها السلطة التشريعية قبل انعقاد المجلسين». ويضيف أنه «نظرا لوجود الكثير من المتنفذين في بلد صغير، فإن المال العام إن لم يسرقه هذا المتنفذ فإنه لن يفلت من متنفذ آخر. ولعل هذا الوضع نتاج لغياب السياسات الصحيحة، في الوقت الذي لا نجد فيه الدولة تحرك ساكنا، بدليل أنها بقيت مكتوفة اليدين حين سلبت السواحل والأراضي، ولم تمنعهم من الاستحواذ على المال العام، وهذا انعكس بحد ذاته على جميع مناحي الحياة في البحرين بدءا بالطرق والشوارع والكهرباء، وانتهاء بالخدمات الإسكانية، فلماذا وصلنا إلى وضع لم نعد فيه نجد أرضا للدولة، كيف تحولت هذه الأراضي إلى المتنفذين؟ وهذا لا يحدث لولا وجود تخاذل كبير وتسيب وانتهاب للمال العام». ويواصل آل الشيخ «الأمر الآخر الذي ساهم في انتهاب المال العام بحسب رأيي، هو وجود الأيدي العاملة الأجنبية، وهذا أعطى فرصة للمتنفذين للعب بمقدرات البلاد وثروات الشعب، فما الذي يفسر وجود أكثر من 45 ألف عامل سائب في البلاد؟ من الذي منح الرخص لكل هؤلاء؟ من هو كفيلهم؟ ومن المسئول عن مراقبتهم؟ أسئلة كبيرة وكثيرة تطرح في هذا الجانب ولكن لا إجابات واضحة لأن أيادي المتنفذين الخفية في كل مكان... هذه العوامل سادت في البحرين نتيجة لغياب السلطة التشريعية قرابة الربع قرن، ولا يمكن أن تسيطر على جل هذه المآسي في وقت قصير، على رغم أنني أرى بوادر للإصلاح سواء من خلال السلطة التنفيذية، ديوان الرقابة المالية الذي أعد تقريراً جيداً في اعتقادي، وكل ذلك من أجل إحكام القبضة على المتنفذين ومراقبتهم وصلا إلى الهدف الأساسي وهو حماية المال العام. كما ولا ننسى أن هناك صحوة إعلامية كبيرة في مراقبة المال العام والبحث والتقصي وإخضاع المسئولين للمسائلة لا سيما الصحافة التي تعتبر السلطة الرابعة». ويقول: «ونحن نؤكد أهمية دور مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، فمن الضرورة بمكان أن توازي السلطة الشعبية السلطة المؤسسية، فنحن الآن بحاجة إلى منح الناس سلطة أكبر للرقابة». وفي معرض رده على سؤال عن دور المجلس النيابي في الرقابة أشار آل الشيخ إلى أن المجلس محكوم بآليات، فالأسئلة متحققة، ولجان التحقيق قائمة بل انتهى بعضها «الأدوات موجودة، ولكن يمكن أن نقول إن التشكيلة المحافظة لربما ألقت بظلالها وتسببت في هذه الإشكالات. ومع ذلك تمت إدانة مسئولين ووزراء تحت قبة البرلمان، ولا يمكن للمجلس النيابي السيطرة على منابع الفساد التي تنتشر في البلاد طولا وعرضا».

كمال الدين: تقرير «الرقابة المالية» خطوة جريئة

يرى عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين أن موضوع تراجع البحرين في مسألة الرقابة على الفساد الإداري والمالي وضمن المعايير الدولية محسوبة بدقة، وقال: «هذا التراجع الذي حصل يؤسفنا ونأمل بالتعاون مع جميع الخيرين أن يساهموا في جعل هذا الوطن وطن العدالة والقانون لترتقي مملكة البحرين إلى مستوى متقدم في هذا الجانب، وكبح جماح عمليات التطاول على المال العام. كما أنني شخصيا اعتز بتقرير ديوان الرقابة المالية بشأن الفساد المالي والإداري إذ بدأ في العام الماضي بشكل متواضع وخجول وهذا شيء طبيعي في بداية تأسيس مرحلة جديدة، وأعجبت كثيرا بالشجاعة المتناهية التي كانت محصلتها التقرير الذي صدر قبل 3 شهور والذي شخص بعض المصافل التي كانت تعتبر من الخطوط الحمراء، وهذا ­ بحسب نظري­ مؤشر جيد كون الشفافية في الرقابة والمحاسبة ليست مجرد شعارات تطرح من أجل تحقيق مغانم ومكاسب شخصية كانت أو سياسية، وإنما هي خدمة لهذا الوطن بدءا بالحفاظ على مال المواطنين وأعراضهم وأمنهم».

الغوغائية في المطالبة واستشراء الفساد

ويعرج كمال الدين على سبب ارتفاع معدل الفساد موضحا أن من يعتقد بأن السبب الرئيسي لتفشي ظاهرة الفساد هو التلاعب على فقرات القانون مخطأ، فالسبب الرئيسي هو الغوغائية في المطالبة بالحقوق، فإذا أصبحت غوغائيا في المطالبة بحقوقك تضيع ضمن المزايدات الشخصية، ونحن هنا في وطن بحاجة إلى خطاب رشيد متخصص وعقلاني في التعاطي مع مسألة الحقوق التي يجب أن نكون أشداء في المطالبة بها، وكما قال الإمام علي (ع): «ما ضاع حق وراؤه مطالب»، والمطالبة في مفهوم الإمام علي ليست تحقيق المطالب الشخصية والفئوية على حساب المظلومين، وإنما الانتصار للمظلوم بالتضحية من أجله لا أن نضحي به». وعند سؤاله عن رأيه في تعاطي النواب مع مسألة الرقابة المالية والإدارية اكتفى كمال الدين بالقول: «مما يؤسف له أن (البعض) تكالبوا على تحقيق مرادهم الشخصي ودخلوا المجلس وهم ليسوا أهلا له، ولم يحسب لي منهم طوال التاريخ وقفة مع أحد المظلومين، فكيف لهم بالتعاطي مع مسألة الفساد الإداري والمالي».

بوكمال: الرقابة لم تتراجع أبداً

نعم هي كذلك بالنسبة إليه، فالنائب جهاد بوكمال يقول: «في الحقيقة إنني لم أر تراجعا في مسألة الرقابة على الفساد الإداري والمالي، بل على العكس، ما أراه تقدما ملحوظا إلى الأمام، وهذه ثمرات بحاجة إلى وقت لكي تنضج ومن ثم تقطف، وما أثير في الآونة الأخيرة بشأن تراجع مستوى الرقابة ليس صحيحا، والحقائق تدلل على أن مستوى الرقابة وصل إلى مستويات لا يشكك أحد فيها وخير دليل على ذلك تقرير ديوان الرقابة المالية... شخصياً أقول أن مكتبي مفتوح لأي مواطن لديه معلومات موثقة عن تجاوزات في المال العام، ولكن مجرد تداول لفض فساد من دون إثباته لا يعني شيئا حتى للمحققين، فنحن اليوم بصدد تجاوزات مالية وإدارية بشركة نفط البحرين، فأين التراجع في مستوى الرقابة يا ترى». وعن مؤشرات تقرير حقوق الإنسان وما تضمنه من استشراء ظاهرة الفساد وتراجع مستوى الرقابة، قال بوكمال: «لا يهمني تقرير حقوق الإنسان، أنا أتحدث عن الواقع المعاش، ومن المفترض أن نقيم حالنا بذاتنا، سمعنا الشيء الكثير، وحتى من يدي الشفافية يجهل ما أنجزه المجلس لحد الآن، وأؤكد أن من يوصل المعلومة يجهل هذه المعلومة. على أية حال، الكمال لوجه الله وحده، ولا ندعي عدم وجود القصور، وعلينا أن نعمل سويا ونتكاتف لمحاربة الفساد، ومن يروج لهذا الفساد... ولابد أن نعلم بأن الترويج للمعلومة المغلوطة هو الفساد بحد ذاته».

خميس: سقف الحريات عرى الفساد

وللأمين المالي لجمعية البحرين للشفافية جعفر خميس رأي في الموضوع، ويبين أن مؤشرات استشراء الفساد الإداري والمالي ترجع لعاملين» الأول يعنى بمساحة الحرية الممنوحة في البحرين، خصوصا حرية الصحافة التي شهدت نقلة نوعية لا سابق لها، وهذه المساحة سمحت بكشف عوامل الفساد التي كانت مخبأة، وأخرجت كما هائلا من الفساد المتراكم، ففي السابق مثلا لم يكن هناك تقرير للرقابة المالية بهذا التفصيل. ويقول جعفر: «اعتقد أن كشف الفساد حال صحي، فالفساد كالمرض، لا يمكن علاجه وهو مجهول، وأرى أن ما يجري هو من مصلحة البحرين... أما القراءة الثانية، فهو تقرير منظمة الشفافية الدولية التي رصدت استشراء الفساد». ويشيد جعفر بتقرير ديوان الرقابة المالية، وتمنى أن يكون تقرير العام 2005 أكثر جرأة وتفصيلا ولو رجعنا إلى تقرير ديوان الرقابة في العام 2003 لوجدناه سلبيا، كما أن النواب لم يستفيدوا شيئا منه لانشغالهم بأمور أخرى. وجاء تقرير الديوان للعام 2004 أكثر تفصيلا، ولوحظ ازدياد الاهتمام بهذا التقرير ولدينا نحن في جمعية الشفافية ندوة بتاريخ 10 ديسمبر الجاري وهي عبارة عن قراءة في تقرير ديوان الرقابة المالية تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي يصادف 9 ديسمبر. هل هذا نهاية المطاف أم أن هناك مواطن للفساد لم تكشف بعد؟ هل صحيح أن الفساد سيستمر في الازدياد طالما وجد متنفذون لا رادع لهم؟ إلى متى ستقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام ثلة استحوذت على الثروات واتخذت مال الله دولا وعباد الله حولا... أسئلة ستبقى معلقة حتى صدور تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2005 ولكل حادث حديث

العدد 1190 - الخميس 08 ديسمبر 2005م الموافق 07 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً