العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ

القانون... والسياسة

لولوة صالح العوضي comments [at] alwasatnews.com

أدرك المرسوم رقم (29) لسنة 2005 بإنشاء وتنظيم معهد البحرين للتنمية السياسية العلاقة بين القانون والسياسة فنص على أن هذا المعهد يهدف إلى نشر ثقافة الديمقراطية والبحوث المتعلقة بالمجال الدستوري والقانوني والنظم السياسية والبرلمانية لفئات الشعب المختلفة وترسيخ مبدأ المشروعية وسيادة القانون وتوفير البرامج المتعلقة بالدراسات الخاصة بحقوق الإنسان وتعزيز ونشر ثقافة الحوار وتبادل الرأي، وكل هذه الأهداف تنتظمها مادة النظم السياسية والقانون الدستوري ومادة حقوق الإنسان التي تدرس بالسنة الأولى بكلية الحقوق. ومن ثم نعرض أولاً للعلاقة بين القانون والسياسة ونعرض ثانياً في مقال لاحق لأهداف المعهد وكيفية تنفيذها. يعتبر علم القانون بالقياس إلى سائر العلوم الاجتماعية أكمل هذه العلوم وأصوبها فهو أشبه بالعلوم الدقيقة منه بالعلوم الاجتماعية أو الأدبية حتى قيل إنه «بمنزلة علم الحساب من العلوم الاجتماعية الأخرى». ولهذا حرصت مجموعة من علماء الرياضة الفقهاء على إعادة صوغ علم القانون في جملته على أساس رياضي ­ ولهذا قيل إن القانون رياضة ذهنية تطبيقية أشبه بالمعادلات الرياضية ­ فعلم القانون لا ينتمي إلى مجال ما هو كائن بل إلى مجال ما يجب أن يكون، أما السياسة فلها معنيان: المعنى الأول: مجموعة العلاقات وأوجه النشاط التي تتكون منها وتسير عليها الحياة ونظم الحكم في شعب ما باعتباره مجموعة من الأفراد أو كما يقول الفقيه الكبير «وابان» هي تلك المسيرة المتقلبة التي تتبعها قوى معينة أثناء عملها بغية اقتناص السلطة أو استغلالها، وعلى الصعيد الدولي هي مثل المسيرة الواقعية التي تقوم على عوامل مادية وتكون أهدافها أما وطنية وأما امبريالية، ومعتمدة في تحقيقها على السلطة من دون النظر إلى الوسيلة التي تختارها من اجل هذه الأهداف. المعنى الثاني: مجموعة الغايات المشتركة التي يستهدفها شعب ما والوسائل التي يعدها ذلك الشعب للوصول إلى تلك الغايات وفي هذا يقول «دابان» إن السياسة هي العلم والفن اللذان يتبعان في تدبير شئون الجماعة السياسية وفي حكومة هذه الجماعة ابتغاء الوصول إلى أمثل الطرق التي تؤدي إلى تحقيق هدفها وهو الخير العام لأعضائها عن طريق متناسق في احترام الأفراد حقوق بعضهم بعضاً. وطبقاً للمعنى الأول فان القانون يكون مستقراً بالمقارنة بالحوادث السياسية التي غالباً ما تكون في حال من التطور والتجدد من دون توقف. وفي المعنى الثاني يعتبر القانون من أفضل الوسائل والأدوات لتوجيه إرادة الأفراد نحو تحقيق الأغراض السياسية التي تهدف إليها الجماعة بإقامة نظام قانون على أساس من المشروعية وسيادة القانون. في صلة القانون بالسياسة هناك رأيان: الرأي الأول يذهب إلى أن السياسة والقانون يسيران في طريقين متوازيين ومن ثم لا يتلاقيان أو يتفقان، أي أن القانون لا يدمغ بالصفة السياسية والسياسة لا تدمغ بالصفة أو الطابع القانوني. أما الرأي الثاني ­ وهو الرأي الراجح ­ فيرى أن بين القانون والسياسة صلة أو رابطة أساسية، واختلف أصحاب هذا الرأي عن طبيعة هذه الصلة أو الرابطة، فذهب أصحاب الرأي الأول إلى أن القانون له صلة بالسياسة فهو يخضع دوماً لأهداف السياسة، أما أصحاب الرأي الثاني فيرون أن السياسة تابعة للقانون الذي يطيعها بقواعد عامة مجردة ملزمة. وفي رأينا أن صلة القانون بالسياسة هي صلة مركبة فالقانون ولد في الغالب من رحم السياسة، ذلك أن النظام السياسي أو الاقتصادي لبلد ما هو وليد حركات أو وقائع أو حوادث سياسية سابقة عليه، يأتي بعدها البرلمان ويقننها، فالقانون هو السياسة ولكن قننت في قواعد قانونية عامة ومجردة وملزمة لكل أو بعض أفراد المجتمع. فإذا تغلغل القانون في النسيج الاجتماعي واندمج فيه فلن تستطيع السياسة حينئذ ان تتدخل أو تؤثر فيه أو تجعله تابعاً لها، وفى هذه الحال ينشأ التعارض بين القانون والسياسة أو كما يقال: «تكون السياسة هي إهدار القانون ويكون القانون هو إنكار السياسة». فالسياسة يسيطر عليها الرأي العام ­ المستنير أو غير المستنير ­ وحاجات الجماعة الاقتصادية والاجتماعية، وحاجة هذه الجماعة إلى العدل، فكل هذه العوامل تسهم في تكوين وتوجيه مجرى الحوادث السياسية. أما القانون، فإن العوامل المؤثرة فيه هي القواعد التي أعدت من قبل في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولهذا كانت السلطة القضائية التي تختص بتطبيق القوانين واللوائح سلطة ذات طابع قانوني. أما السلطتان التشريعية التي تضع وتقر القوانين والتنفيذية التي تقوم بتنفيذ هذه القوانين فهما سلطتان ذواتا طابع سياسي (تشريعي وتنفيذي). ولكن كيف يستطيع رجل القانون أن يساهم أو يؤثر في الحياة السياسية؟ أو في مجرى الحوادث السياسية؟ ولاشك أن لهذا السؤال أهمية في ظل الظروف الحالية التي تشهد تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية (العولمة والتجارة الدولية). يرى البعض: أنه يجب أولاً أن نعرف الوظيفة المسندة إلى رجل القانون، فان كان يضطلع بوظيفة المشرع أي يضع تشريعاً جديداً أو يعدل تشريعاً قائماً حذفاً او إضافة ، فهذا عمل لا مراء ذو طابع سياسي، إلا ان رجل القانون في هذه الحال لا يعيش وحيداً في المجتمع وبمعزل عن الوسط السياسي الذي يزاول عمله فيه ­ فلا يمكن أن يضع تشريعاً على غير ذي صدى أو انعكاساً للحياة السياسية أو من دون أن تؤثر فيه مجريات الحوادث السياسية وإلا اعتبر تشريعاً صادراً بمعزل عن المجتمع الذي وضع من أجله. أما إذا كان رجل القانون يقوم بتفسير قانون قائم فعمله هنا لاشك يعتبر ذا طابع فني ولا يعد بحال عملاً سياسياً فهو يتقيد بالقانون الذي يفسره وبقواعد تفسيره ­ فهو قد ينقد هذا القانون فتلك من مهمات وظيفته، ولكنه في النهاية هو ملتزم ومقيد بكل مال تضمنه القانون من نصوص ولو كان قد انتقد بعضها طالما أنه قانون نافذ ومعمول به. أما إذا كان رجل القانون قاضياً فلا يجوز له أثناء تطبيقه القانون ­ وتلك هي ولايته ­ أن يقحم نفسه في مجال السياسة. فهو يقوم بتطبيق القانون وتفسيره على أسس فنية ليس إلا من دون أن يتأثر بالاتجاهات السياسية أو الاجتماعية السائدة وإلا يكون قد خرج عن حدود ولايته ووظيفته. أما الرأي الثاني، فيذهب أصحابه إلى أن القانون يخضع ويتأثر بالسياسة بل هو وسيلة أو أداة لخدمة سياسة الحكومة وبطبيعة الحال يطبق المذهب الأول في النظم الديمقراطية. أما الثاني فيصلح للنظم الاستبدادية والشمولية والشيوعية على ما هو مشاهد عملياً أو على ما تنطق به قوانين هذه الدول. ( ولكن هل صحيح ان رجل القانون وهو يفسر ويطبق القانون يكون بمعزل تام عن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد الذي يعيش فيه؟). ان استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليس استقلالاً مطلقاً بل لابد أن يكون هناك تعاون وثيق بين السلطات الثلاث. أو كما يقول رئيس جمهورية فرنسا السابق وعضو المجلس الدستوري الفرنسي فاليرى جيسكار ديستان «ان السلطات الثلاث تتصل مع بعضها بعضاً بحبل سري كاتصال الجنين بأمه». وإذا كنا قد تكلمنا عن السياسة والقانون فما هي السياسة القانونية إذاً؟ يقصد بالسياسة القانونية مجموعة الأفكار الموجهة التي تهيمن على عمل القانون وتطبيقه «فالسياسة القانونية علم وفن» ويظهر اثر هذه السياسة في التشريع الذي يسنه البرلمان أو السلطة التنفيذية التي تساهم في عمل القانون (اللوائح والأنظمة) «وهي تخدم جميع النظم القانونية التي تهم في عمل القانون». كما يظهر أثر هذه السياسة في القضاء وان كان دوره محدوداً في اعمال السياسة القانونية ولا يقارن بدور السياسة في مجال التشريع على رغم ان القاضي يقوم أحياناً بعمل المشرع إذا وجد نقصاً في القانون وهذا عمل في حقيقته ذو طابع سياسي. فيتعين عليه حينئذ ان يستكمل النقص على ضوء أهداف الدولة والمقومات الأساسية للمجتمع «فالقانون وليد البيئة» وهذه مهمة أو وظيفة رجل التشريع أو رجل السياسة، إلا انه وان كان القضاء هو احد مرافق الدولة فانه لم ينشأ لخدمة الدولة ذاتها وإلا كان قضاء استبدادياً أو شمولياً. ان القضاة حين يفصلون في الخصومات بين الافراد فإنهم يقومون بذلك باعتبارهم أعضاء في المجتمع قبل ان يكونوا أعضاء في الدولة وإلا كان قضاء مغلوباً على أمره خاضعاً لأهواء الإدارة وتدخلاتها. «يتبع»

إقرأ أيضا لـ "لولوة صالح العوضي"

العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً