العدد 1194 - الإثنين 12 ديسمبر 2005م الموافق 11 ذي القعدة 1426هـ

تفخيخ لبنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حادث اغتيال النائب والصحافي جبران غسان تويني أعاد توتير الأجواء اللبنانية التي كادت أن تهدأ بعد سلسلة تفجيرات طاولت شخصيات ومؤسسات وأحياء ومجمعات سكنية وتجارية كبرى. فالحادث جاء في لحظات دقيقة وقبل يوم من بدء مجلس الأمن مناقشة تقرير ميليس، وهو تقرير قد يؤدي إلى خلط الأوراق المحلية في ضوء انعطافات خطيرة تشهدها المنطقة. مسألة التوقيت مهمة لقراءة جريمة الاغتيال التي زادت من التشنج الأهلي، غير أن تويني لم يقتل بسبب أفكاره التي هي محط انقسام ولا يوجد إجماع عليها. ولكنه اغتيل بسبب مواقفه السياسية التي تعبّر عن هواجس تيار قوي في الشارع اللبناني. وهذا الاستهداف مقصود في لحظة زمنية مفتوحة على ثلاثة ملفات قريبة من بعضها. هناك الملف اللبناني الذي يتلخص الآن في «تقرير ميليس» واحتمال المطالبة بتشكيل محكمة دولية. وبغض النظر عن صحة اتهامات التقرير أو ضعف معلوماته فإنه يعتبر حقل اختبار لموازين القوى المحلية والإقليمية وفحص مدى استعداد الجهات المعنية بالاتهام إلى تحمل المسئوليات أو التصدي للعقوبات المفترضة. فالتحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري تخطى منذ البدايات الحدود اللبنانية وتحوّل إلى وسيلة للضغط أو الابتزاز أو التفاوض. إلى مسألة تدويل الأزمة اللبنانية هناك الملف العراقي وما يحويه من أوراق متداخلة في امتداداتها الدولية والإقليمية. فالعراق يعتبر اليوم حقل اختبار آخر لموازين القوى ومنه تقرأ الولايات المتحدة الخريطة السياسية ومدى استعداد الجهات المعنية بالملف إلى تحمل مسئولياتها أو التصدي لتداعياتها الإقليمية. وهناك أيضاً الملف الفلسطيني المزمن وما يحويه من أوراق متداخلة محلياً وإقليمياً ودولياً. ففلسطين منذ بدايات القرن الماضي وحتى أيامنا تحوّلت إلى ساحة اختبار لموازين القوى ومدى حيوية المنطقة ويقظتها واستعدادها لتحمل الأعباء الناجمة عن تداعيات العدوان الصهيوني. الملفات الثلاثة هذه موجودة في لبنان تتجاذبها أو تتقاذفها الأطراف المحلية بين موال أو معارض على الطريقة اللبنانية. وهذه الطريقة تتميز بخصوصية حساسيتها الطائفية وتوترها وبعدها عن العقلانية. فالسياسة في لبنان غير ثابتة ومتلوّنة طائفياً ومتغيّرة يومياً وتتكيّف دائماً بحسب موازين المصلحة وحسابات القوى ودورها إقليمياً ودولياً. ولهذا السبب تشكّلت تقليدياً في لبنان تجاذبات سياسية تتحوّل باستمرار وفق معطيات الواقع المحلي واتصالاته بالخارج الإقليمي والدولي. فالسياسة المحلية لا تتأسس دائماً في لبنان وإنما يعاد إنتاجها وفق تصورات ليست بعيدة عن تأثره بالأجواء الإقليمية والدولية ودورها في رسم خطوط تحالفات الطوائف وتبدّلها بحسب توازنات القوى في المحيط العربي والإسلامي. توقيت اغتيال جبران تويني يعطي فكرة عن مجالات اختبار القوى للنطاقين الإقليمي والدولي. فالجريمة حصلت في لحظات دقيقة ترابطت فيها الملفات الثلاثة، وغير مستبعد أن تفتح الداخل اللبناني على صراع ممتد جغرافياً وإقليمياً. ولبنان تقليدياً هو مرآة المنطقة لأنه يعكس توجهات القوى الإقليمية ويتأثر بها ولا يصنعها. لذلك يمكن اعتبار حادث الاغتيال إشارة سورية إلى الولايات المتحدة عشية مناقشة مجلس الأمن «تقرير ميليس» وما يعنيه من احتمال خلط الأوراق اللبنانية واحتمال تفجير استقرار البلد الذي انكشف على مجموعة قضايا تتصل بالملفين الفلسطيني والعراقي وصلة دمشق بالملفين. كذلك يمكن اعتبار حادث الاغتيال رسالة أميركية ضد سورية في محاولة منها لاستدراجها نحو التصادم من خلال إعطاء زخم لموضوع التدويل (محكمة دولية) وما يعنيه من امتدادات إقليمية فلسطينية (المخيّمات) ومحلية (حزب الله) ودولية (احتلال العراق). وفي حال جمعت الملفات الثلاثة في جريمة مزدوجة الأهداف، فهذا يعني أن لبنان مقبل على انفجار أمني كبير. والانفجار كما يبدو سيبدأ في السياسة (خلط أوراق التحالفات) ثم في التوازنات الطائفية والاستقطابات المحلية داخل كل طائفة. توقيت الاغتيال أخطر عنوان في هذه الرسالة. فالتوقيت جاء على منعطف خطير ولا يستبعد أن يؤدي إلى تفخيخ العلاقات الأهلية وتفجيرها بصفتها تعكس سلسلة توازنات ممتدة إقليمياً من إيران إلى فلسطين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1194 - الإثنين 12 ديسمبر 2005م الموافق 11 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً