العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ

قراءة في مخاطر التصعيد الطائفي

حين تطل الطائفية برأسها،

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

هذا الوطن كالطائر، لا يستطيع أن يطير إلا بجناحين سليمين. وهذا الوطن لا يستطيع أن يكبر ويعيش بسلام ووئام من دون أن يكون هناك التحام وتواصل بين أبناء الطائفتين الكريمتين في البلاد. الثنائية هي القدر والمصير لشعب هذا البلد... فكيف نفهم ذلك؟ هناك من يدعو إلى غلبة أو تغليب طائفة على أخرى» وهناك من يتبنى ضرب التركيبة السكانية و«شقلبة»غ5ليالأوضاع رأساً على عقب» وهناك من يرفع صوته عالياً منادياً بمحاربة التمييز والطائفية والعنصرية، لكنه يمارس ما يدعو إلى محاربته حتى الثمالة. إذاً... لا يمكن محاربة الطائفية بالكلام، ولا يمكن تحقيق السلام بالأمنيات، ولابد لنا في هذه البلاد أن نجلس ونتحاور، ونضع مفاهيم مشتركة وخطوطاً عريضة للمستقبل الذي نريده. فهل يمكن أن نحارب الطائفية؟ الجواب: نعم، ولكن كيف؟ بأن نبدأ من أنفسنا، وهذه محاولة للإبحار في المحاور المحظورة... أرجو أن تتسع صدوركم.

من المسئول عن تفشي الطائفية؟

من السهل أن يجيب الكثيرون منا، فالجواب الجاهز هو: الحكومة، لكن تلك هي نصف الإجابة، أما النصف الآخر فهو: نحن شعب البحرين. ورب قائل يقول: كيف يمكن أن نكون المسئولين عن الطائفية... ونحن من يكتوي بنارها. والجواب: «على نفسها جنت براقش». لنبدأ بطرح الأسئلة البسيطة: لو تساءل كل منا بينه وبين نفسه: كم أمتلك من العلاقات مع إخواني من الطائفة الأخرى؟ وما مستوى هذه العلاقات؟ وهل أستطيع ان أصفها بالمتينة؟ وهل هي علاقات صداقة؟ أم ترتقي إلى مرتبة العلاقات الأخوية والثقة المتبادلة؟ وكم مرة في الشهر ألتقي مع هؤلاء الأصدقاء أو الاخوة؟ كم واحداً منا يستطيع أن يقف ويقول انه يمتلك علاقات متوازنة في وسط الطائفتين. هذا ليس هو الحل، انما هو خطوة أولى نحو التشخيص. ومن المؤسف القول ان من يذكي روح الطائفية هم المسئولون عن تذويبها ومحاربتها. المثقفون يساهمون بدرجة كبيرة في إشعال روح الطائفية وشحن المواطنين. الكتاب الصحافيون منغمسون في الطائفية حتى أقدامهم، وهم يغذونها ليل نهار. رجال الدين والخطباء لا يتركون أي فرصة تمر من دون أن يوظفوها طائفياً، في مسعى من كثير منهم إلى الحفاظ على الذات والمريدين، فإذا انتشرت الطائفية واستشرت صاروا يندبونها ويدينون من يمارسها. الساسة الذين أسسوا الجمعيات السياسية على أسس طائفية، وسعوا إلى احتكار التمثيل السياسي بين أبناء طوائفهم، مسئولون عن تعزيز الطائفية حتى النخاع، لكنهم يدعون بأنهم ضحايا لها. المدرسة التي يفترض فيها محاربة الطائفية وتربية جيل جديد قادر على مواجهة الحياة بكل قوة وصلابة، مسئولة أيضاً عن تنمية روح الطائفية. أما الجامعة فحدّث ولا حرج... لأن القبول يتم وفقاً للانتماء الطائفي، وكذلك النجاح والترقي في الوظائف الجامعية لا يمكن أن يكون بريئاً من الطائفية أبداً. النواب وأعضاء المجالس البلدية أيضاً يمارسون الطائفية حتى وهم نيام، هؤلاء مسئولون عن مكافحة الطائفية لكنهم هم أكثر من يساهم في نشرها،

النتيجة العكسية

لقد أدى التطور إلى زيادة حدة الطائفية... كيف؟ في السابق كان البسطاء من الناس من الطائفتين يتزاورون ويعملون معاً في كل المواقع، فالرزق قليل والكماليات معدومة، والجميع يبحث عن الستر والعيش الكريم. حالياً ومع التطور... تم توزيع السيطرة على القطاعات والوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، ولم يعد يقتصر الأمر على وزارات مهمة مثل الدفاع والداخلية فقط. أمعنوا النظر في بعض القطاعات الخدمية، كالخدمات المالية ألا تشاهدون الطائفية واضحة... فحتى القروض والتسهيلات المالية تمنح بشكل طائفي. في أحد المصارف تقدم عدد من الباحثين عن عمل، وكانت المقابلة والامتحان لصالح شاب من طائفة معينة، لكن الأوامر جاءت بتوظيف شابة من الطائفة الأخرى. في مصرف آخر، تقدمت شابة لطلب وظيفة ولم يكن هناك شواغر، لكن المدير من الطائفة نفسها فأصدر أمراً بوضع مكتب لها بين مكتبين يكمل عمل أحدهما الآخر، فأصبحت الأوراق تمر على المكتب الوسط فقط للمطالعة، هل تعرفتم على العقاريين الجدد؟ لا تضيعوا جهودكم سدى، ستجدون غالبيتهم أقرباء مديري المصارف والمؤسسات المالية. هل تعرفتم على أصحاب البيوت الفخمة الجديدة؟ إنهم كبار الموظفين الذين حصلوا على تسهيلات مالية بالواسطة، مراعاة لانتماءاتهم الطائفية. فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة متغلغلة في اللاوعي، ففي داخل كل منا تعشش الطائفية، وتبني لها الحصون. نحن لا نعترف بالكفاءات ولا نضع المعايير المناسبة لتوصيف الوظائف والترقيات، وإن وجدت لا نلتزم بها، بل نغلب عليها أهواءنا الطائفية. والغريب أن هناك نوعين من الطائفية، الأول طائفية سالبة والثاني طائفية موجبة. الطائفية «الموجبة» نجدها عند التوظيف والامتيازات المقدمة إلى أبناء الطائفة التي ينتمي اليها المسئول الفلاني. أما الطائفية «السالبة» فحين يحرص المسئول أشد الحرص على عدم توظيف المنتمين إلى طائفته أو يحرمهم من الترقيات حتى لا يتهم بأنه طائفي، كما يحدث في كثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية. إذاً المشكلة تكمن في داخلنا، وفي تربيتنا وثقافتنا، لذلك لابد لنا من أن ننظف نفوسنا من ممارسة الطائفية، ومن الخوف من الاتهام بها، ولا يكون ذلك إلا إذا غلبنا مصلحة الوطن على كل شيء.

الخلل في الممارسة

في كثير من المسيرات ترفع شعارات رنانة منها على سبيل المثال حين يصرخ الوطنيون: «لا شيعية لا سنية... وحدة وحدة وطنية». والإسلاميون ينادون بأعلى أصواتهم: «لا شيعية لا سنية... وحدة وحدة إسلامية». الشعار لا تشوبه شائبة، لكن التطبيق والممارسة أبعد ما يكونان عن الشعار. إذاً نحن بحاجة ماسة إلى التوفيق بين الشعار والممارسة على أرض الواقع. ودعونا نتساءل: كيف ينظر إلى الزيجات المختلطة بين أبناء الطائفتين؟ الجواب: باشمئزاز شديد. وماذا عن الزواج من أديان أخرى؟ سيكون الموقف أقل حدة، فهل يستطيع أحدنا أن يجد تفسيراً لهذه الازدواجية؟ بعضنا يفكر في أن الزواج من أتباع الأديان الأخرى يترك فرصة لإدخالهم إلى الإسلام، وبكل تأكيد بحسب المذهب الذي نتبعه، بينما يصعب تغيير المذهب داخل الدين الإسلامي، وهنا يبرز سؤال آخر: من يريد تغيير مذهب الآخرين؟ أبناء الطائفتين الكريمتين يدرسون مادة الدين جنباً إلى جنب على مقاعد الدراسة، وهي مادة سلسة وسهلة الحفظ والمراجعة لأنها تتناول أهم أساسيات ديننا الحنيف، وكثيراً ما تكون الفروقات المذهبية بسيطة وتتركز على الفروع. في إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم يتعامل مدرس التربية الإسلامية مع الطلبة بحسب انتمائهم المذهبي، فالطلبة الذين ينتمون إلى مذهبه يحصلون على أعلى الدرجات الدراسية، أما الطلبة من المذهب الآخر، فإن مصير معظمهم الرسوب والعلامات المتدنية. الحظ العاثر وضع ابن أحد أصدقائي في فصل هذا المربي الفاضل، وكانت النتيجة أنه لم يحرز سوى 6 علامات من أصل 20 علامة. وحين زار هذا الصديق المدرسة وطلب لقاء المدير والمدرس الأول، اكتشف أن الموضوع أكبر من أن يحل بزيارة. ولايزال هذا المدرس يمارس حقده الطائفي على طلبة هذه المدرسة العريقة. ترى ما الحل؟

الكفاءة والانتماء الوطني

أحد النواب أطلق قبل أيام دعوات طائفية بغيضة، لم يرد عليه أحد من طائفته... لماذا؟ أحد الصحافيين المهووسين بالتعابير الانشائية الكبيرة ركّز على بث الحقد الطائفي في أكثر من 75 في المئة من أعمدته اليومية، ولم يرد عليه أحد من طائفته... لماذا؟ انتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين حسمت فيها النتائج بشكل طائفي، وتم توزيع المناصب الإدارية بشكل طائفي أيضاً، ولم يحتج أحد... لماذا؟ الدوائر الانتخابية وزعت بشكل طائفي... ما نسبة المعترضين على ذلك؟ لماذا تركزت الاعتراضات على نسب التمثيل الطائفي، ولم تركز على المبدأ؟ كم من المديرين يعتمد معيار الكفاءة والانتماء الوطني، بمعنى أن الأولوية للمواطن، وليس كما يحلو للبعض ترديده... التوظيف بناء على الولاء؟ من يحدد نسبة الولاء لدى أي مواطن؟ ترى هل هناك مقياس خاص أو «ترمومتر» صنع خصيصاً لذلك؟ نحن بحاجة إلى تربية جديدة تعيد صوغ المفاهيم، فهذا الوطن للجميع، ولنا جميعاً الحق في العيش الكريم وضمان المستقبل لأبنائنا. ونحن بحاجة إلى مؤسسات مشتركة لا تفرق بين طائفة وأخرى، وبحاجة إلى جمعيات تنمية مشتركة لا تفرق بين مواطن وآخر، وبحاجة إلى دوائر انتخابية مختلطة، لا توزع المقاعد النيابية والبلدية بشكل منطقي. وبحاجة إلى مدارس مشتركة تخضع للمراقبة والتوجيه لكي لا يستفرد مدرس مريض مليء قلبه بالحقد الطائفي بأبنائنا الطلبة، فيسقيهم الطائفية صغارا. وبحاجة إلى معاملة متساوية في المشروعات الخدمية، من إسكان وبلديات وصحة وأشغال ومرور إلخ. إننا بحاجة إلى أن نعزز الشعور بالانتماء إلى الوطن، لأن الانتماء إلى الطائفة طاغ ومتأصل فينا ومنتشر بيننا بشكل مرضي. وبحاجة إلى أن نعامل في المنافذ الدولية كمواطنين، وأن نعامل في القبول في الجامعات والبعثات الدراسية كمواطنين بعيداً عن المحسوبيات.

تجريم الطائفية

إن التربية وحدها لا تكفي، لأن هناك من يخرق القوانين ويسيء إلى القواعد الأخلاقية التي يمكن أن نتوافق عليها، لذلك لابد من تجريم الطائفية. وكل من يثبت أنه مارس الطائفية في استغلال السلطة وتوظيفها لصالح أبناء طائفته أو ضد أبناء الطائفة الأخرى يجب أن يعاقب. لابد من وضع قوانين لحماية المواطنين من التهجم من قبل الصحافيين الموتورين، ولابد من محاسبة الإعلاميين الذين يسيئون إلى مهنة الكتابة، ويوظفونها طائفياً. ولابد أن تلغى التقسيمات الطائفية في الوظائف الكبرى، وأن يتم فتح المجال للمنافسة الشريفة تحت معيار الكفاءة. كما لابد أن يشعر الذين يمارسون الطائفية بأنهم محاصرون وغير مرحب بهم في الأماكن العامة ومواقع المسئولية. مطلوب التحقيق مع كل المتهمين بالطائفية في مواقع المسئولية واتخاذ القرار، فإذا ثبت عليهم ذلك يتم نقلهم إلى أماكن لا يستطيعون ممارسة الطائفية من خ

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً