العدد 1199 - السبت 17 ديسمبر 2005م الموافق 16 ذي القعدة 1426هـ

الأقليات في العالم العربي بين التعايش والاندماج

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

منذ حوادث الشغب في فرنسا، والسؤال بشأن التعايش يأخذ صدارة الاهتمامات، مع ان هذا السؤال كان يطرح بشكل دائم في منطقتنا لانها تعج بتلوينات وتكوينات متمايزة. والسؤال الذي كان يطرح دائماً على مستوى القوميات في دولة واحدة، مع ان مسألة التعايش تلفها جملة من التعقيدات وتكبلها التصورات والمواقف المسبقة. وربما لهذه الاسباب يكون التعايش شبه مستحيل، ولذلك تتكرس معضلة التعايش في مجمعاتنا. واذا اسقطنا هذه المعضلة على الجغرافية السكانية وحتى السياسية الكردية نلاحظ ان هناك ثمة ملاحظات على هذا التعايش والاندماج ايضاً، ولعل السبب يعود إلى ان الاقليات (القومية، الدينية، الدينية) في كردستان في كثير من الاحيان كانت اسيرة لماضيها، ولهذا لم تسطع الاندماج، فأصبح ذلك عقبة امام اندماجها مع الاكثرية، رغم ان البقاء والحياة الفضلى يتطلبان التكيف مع الوضع العام (السكاني والسياسي). يبدو ان مسألة الاندماج والتعايش مرتبطة بمستوى الوعي والمعرفة والثقافة لان لها علاقة بالتكيف، والتكيف مرتبط بشكل مباشر بمستوى الوعي الفردي أو المجتمعي، وهو ما يسهم في اندماج المجتمعات، وخلق مناخات وبيئات جديدة أكثر انتعاشا، وهذا ما يؤسس للتعايش والعيش المشترك. لكن يبدو ان العلة تكمن في امكان التحرر من التراث الثقافي السلبي الذي يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر علي انفتاح التلوينات على بعضها بعضاً، فاذا وجدت الامكانية والارادة والتطلع الى مرحلة جديدة فان هذه العوامل الثلاثة (الامكانية والارادة والتطلع) تسهم في خلق بيئة مندمجة ومتماسكة ومتعايشة. والشرقي في كثير من الاحيان يعتقد بحكم التجربة ان مسألة الاندماج كذبة كبيرة، ولا تتم بسهولة، والدولة لا تستطيع ان تساهم في الاندماج مهما كانت مستوى ادواتها وثقافاتها ومنهاجها التعليمي، ولعل تجربة اكراد سورية والعراق، وكذلك مسألة الاقباط في مصر والامازيغ او الشيعة في الخليج كلها شواهد على ذلك. ويجب ان لا ننسى ان العراق وسورية كانتا تسعيان الى الانصهار وليس الاندماج. بقول اخر يبدو ان المعضلة في جانبين: في الاقليات: إذ هي اسيرة ثقافاتها الماضية واحساسها بخوف غير مبرر وفي علاقاتها فيما بينها... وفي الاكثريات: لأنها لم تقدم للاقليات الاطمئنان وتساعدها على التكيف، وهنا مسئولية الاكثريات تكون اكبر. وبدلاً من البحث وراء ادوات واليات لصهر الاقليات مطلوب منها ان تساعد الاقليات في انشاء بيئة مندمجة، فإن الاقليات تتحمل المسئولية في عدم اندماجها في المجتمع والدولة. البعض يقول: «ان دولة مثل هولندا، اخذت بالتعدد الثقافي، تبين لها أن ذلك لم يحل مشكلة الاقلية المسلمة. لماذا؟ والجواب لأن الاكثرية الهولندية المسيحية احترمت سائر الثقافات وعاملتها بالتسامح، اما الاقلية المسلمة في المقابل، فلم تكن على استعداد للنظر في آراء الآخرين».

الدمج أم الانصهار

صحيفة «صدى البلد» اللبنانية قالت ان هذا يجوز في فرنسا، لكن هذه الواقعة لا نستطيع اسقاطها على واقع مجتمعاتنا ودولنا في الشرق، لأن الدول والاقطار في الشرق لم تساهم في نقل الاقليات من حالة عدم الدمج إلى حال الدمج بل اردات ان تنسي الاقليات ثقافتها بشكل قسري غير مريح، الامر الذي دفع بالاقليات الى التشبث بتراثها والالتفاف حول نفسها لاجل البقاء ولأجل عدم انصهارها، لانها اعتقدت بانها في طريقها الى الامحاء والانتهاء وليس الى بلورة افكار ومناخات وبيئات اخرى أكثر صحية. من هنا نرى ان كل اقلياتنا منطوية على نفسها، ومشروع الدولة المندمجة والمتماسكة فشل في بداية التفكير به. التعايش شيئ جميل ومحبب لدى الطرفين في المعادلة سواء اكانت الاقلية ام الاكثرية لكن الطريق الى التعايش يتطلب الخوض في تجربة اخرى اكثر غنى. ان التعايش المطلوب ليس كما نعرفه بل هو مرحلة متقدمة من التعايش، بأن نعترف بوجود الآخر وبضرورة التعايش معه، ونتفهم قصة اضطهاده ونتفهم مظلوميته وتطلعاته التعايش ليس كما نعتقد بانه تعايش جارين مع بعضهما بعضاً، وهذا أيضاً يبدو صعباً لأنها لا يتحقق بسهولة أيضاً. فمثلاً عند قرائتنا الخريطة السكانية في كردستان العراق نصل الى نتيجة تقول ان مشكلة التعايش او الاندماج هي هاجس لدى الاقليات وليس بالضرورة لدى الاكثريات، فليس هناك مشكلة مثلاً لدى الاكثرية اللغوية او القومية عندما تقوم بشتمها، لكن ستصبح المشكلة كبيرة عندما يسمع احد المنتمين الى الاقلية في بلد ما بان قوميته تشتم، ولذلك لا نراه يتكيف مع المناخ ويصبح عقبة كبرى امام الاندماج في المشهد السياسي او الدائرة الوطنية.

صدام حسين واليزيديين الأكراد

والامثلة من هذا النوع كثيرة، وربما هي احد الاسباب التي دفعت إلى الاضطرابات في فرنسا مثلً. ربما تكون العلة في الاقليات وليس شرطاً ان تكون في شكل تعاطي الحكومة الفرنسية معهم، لأن في الجمهورية الفرنسية كانت «الفكرة التأسيسية هي ان جميع المواطنين الفرنسيين متساوون، بغير فرق في الدين والعنصر، وبغير أي تمييز. فالجميع فرنسيون. لكن الجميع يجب عليهم أن يعترفوا بعلمانية الجمهورية التامة. توجد ثقافة واحدة، وواحدة فقط، هي الثقافة الفرنسية. لا تنوع، ولا كثرة للثقافات. الكلمة السحرية هي الاندماج. لهذا لا يوجد في فرنسا «تمييز تقويمي» للاقليات، كما يوجد في الولايات المتحدة» ولا يمكن الاتيان بقناع للرأس الى مدرسة رسمية، كما لا يمكن في واقع الامر الاتيان الى محكمة بالطربوش» كما قالت احدى الصحف العربية. وعموماً... كل كلامنا ليس على فرنسا وعلى الاقليات في اوروبا، انما نستحضر هذا فقط لاجل ان نقرب المشهد.في كردستان ومنذ فترة ليست بقليلة يظهر هنا وهناك ان الاقلية الدينية الايزيدية مضطهدة، وربما هذا الشعور دفع باليزيديين ان يقوموا اكثر من مرة بالتظاهر مطالبين بتثبيت حقوقهم. هذه المظاهرات طبعاً عرفتهم للرأي العام العراقي والكردي الى درجة تثبيت ديانة اليزيدية لأول مرة في الدستور، الا ان تثبيت هذا الحق لم يشف غليل اليزيديين لان هناك من اشتغل كثيراً عليهم الى درجة صدق بعضهم بانهم ينتمون الى القومية العربية ولعل نظام صدام حسين اكثر من اشتغل في هذا الاتجاه، بل كان يعلن عن ذلك. كما اشتغل حزب العمال الكردستاني عليهم ليدفعهم لعدم الانسجام او الاندماج مع أسس التعايش التي وضعتها حكومة اقليم كردستان. لذلك رأينا في اكثر من مرة وعلى رغم تقديم مساعدات كومة الاقليم لهم بانهم مضطهدون ومهمشون من قبلها. كذلك وضع تركمان العر اق، فعلى الرغم من حصولهم على حقوقهم، ورغم تكرار الاكراد دائماً ان كردستان ليست للاكراد فقط بل لكل من يعيش فيها (من التركمان والعرب والمسيحيين وغيرهم) فهم لم يهتموا بما يقوله الاكراد، لذا نرى تعايش التركماني مع العملية السياسية الكردية تعاني من اشكالات، ولعل السبب شعورهم بالخوف غير المبرر، ولعدم انفتاحهم على الاكراد وتبعيتهم الثقافية والسياسية لدولة اخرى هي تركيا، التي ساهمت بشكل كبير في خلق معوقات أمام اندماجهم في المشهد الاجتماعي والسياسي الكردي. بقي القول إن مسألة التعايش مسألة غاية في الاهمية لانها تخلق بيئة اجتماعية وسياسية مستقرة ومنتجة، فمن الضروري التحرر من المواقف المسبقة، وان نعرف كيف ان ننظر الى المستقبل من أجل البقاء والحفاظ على التوازن الاجتماعي والسياسي

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 1199 - السبت 17 ديسمبر 2005م الموافق 16 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً