العدد 2433 - الإثنين 04 مايو 2009م الموافق 09 جمادى الأولى 1430هـ

الذهنية المصرفية القبلية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، الثلثاء الموافق 5 مايو/ أيار 2009، يلتقي قادة مجلس التعاون، كي يتوصلوا إلى قرار بشأن العاصمة الخليجية التي ستكون مقرا للبنك المركزي الخليجي، وهي مسألة كانت مثار خلاف في قمة مسقط الأخيرة.

وقد اعتبر بعض الأطراف أن ذلك الخلاف كان السبب وراء إرجاء الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الوحدة النقدية الخليجية. ومن المتوقع أن يجد القادة الخليجيون أنفسهم اليوم أمام نافذة زمنية ضيقة، وقصيرة، تفصلهم عن مطلع العام 2010، وهو موعد إطلاق تلك الوحدة.

لا أحد ينكر أهمية البنك المركزي ودوره في وضع السياسات النقدية، ومراقبة تنفيذها، والتحقق من سلامة النظام المصرفي ومتانته، وغير ذلك من القضايا الإجرائية الأخرى التي تصب في نهاية المطاف في بناء نظام نقدي ومالي متماسك قادر على تسيير دفة اقتصاد الدولة أو المنطقة التي يمارس فيها ذلك البنك صلاحياته. وتزداد أهمية الدور الذي يمارسه المصرف المركزي عندما ندرك أن تأثيراته قد تصل في حالات معينة إلى تدخله في التأثير على السلوك الاستهلاكي والاستثماري للفرد في تلك المنطقة من خلال صلاحياته في تنظيم سياسات الإقراض، ومراقبة عمليات الائتمان، وتحديد أسعار الفائدة... إلخ.

هذه الصلاحيات هي التي تضفي على البنك المركزي تلك الهالة التي يتمتع بها، وتضع بين يديه الصلاحيات التي تضعه في الخانة المميزة عن المصارف الأخرى. لكن كل تلك الصلاحيات، على الرغم من أهميتها، ليس لها أية علاقة تذكر بتحديد دولة المقر. أي أن دولة المقر، لاتضيف أو تنقص شيئا فيما يتعلق بثقل تلك الصلاحيات التي يتمتع بها ذلك البنك أو المكانة التي يتمتع بها. بل إنه مع ثورة الاتصالات والمعلومات الحالية، وخاصة في علاقاتها مع الأنظمة المصرفية، تضاءلت أهمية الموقع الجغرافي إلى درجة لا تذكر.

هذا يعني أن تحديد دولة المقر، لاينبغي أن يأخذ من وقت القادة أكثر مما يستحق. ومن ثم فإن حل المشكلة أمر في غاية السهولة، ولايحتاج إلى أية تعقيدات كما يبدو الأمر في الظاهر. هناك طريقان أمام قادة مجلس التعاون، بإمكانهما سلوك واحد منهما.

الأول أن يطلبوا من جهة اختصاصية كي تقوم بدراسة ميدانية تستخلص من ورائها أي العواصم، وربما المدن، الخليجية أكثر مناسبة وأهلية كي تحتضن المؤسسة المركزية المصرفية.

وعندما نشير إلى مدينة، فالمقصود هنا أن الاختيار ينبغي أن يكون وفقا للمؤهلات التي تتمتع بها مدينة معينة، في نطاق الدولة، ليست بالضرورة أن تكون العاصمة.

هنا لابد من الإشارة إلى أن قيمة الدخل الوطني، وعدد السكان، وحجم السوق، هي من المعايير المهمة التي ينبغي أخذها في الحسبان، لكنها قد لاتكون من العوامل الحاسمة، ولنا في مدن مثل جنيف ولندن أسوة حسنة عندما نتناول الحديث عن المراكز المالية العالمية، فما بالك بالإقليمية، ولحجم مالي متواضع بالمعيار العالمي، من مستوى حجم السوق المالية الخليجية التي سيغطيها المصرف المركزي الخليجي.

هناك مقاييس معاصرة أخرى لابد من أن تعطى الأولوية عند مناقشة مدينة «المصرف المركزي».

مقاييس من نوع البنية المالية التحتية بما يشمل ذلك من شبكة الاتصالات، وطرق مواصلات، برية كانت أم جوية، مدى مطابقة قوانين دولة المقر، بما فيها مدينة المصرق بطبيعة الحال، مع القوانين المعمول بها في أسواق المال والائتمان العالمية، وتيرة وحجم حركة المال العالمية التي تمر عبر تلك المدينة.

هذه العناصر جميعها، مأخوذا بعين الاعتبار سهولة تكاملها، بين مدينة المقر، وسائر الدول الأعضاء الأخرى، هي العوامل التي ينبغي مراعاتها عند ترشيح تلك المدينة، كي تكون المضيفة للمصرف المركزي.

الطريق الثاني، هو أن يكون تحديد مدينة المقر جزءا من تحديد مقرات منظمات خليجية أخرى، ثقافية كانت أم صناعية أم سياسية، بحيث تتوزع مقرات تلك المنظمات على أكثر من مدن دولة خليجية واحدة. حينها تكون هذه الدولة الخليجية المقر المركزي المالي، في حين تكون الأخرى المركز الثقافي، وثالثة المركز السياسي. وهو خيار، وإن لم يكن الأمثل، لكنه الأفضل، لكونه الأكثر واقعية عند التطبيق، دون القفز على الظروف السائدة التي تحكم العلاقات القائمة بين دول مجلس التعاون.

ولذا، وبدلا من نشوب خلاف غير مبرر أمام القمة الخليجية التشاورية المنعقدة اليوم، حبذا لو رفع القادة الخليجيون رؤوسهم قليلا نحو الأعلى، ونظروا إلى تقويم هذا الشهر، كي يجدوا أنه بعد يومين فقط من اجتماعهم هذا، قد يلجأ البنك المركزي الأوروبي مجددا إلى خفض سعر الفائدة في منطقة اليورو إلى 1%، ليصبح بذلك «سابع خفض للفائدة يقدم عليه منذ أكتوبر/ تشرين الأول كإجراء من ضمن سلسلة تخفيضات أخرى القصد منها مواجهة الأزمة المالية»، متميزا بذلك عن اللجوء إلى سياسة «معدل الفائدة صفر» والتي اعتمدها نظيراه الأميركي والياباني، لأن هذا الأمر، من وجهة نظر الخبراء الأوروبيين من أمثال جان كلود تريشيه الذي كان منذ العام 1993 محافظا للبنك المركزي الفرنسي، قبل توليه منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي في العام 2003، «لن يكون مناسبا» لمنطقة اليورو. يتصدى البنك المركزي، بغض النظر عن المدينة التي تحتضنه، لمعالجة قضايا استرتيجية أوروبية شاملة من مستوى خفض سعر الفائدة في عموم منطقة اليورو. وللعلم فإن مقر البنك المركزي الأوروبي، ليس العاصمة الألمانية برلين، وإنما مدينة فرانكفورت.

يتحول النقاش في بعض الاحيان إلى مهاترات بيزنطية، تقوم على نزعة استحواذية محدودة ، تفقد أي مبرر لها سوى أنها تعكس ذهنية قبلية ضيقة، إذا لم يكن المطروح على بساط البحث كفاءة المدينة الحاضنة بدلا من الجهة التي تحكمها.a

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2433 - الإثنين 04 مايو 2009م الموافق 09 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً