العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ

سيناريو لمرحلة انتقالية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ قرابة شهر أخذت الصحف التركية تتداول سيناريو حرب أميركية جديدة في المنطقة. واتجهت الصحف إلى تسريب معلومات غير مؤكدة عن تواطؤ الحكومة الإسلامية المعتدلة مع مشروع حرب ضد إيران وربما سورية تنطلق من القواعد العسكرية الأميركية في تركيا وتوجه ضربات جوية ضد مواقع وبنى تحتية. هذا السيناريو المزعوم أعيد إنتاجه أكثر من مرة وظهر في الصحف التركية في صيغ مختلفة. فهناك معلومات تحدثت عن توسيع مطارات عسكرية في الاناضول وعلى مقربة من الحدود السورية ­ العراقية والعراقية ­ الإيرانية. وهناك معلومات تحدثت عن تجهيز مطارات بأحدث التقنيات ونصب أجهزة رادارات متطورة على مرتفعات تطل على الحدود الثلاثية السورية ­ العراقية ­ الإيرانية. تضاف إلى هذه التسريبات الصحافية معلومات أخرى تتحدث عن بناء القوات الأميركية أكبر قاعدة عسكرية في العالم بالقرب من مدينة كركوك العراقية. ويقال إن هذه القاعدة ستتحول إلى أهم مهبط (مطار) للنقل العسكري خارج الولايات المتحدة. كل هذه الأخبار ليست دقيقة، ولكنها في مجموعها العام تحولت إلى مادة صحافية تتداولها المنابر الإعلامية التركية وتتسرب معها مجموعة خطط عن وجود سيناريو حرب متوقعة في الفترة المقبلة. وعلى رغم أن المعلومات غير موثقة فإنها تحولت لكثرة تكرارها إلى نوع من الحقائق الظنية. فأحزاب المعارضة التركية مثلاً اتهمت الحكومة بالتورط والتوافق مع واشنطن على استخدام أراضيها كمعابر للطيران والدعم اللوجتسي. وبسبب هذه السيناريوهات المتداولة صحافياً طالب أحد أحزاب المعارضة (حزب الشعب) بنقل النقاش من دوائر الحكومة إلى أروقة البرلمان لبحث المسألة جدياً وعلناً أمام الرأي العام. كذلك طالب حزب الشعب التركي بمحاسبة الحكومة في حال تأكدت المعلومات وتوثق الكلام عن وجود سيناريو من هذا النوع. حتى الآن تنفي الحكومة هذه المعلومات وتنكر علمها بوجود اتفاق ضمني مع واشنطن يعطيها الإذن باستخدام مطاراتها وأراضيها لشن مثل هذه الحرب المزعومة. ترداد الكلام عن سيناريو ولو بأسلوب غير موثق ومن دون أدلة واضحة يطرح فعلاً أسئلة من نوع: ما حاجة الولايات المتحدة إلى هذه التدابير العسكرية إذا هي فعلاً قررت المغادرة أو تريد تخفيف قواتها في المنطقة وسحب بعضها من العراق؟ فهذه المعلومات عن استعدادات وتجهيزات وتوسعة مطارات يتعارض مع الكلام الآخر الذي يقول بوجود خطة انسحاب للقوات العسكرية الأميركية. فأي كلام هو الصحيح؟ وما هو الحقيقي في سياق حملة بث معلومات عن وجود سيناريو حرب جديدة؟ كذلك كيف يمكن التمييز بين شائعات تثير القلق يتم تسريبها عبر الصحف التركية وبين كلام آخر يتحدث عن بدء التفكير في الانسحاب على مراحل وفترات زمنية تنتهي في السنوات الثلاث المقبلة وهي المدة المتبقية من عهد الرئيس جورج بوش؟ الأمر صعب. والأصعب منه هو عدم وجود أدلة ملموسة ومعلومات موثقة تؤشر إلى مثل هذا الاحتمال أو ذاك. ولكن الواقعية في التفكير السياسي تفرض أخذ كل الاحتمالات في الاعتبار. فالمصلحة الأميركية الاستراتيجية تقول إن هناك حسابات سياسية واقتصادية تمنع الولايات المتحدة وتضغط عليها لرفض الانسحاب خوفاً من انهيار أهم وأخطر منطقة جغرافية في العالم بسبب احتمال انتشار الفوضى وما ستجلبه من عنف يصعب التحكم به. كذلك تفرض الواقعية السياسية عدم تصور احتمال إقدام الإدارة الأميركية على خوض مغامرة عسكرية جديدة في ضوء النتائج الكارثية التي أفرزتها تجربة العراق. بين الاحتمالين السلبيين (الانسحاب العشوائي أو المنظم من المنطقة) أو (البقاء والتخطيط لحرب جديدة) تصبح كل المعلومات التركية المتضاربة والسيناريوهات المفترضة والمطروحة إعلامياً واردة في أجواء ملبدة بالضباب وغير واضحة في معالمها السياسية. فالمنطقة الآن تمر في مرحلة انتقالية والإشارات الضوئية مفتوحة على اتجاهات متقاطعة. وربما قصدت واشنطن من تلك السيناريوهات التشويش السياسي على الرادارات الإقليمية للتضليل وتحقيق المفاجأة. وهذا أيضاً مجرد احتمال.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً