كانت قلوب طلاب الخدمة الاجتماعية تدق شوقا وفرحا لمرأى إعلانات وزارة التربية والتعليم التي تطلب من خلالها حضور كفاءات ذات شهادات جامعية لشغل وظائف شاغرة في المدارس الحكومية كمرشدين اجتماعيين، وكان كل منهم يمني نفسه بتحقيق حلم لطالما راوده بالتخرج والتوظف، وهو الحلم الذي نمته كثافة الإعلانات والطلب الذي كان يعلن عنه من قبل الوزارة. إلا أن تلك الدفعة التي كانت قريبة التخرج لم تجد في إعلان الوزارة بعدم وجود شواغر وظيفية لدى الوزارة سوى صاعقة هبطت على رؤوسهم وأحلامهم، فبدأت المجموعة بالتحرك والتقصي عن الحقيقة وذلك بسبب صغر عدد الدارسين في هذا التخصص والروابط التي تربط الجميع، إذ أنهم كانوا على يقين بأن أحدا منهم لم يوظف حتى وقت الإعلان، سلسلة من الحوادث والحكايات اجتمعت مجموعة خريجي تخصص الخدمة الاجتماعية البحرينيين يقصونها على «الوسط» راجين فيها أن تكون القلم الذي يصون حقوقهم وأن تدافع ضد الظلم الذي لحق بهم وهم على أرض وطنهم، ومن دون ذنب سوى الرغبة في خدمته وإعطائه من سني دراستهم وعلمهم ما أمكنهم وليسهموا في ارتقائه وتعلية شأنه. في هذا اللقاء، سنستمع من جديد لعدد منهم يقومون بالواجب في الحديث عن البقية، ونود الإشارة الى أننا خاطبنا وزارة التريبة والتعليم رسمياً ورفعنا أسئلة الطلبة لإدراجها ضمن هذا اللقاء، لكنها لم تصل حتى الآن وسنعرضها على القراء الكرام حال تسلمها من الوزارة.
أول موقف... اعتصام داخل الوزارة
تحكي مجموعة المتخرجين ما حصل على لسان احدهم فتذكر بأن أول مواقفهم جاء بالاعتصام في داخل الوزارة للمطالبة بتفسير منطقي لما حدث، فالتقوا بمدير العلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم نبيل العسومي الذي صرح لهم بعدم وجود شواغر وأن هنالك تشبعا في الوزارة من متخصصي الخدمة الاجتماعية، وبالأخذ والرد حاولت المجموعة إثبات وجود شواغر وذلك بالاتصال في إحدى المدارس والسؤال عن عدد الطلاب وعدد المشرفين ومقارنتها بالمعيار المتبع في الوزارة والذي ينص بوجود مشرف لكل 300 طالب وهو أمر اضطر من خلاله المسئول لدى اكتشاف وجود هذا الشاغر إلى طلب فرصة للتأكد والرد عليهم، وبعد بضع ساعات تلقى احد أفراد المجموعة مكالمة من المسئول مفادها بأنه لا يوجد في الوزارة سوى هذا الشاغر فقط وأن جميع الإعلانات السابقة والتي وصل عددها كما يقول الطلبة إلى 24 إعلانا كانت من أجل هذا الشاغر فقط، تحاملت المجموعة على هذه المفاجأة ذات الوزن الثقيل وتحركوا في خطة منتظمة، إذ قاموا بعمل إحصاءات لبعض مدارس (الذكور) ومطابقتها بأعداد المشرفين الاجتماعيين في المدرسة طبقا للمعايير الصعبة التي تحددها الوزارة والتي تنص إضافة إلى وجود مشرف لكل 300 طالب بعدم وجود أكثر من أربعة مشرفين في كل مدرسة، وقد قادهم هذا البحث إلى اكتشاف (15 شاغرا وظيفيا) في المدارس التي طالتها إمكاناتهم في البحث والتقصي، إذ أثارت هذه الأرقام حفيظتهم من هذا الاستهجان الواضح بحقوق الطلبة كمواطنين بحرينيين من حملة الشهادة الجامعية.
نطلب الإذن للقاء الوزير
بعد ذلك تحركت المجموعة مرة أخرى في تاريخ 12 سبتمبر للوزارة إذ صادف ذلك زيارة لرئيس الوزراء في اليوم نفسه، فتم صرفهم على وعد بالسماح لهم بالدخول بعد الزيارة، وكان لهم بعد ذلك الدخول، فتجمعوا عند مكتب الوزير وطلبوا من الموظفة الإذن بالدخول على الوزير، فقوبل طلبهم بالرفض، وحضرت مجموعة من قوات مكافحة الشغب الذين تعاملوا معهم بكل احترام وأبعدوهم عن المنطقة. وكان الوكيل المساعد للشئون الإدارية هشام آل خليفة في استقبالهم، فعرضوا عليه المشكلة والأوراق التي تثبت وجود شواغر إذ أكدها وأخبرهم بوجود ما يقارب العشرين شاغرا، إلا أنه عول عدم توظيفهم إلى حركة التنقلات التي تجري في المدارس، إذ إن المعيار يقتضي بأن يصل عدد الطلبة لـ 300 شخص وأن العدد نفسه لو قل بشخص واحد فلن يصبح بالامكان إضافة مرشد إضافي. منح الشيخ هشام آل خليفة المجموعة موعدا في 15 أكتوبر/ تشرين الأول ليلتقي بهم ويحدد لهم أعداد الشواغر وموعد الامتحان إضافة لموعد التوظيف المتوقع، إلا أن رسالة باسم خريجي الخدمة الاجتماعية من رئيس الشئون القانونية صبري عبدالحليم كان فحواها بأنها تمت تغطية جميع الشواغر، وفي حين وجودها سيتم الإخطار، وهو الأمر الذي تضارب مع وعود الشيخ هشام آل خليفة، فأقام الطلاب اعتصامهم الثالث في 3 أكتوبر ووقفوا خارج وزارة التربية منعا للاتهامات حاملين لافتات تعبر عن مطالبهم، وخلال وقوفهم عبر الشيخ هشام بسيارته وتوقف للاستفهام عن أسباب التجمع، فأخبروه عن الرسالة وفحواها الذي يتناقض مع وعده وكلامه، فأكد لهم على الموعد المحدد وحثهم على وجوب الانتظار حتى ذلك الحين وأكد أن الخريجين سيوظفون في نهاية الفصل الأول وبداية الفصل الثاني من العام الدراسي 2005 .2006
المسئول سيكون في انتظاركم
في اليوم المنتظر توجه شخصان كممثلين عن المجموعة إلى الوزارة في الساعة الثامنة صباحا، إذ طلب منهم المغادرة والعودة في الساعة الثانية أي بعد الدوام الرسمي للوزارة وذلك بتعليل أن المسئول سيكون في انتظارهم حتى ذلك الوقت، وعند قدومهم منعهم رجال الأمن عند البوابة الرئيسية من الدخول (لأن الدوام الرسمي انتهى)، وخلال دقائق الانتظار تلاقى الممثلان مع موظفي السكرتارية بالوزارة، وكان ردهم حيال هذا المنع بأنهم تأخروا وأن عليهم المجيء في الغد لملاقاة المسئول. اتصل أحد ممثلي المجموعة بمكتب المسئول في اليوم التالي وطلب الإذن بالزيارة، فطلبت السكرتيرة منه تأجيل الموعد إلى يوم السبت الذي يصادف 19 أكتوبر. وفي اليوم المحدد توجها إلى الوزارة منذ الثامنة صباحا، ليتم استقبالهما في الساعة التاسعة من قبل الوكيل، ودار حوار بينهم مفاده، أن هنالك 8 أشخاص في الوقت الحالي على قوائم الانتظار قد تم امتحانهم وسيتم توظيفهم قريبا وذلك لعدم وجود غير 8 شواغر وظيفية، وأن على الباقين الانتظار للعام المقبل حتى يتسنى للوزارة توظيفهم، ولدى مواجهته بالأرقام التي توصلوا إليها من بحثهم والوعود التي كان قد أبداها لهم، كان جواب المسئول بأن سبب عدم التوظيف عائد إلى نفاد الموازنة في المجالات المخصصة لها وذلك يمنع عملية التوظيف.
ردود فعل ضد اتفاق مجحف،
وعند الجذب والشد توصل المفاوضان مع المسئول إلى الموافقة على امتحان المجموعة، وأن من بين 20ممتحنا سيتم توظيف 5 ممن سيجتاز هذا الامتحان على الفور إذ إنه سيتم استقطاع جزء من موازنة الاجتماعات والمؤتمرات المخصصة بالوزارة لتوظيفهم. إلا أن ردود فعل الطلبة جاءت غير راضية على هذا الاتفاق المجحف، وقرروا تنظيم اعتصامات متتالية وبشكل يومي أمام الوزارة بدءا من يوم الأربعاء 22 إلى الاثنين 26 نوفمبر/ تشرين الثاني إذ كان توقفهم لعدم الخلط بين قضيتهم وقضية المتظاهرين في مسيرة العاطلين التي خرجت يوم الثلثاء 27 نوفمبر.
نعم... توجد شواغر من دون شك،
نتيجة للمساءلة التي تمت للوزير في مجلس النواب، يؤكد النائب محمدآل شيخ أنه لا يوجد مجال للشك بوجود شواغر في الوزارة، فقد أكد الوزير ذلك في تصريح رسمي له أمام المجلس، وهو أمر مدون في مضبطة الجلسة المعنية ولا يمكن المجادلة فيه، إلا أنه تعجب عدم توظيف الخريجين حتى هذه اللحظة بسبب تعهد الوزير بتوظيفهم في اقرب فرصة لما في ذلك على حد وصفه (النائب) إضرار بمصلحة المواطن وهدر للمال العام في عدم الاستفادة من الكوادر الجامعية التي تصرف الدولة مبالغ طائلة من موازنتها في سبيل تهيئتهم. ويؤكد النائب أن على الدولة وضع استراتيجيات واضحة تشمل في دراستها الوزارات واحتياجاتها، ومن المقابل دراسة التخصصات والتحكم في نوع وحجم المخرجات التعليمية لعدم الوقوع في مأزق كما هو الحال مع طلاب الخدمة الاجتماعية. كما أضاف أن على الوزارة تفهم حساسية هذه الأوضاع وعدم اللجوء إلى العمالة الخارجية لسد فراغ يوجد شاب بحريني قادر على العمل فيه لأن ذلك حقاً من حقوقه والحكومة والدستور يكفلان له ذلك.
... وماذا بعد؟
كان السؤال الذي شد حيرة الطلبة هو عن السبب الحقيقي لعدم توظيفهم، فمن قائل بوجود شاغر واحد فقط، ومن قائل بوجود حركة تنقلات ثم ينفي لعدم توافر موازنة كافية للتوظيف، لقد تمت مساءلة الوزير عن قضية طلاب الخدمة الاجتماعية من قبل النائب محمد آل شيخ وكان الجواب المتعلق بدمج الذكور والإناث يعود الى تشبع الوزارة من هذا التخصص وعدم وجود شواغر، والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هو أن قضية الطلبة الذكور يجب أن ينظر إليها بشكل منفرد ذلك لأن هذا التخصص لايزال في حاجة إلى المزيد من القوى التي تعمل من أجل سد الفراغ الموجود فيه، والذي تكشفه كثرة المشكلات التي تواجه مدارس الذكور وعدم قدرة بعض المشرفين (غير المهيئين بصورة علمية) على حل القضايا والمشكلات المرتبطة بمهماتهم كمرشدين اجتماعيين.
العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ