العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ

جمعية «تحرّم» تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

ميرزا سعيد comments [at] alwasatnews.com

-

كأن البلد في حاجة إلى فتنة جديدة، وكأنه لا تكفينا هذه الأجواء المسمومة التي تسود بلادنا حالياً، والتي حولت البعض إلى وحوش ضارية تحاول إظهار واستعراض عضلاتها وافتعال أي مواجهة لدخول معركة تحقق من ورائها مكاسب جديدة، وكأنه أيضاً لا تكفينا حال الانقسام والاحتقان الطائفي التي نمر بها حتى تأتي إحدى الجمعيات الدينية لتوزع منشوراً على المصلين في جميع مساجد البحرين الجمعة الماضي يحذر المسلمين من تهنئة أصحاب الملل الأخرى بأعيادهم أو مشاركتهم الفرحة ويفتي بعدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، باعتبارهم كفاراً، ولا ندري لصالح من هذا الافتعال وخلق هذه القضايا وصرف المسلمين عن أمور أهم تتعلق بدينهم ودنياهم وإدخالهم في عداوات وكره وتباعد مع أصحاب الملل الأخرى الذين نستورد منهم الطعام والدواء والذين نرسل إليهم مرضانا للعلاج، والذين لا نستطيع الاستغناء عما يقدمونه من إبداعات للحضارة والإنسانية، والذين أتى البعض منهم ليشاركنا صناعة مستقبل المجتمع بناءً على طلب منا برغبتنا، في الحقيقة إنني مندهش من قيام هذه الجمعية بتوزيع هذا المنشور، وهل تلقت ترخيصاً بتوزيعه من وزارة الإعلام؟ وأي مطبعة قامت بطبعه؟ وهل وصلت الأمور في بلادنا إلى حدّ أنه يمكن لأي شخص أو جمعية أن يقوم بطباعة ما يريد وتوزيعه على نطاق واسع من دون مبالاة بقوانين الطبع أو النشر؟ وعلى من تقع المسئولية؟ وإذا كانت هناك مسئولية، فمن هو القادر على تطبيقها في ظل هذا النفوذ المتنامي لبعض الجمعيات والجماعات الذي جعلها تعتقد أنها فوق القانون وفوق المساءلة؟ والواقع أنه لا شيء مستغرب هذه الأيام أو مستبعد، في ظل ما يسود المجتمع من قرارات عشوائية وسياسات غامضة وتهرُّب من المسئولية وتداخل في السلطات وتأجيل البت في القضايا أو محاولة تجنب مواجهتها. ولو كان هناك حسم في اتخاذ المواقف لما كان الاستهتار وصل إلى حد التجمهر والتظاهر والدخول في صدامات مع رجال الأمن في مطار البحرين، في عملية تجييش وتهييج مستمرة لتيار معين حتى يظل متحفزاً دائماً وفي حال مواجهة واستعداد للتصعيد والمواجهة. وحين نتحدث عن السياسات الغامضة في مواجهة هذه التطورات فإننا نعني أن الخط السياسي في التعامل الأمني والإعلامي مع الكثير من قضايا المجتمع التي يمكن أن توّلد احتقاناً وتسبِّب تفاقمات وانعكاسات، هو خط لا يتسم بالوضوح أو المعالجة المتكاملة بقدر ما هو محاولة امتصاص للأزمات بالطرق الوقتية والأساليب التقليدية، حتى وإن أدى الأمر إلى تقديم تنازلات مستمرة لتهدئة الأوضاع واستمرار المصالحة الوطنية، غير أنها تنازلات ­ في رأينا ­ أرسلت إشارات خاطئة وشجّعت على مزيد من الضغوط والاستهتار بالقانون أو تجاهله أيضاً. وجاء التعامل الرسمي السلبي من دون حسم لقضايا عدة ليفتح الباب أمام تدخلات واجتهادات ومزايدات على حساب الصالح العام وعلى شكل توجه وسياسات الدولة، مثل ما يتعلق بالسياحة وتوجهاتها، إذ لا توجد سياسة واضحة أو لوائح وقوانين محددة تطبق في هذا المجال، ما فتح الباب لتدخلات وتداخلات، إذ صارت قضية لمن لا ناقة له فيها ولا جمل، وتحوّلت إلى بؤرة صراع مستمر تتفاعل معها قضايا كثيرة كإقامة الحفلات الغنائية أو بيع الخمور وما إلى ذلك. ولقد ساهم مجلس النواب في هذه الحال الهزلية التي نمرّ بها، فبدلاً من أن يكون مجلساً مكملاً للمشروع الإصلاحي لينطلق بنا إلى الأمام، إذ بنا أمام مجموعة من بعض الأعضاء الذين لا يمتلكون رؤية لصناعة المستقبل بقدر ما يختزنون إرثاً هائلاً من الأفكار البالية، قائماً على رؤيتهم وثقافتهم الشخصية وتجاربهم الحياتية، فأدخلونا في دوامة من القضايا الجدلية التي مثّلت نوعاً من الضغوط على الحكومة والأجهزة التابعة إليها، ما دعاها إلى مسايرة الخط والاتجاه نفسه تجنباً لمواجهات دستورية وقانونية تدخل الوطن في متاهة جديدة. ولا نريد أن نخوض كثيراً في تحديد المسئولية عن الحال التي وصلنا إليها الآن، والتي تنذر بخطر أكبر في الطريق، فالواقع أن أطرافاً كثيرة بما فيها الصحافة ساهمت في هذه الفوضى، ولكننا نريد أن نؤكد أنه لابد من وضع نهاية لهذه المرحلة الانتقالية الضبابية وإيجاد علاج سريع لأمراضها، فالديمقراطية التي لا تطوّر نفسها وتستفيد من أخطائها لا ضرورة لها، والديمقراطية التي لا تحقق الرخاء وتقدم المجتمع، هي نوع من العبث والتهريج السياسي، والديمقراطية التي تحمي الفوضى والتسيّب وإساءة حق التعبير ستدفعنا نحو هاوية عميقة لا يمكن الخروج منها بسهولة. ولقد وقفنا في كل المراحل التاريخية خلف قيادة الأسرة الخليفية احتراماً وإيماناً منا بالشرعية وتمسكاً بها، واليوم عندما نؤكد التفافنا حولها ودعمنا الكامل لها، فإننا رجالات هذا الوطن لنأمل أن تكون هناك مراجعة جديدة للكثير من المواقف والسياسات التي تركت الأمور تتفاقم على هذا النحو، فالذين يريدون تدمير المجتمع وخرابه لا يؤمنون بالديمقراطية، والحوار الديمقراطي الوطني غير مجد معهم، هؤلاء يجب مواجهتهم بالحزم والقانون وإلا أضاعوا أنفسهم وأضاعونا معهم

العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً