العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ

أشبه بوداع

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

في يونيو/ حزيران من العام ،2004 طرقت ابواب بعض الصحف لبحث امكان التعاون عبر كتابة مقال اسبوعي أو يومي. من دون اطالة، لم يتحقق أي شيء. عندما هاتفت الأخ منصور الجمري، ابدى استعداده وطلب مني ان اكتب في الشئون المحلية. عرض علي الكتابة مرتين في الاسبوع، السبت والثلثاء. بدأت الكتابة في اوائل شهر يوليو/ تموز حتى اليوم. وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، تلقيت عرضاً من صحيفة «البيان» بالامارات للانضمام الى قائمة كتاب الصحيفة المنتظمين. وبدأت الكتابة اعتبارا من فبراير/ شباط الماضي وحتى اليوم. لم تكن تلك المرة الاولى التي اكتب فيها في صحيفة «الوسط»، فقد حظيت بشرف الكتابة فيها منذ اعدادها الاولى بمقالات مطولة. لكن إذا كانت ذاكرتي ستحتفظ بشيء من تجربة الكتابة في صحيفة «الوسط»، فانها ستحفظ دوما المعاملة الحسنة التي بلغت حد التدليل احيانا بدءاً من الجمري ومدير التحرير الصديق وليد نويهض ومحرر صفحة قضايا الصديق السيدقاسم حسين والاصدقاء في قسم الإخراج محمد باقر وعاصم أمين والسيد ماجد وكل العاملين في ذلك القسم. كانت مشاغلي احيانا، تؤخرني عن الكتابة فيتصلون بي ويسألون بلطف زائد عما إذا كنت سأرسل مقالاً أم لا. ان اجبت بنعم يبقون الصفحة مفتوحة حتى وصول المقال. الاهم من هذا كله، ان مقالي يأخذ طريقه من البريد الالكتروني الى الصفحة مباشرة ثم يمرر الى قسم التدقيق اللغوي. طيلة هذين العامين لم تحذف كلمة واحدة من أي من مقالاتي ولم اجد ان احدا تدخل فيها اللهم الا مرة واحدة باجتهاد من احد المصححين الذين عاتبتهم في المقال التالي ونشر بكل ما فيه. لم اكن اعرف منصور الجمري قبل عودته الى البحرين ولا السيد قاسم، لكن الكتابة خلقت بيننا جسورا وصداقة. كان السيد قاسم يمرر المقال في دقائق ومثله مدير التحرير أبوعادل الذي كان يرفع الهاتف مرارا معلقا على المقال او ما فيه. اما منصور الجمري فلم يكن يقرأ المقالات قبل نشرها. الصيف الماضي، وجدت نفسي في محنة. فمع نشأة الصحف الجديدة التي يديرها اصدقاء لي، عرض عليّ الاصدقاء الكتابة في صحفهم. الصديق والزميل محمد البنكي عرض علي والصديق ابراهيم بشمي ايضا. لكن جوابي كان واحدا للاثنين: «بيني وبين الجمري التزام اخلاقي بالدرجة الاولى... لقد فتح لي الباب عندما كان موصدا من قبل الاخرين، عاملني باحترام كانسان وكاتب، بادر من تلقاء نفسه الى رفع مكافأتي من دون ان اطلب ذلك... انني اعول على الالتزام الاخلاقي اكثر من اي شيء آخر». تعرضت «الوسط» لمشكلات عدة مع العاملين فيها وجلهم أصدقاء وبدا وكأن «الوسط» هي الصحيفة الوحيدة في البحرين التي تتعرض لمثل هذه المشكلات وكانت الاصابع على جاري عادتنا في البحرين تشير الى ابن الجمري. كان هذا يعكس نفسه عليّ بشكل أو بآخر، اقله في سؤال ردده الكثيرون على مسامعي: الى متى ستظل تكتب في «الوسط»؟. كان في السؤال احالة الى شخص منصور لأن كل هذا الضجيج الذي تعالى انما كان يستهدفه شخصياً. شخصياً لا يستوقفني الضجيج بقدر ما تستوقفني الحقائق، كلما دققت في هذا الضجيج وجدت نفسي أمام دخان كثيف لكن من دون نار. ربما اكسب العمل السياسي منصور بعضا من الحذر والخشية تعكس نفسها احيانا في التصرفات. لكن منصور بالنهاية تربى في بيت رجل دين، لديه من النوازع الاخلاقية في تعامله مع الاخرين الكثير لكنه يتوارى خلف هذا الضجيج. اعرف جل الذين يعملون معه واعرف مواقف تعرض لها بعض هؤلاء اظهرت هذه النوازع في افضل صورة، لكن هذه تبقى مواقف في صميم العلاقة اليومية وهي لا تقارن بالضجيج المثار. الفارق انني اعرف بعضا من هذه المواقف واعرف الرجل من خلال تعاملي معه واعرف بعد 25 عاما في العمل الصحافي عقليتنا تماما. نفضل احاديث المجالس وانصاف الحقائق على الحقائق. انضممت الى الصديق ابراهيم بشمي في مشروعه، واصبحت اعمل لوكالة الصحافة الفرنسية واكتب في صحيفة «الوسط» وفي صحيفة «البيان». وطالما ان بطاقتي تقول ان اسمي محمد فاضل وليس عنترة بن شداد، بدأت اشعر بوطأة هذا الجهد. لكن حتى الان انا في محنة، والتوقف عن الكتابة في «الوسط» امر عمدت الى تأجيله قدر الامكان والى ابعد مدى. يوم ان اتوقف سيكون ذلك امرا محزنا لي لأنني من اولئك الديناصورات الذين مازالوا يعولون على الالتزام الاخلاقي اكثر من اي شيء آخر.

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً