العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ

خلال مهرجان «طريق الحرير» 2010... سورية... متحف بـ «سماء مفتوحة» (1 - 4)

«طريق الحرير»... هو ليس اسماً لقصة قرأتها أو عنواناً لفيلم أو مسلسل سيعرض قريباً على شاشاتنا الفضائية العربية، وتتصدر لبطولته إحدى نجمات الشاشة، بل هو اسم لمهرجان سياحي سنوي تقيمه سورية الشقيقة وتدعو إليه مئات الصحافيين والإعلاميين، بالإضافة إلى عدد من وكلاء السياحة من مختلف أركان المعمورة، وذلك بهدف لفت أنظار العالم إلى دمشق وإلى حضارتها وتاريخها... أبطال المهرجان هم أناس يحبون بلادهم ويسعون بذكاء خاص للترويج السياحي لبلادهم كمورد اقتصادي رئيسي، بالإضافة إلى أنهم حملوا على عاتقهم فكرة تعريف العالم بأسره بأن «سورية موئل للحوار الحضاري، وهمزة وصل بين أركان العالم الأربعة».

من خلال «ألوان الوسط» سنذهب بكم إلى «عرين الأسد» لننقل إليكم، وعلى مدى أربع حلقات، صوراً لأجمال المدن السورية، بعد أن انفكت شرانق الحرير فيها، لتنسج لضيوفها في مهرجان «طريق الحرير»... «حكايات» نستطيع قبل أن نرويها للقراء أن نغني أغنية الفنان التونسي لطفي بوشناق: «لاموني إللي غاروا مني... وقالولي أش عجبك فيها... جاوبت إللي جهلوا فني... سورية جننتني... خدوا عيني شوفوا بيها».


حلب... تذوق تاريخها من قلعتها

حلب الشهباء كانت نقطة بداية مسيرة «قوافل الحرير»، حيث شكل أكثر من 200 إعلامي يمثلون مختلف دول العالم، قوافل منظمة انطلقت عبر أسطول سيارات ضخم لتذوق تاريخ تلك المدينة العريقة، فبدءوا بقلعتها.

تعد قلعة حلب واحدة من أضخم القلاع في العالم، ولا غرابة في ذلك، فهي تتربع على تلة في وسط مدينة حلب، والصعود إلى القلعة مهيبة المنظر، يتم بواسطة درج حجري ضخم، فيما كان هناك في السابق درج خشبي متحرك يربط بين المدخل الأمامي والخندق، وهو قابل للرفع في حالات الحرب، ثم تحول إلى درج حجري ثابت، بحسب الدليل السياحي للقلعة.

يستغرق السائح في زيارته لقلعة حلب ساعات طويلة يقضيها في التجول داخلها، متنقلاً بين مبنى وآخر، مستمعاً إلى شرح الدليل السياحي المفصل عن كل مفردة من مفردات القلعة، حيث لكل حجر وزاوية حكاية وقصة تاريخية، فيما مازالت هناك الكثير من الحكايات التي لم تكتشف بعد، التي من أبرزها معبد للحيثيين – وهم إحدى الجماعات التي تعاقبت على القلعة قبل الآراميين والسلوقيين والرومان والبيزنطيين- اكتشفه منقب ألماني منذ ثلاثة أعوام، ومازالت أعمال التنقيب عنه جاريه حتى الآن.

القلعة عبارة عن بناء ضخم مؤلف من أبواب ودهاليز عدة، وقاعات للدفاع والذخيرة، كما يوجد بجانب أحد أبوابها قبر غطي بقطعة قماش خضراء مزخرفة كتب عليها: مقام الخصر أبوالعباس (ع)، وفي مقابل هذا المقام توجد بوابة ضخمه سميت «بوابة الأسدين الضاحك والباكي»، وذلك نسبة إلى رأس الأسدين الحجريين الموجودين على يمين ويسار البوابة، حيث يظهر أحدهما مبتسماً بينما الآخر باكياً. أما في داخل القلعة فهناك عدد من المباني التي منها: قاعة العرش وعدد من الحمامات، بالإضافة إلى جامعين للصلاة. وإذا كان السائح والزائر للقلعة سيستمتع كثيراً في التجول داخلها متنقلاً بين مبنى وآخر، فإنه سيستمتع أكثر من ذلك عند صعوده إلى سطح القلعة ليشاهد مناظر الطبيعة الرائعة وسماء مدينة حلب وجمال أزقتها القديمة وأسواقها القديمة المسقوفة، كما سيستمتع أيضاً خلال زيارته لمنطقة القلعة بتلك المتنزهات السياحية الجميلة والمشروعات والمباني المحيطة بالقلعة، التي عملت الجهات المسئولة في حلب على استثمارها وتوظيفها في خدمة السياح، بحيث تتحقق للسائح أكثر من متعة في زيارة واحدة. ففي محيط القلعة هناك عدد من المباني الحكومية القديمة التي تسعى الحكومة السورية إلى استثمارها بتحويلها إلى فنادق للسياح، كما يوجد بجناب القلعة وأسواقها المسقوفة حمام يسمى «حمام يلبغا الناصري»، وهو حمام تراثي قديم.


ملتقى الأحبة والعشاق

مما هو مسلم به أن القلاع والحصون عبارة عن حضارة لا تنسى عبر التاريخ، لذلك فإن غالبية العشاق والمتزوجين - من سياح وزوار ومواطنين - غالباً ما يقصدون تلك القلاع والحصون تخليداً لحبهم... وقلعة حلب تعد واحدة من القلاع التي تظلل العشاق والعرسان، وتحتضن بين جدرانها كلمات العشق والغزل، فكم جميل عندما ترى زوجين يمسكان بيدي بعضهما بعضاً يتجولان بين زوايا القلعة ليتعرفا على أسباب ثبات تلك القلعة طوال تلك العصور، أو ربما رغبا في أن يستفيدا من «ثبات القلعة» ليخلدا حبهما تحت جدرانها.

بعد جولة ممتعة وطويلة داخل القلعة قامت «قوافل الحرير» بجولة في مدينة حلب، اطلعت خلالها على المدينة القديمة وأسواقها وخاناتها الشهيرة التي من أهمها: «سوق الزرب، خان الجمرك، خان الصابون، خان الشونة».

8 قطط تحرس «خان الشونة»!

«خان الشونة» أحد أسواق حلب القديمة، يقع بجوار قلعة حلب، حيث قامت وزارة السياحة باستثماره كسوق للمهن والحرف اليدوية التقليدية في حلب، إحياء للتراث وحفاظاً على ذاكرة المدينة. يحوي الخان 49 حرفة، وكل حرفة مستقلة عن الأخرى، فهنالك صناعة «الميزر الحلبي» وكذلك الفراء، والخرج، والزركشة، والنحاس، والخط العربي، والنول اليدوي، والخيزران، والفسيفساء، والفخار، والزجاج... وغيرها الكثير من المهن التي يمارسها الحرفيون المبدعون ضمن محالهم.

لكل واحد من محلات «خان الشونة» كما غيره من الخانات، أبواب خشبية تغلق عند انتهاء وقت العمل، إلا أن ما يميز أبواب «خان الشونة» الخشبية هو «حارسة» ضئيلة الحجم قوية الشخصية، تتناوب في الحراسة مع أبنائها وأحفادها السبعة، إن استمعت لبطولاتها في الخان قد تظن أنها «إنسية»، ولكنك ستكتشف بعدها أنها «قطة بسبعة أبناء وأحفاد».

من بطولات تلك «الحارسة الصغيرة» التي يرويها أصحاب المحلات هناك، أنها منعت دخول كلب لأحد السياح الأجانب، إذ دخلت معه في معركة شرسة أجبرته في نهاية المطاف على أن يبقى عند مدخل الخان حتى ينتهي صاحبه من التسوق، ومن ثم تركته يذهب بسلام... أصحاب المحلات يعتمدون عليها في الحراسة، وفي مقابل أمانتها وسهرها، يقومون هم بإطعامها وإطعام عائلتها.


طائرة بفقاعات صابون الغار الحلبي!

من «خان الشونة» انتقلت «قوافل الحرير» إلى «خان الصابون» وهو يقع في الجهة الشمالية من المدينة القديمة والشرقية من «الجامع الأموي»، وهو خان تجاري قديم مارس إلى جانب الخانات الأخرى دوراً اقتصادياً واجتماعياً مهماً في مدينة حلب خلال نشاطاته التجارية.

استمتعت القوافل بروائح الصابون، وخرج الجميع من الخان محملين بأطنان من الصابون الذين اشتروه كهدايا إلى أهلهم وأصدقائهم... ولكثرة ما اشترى السياح من الصابون قال أحد الإعلاميين مازحاً: «أخشى من كثرة الصابون الذي اشتريناه، إذا سقط علينا مطر في طريق العودة إلى أوطاننا تخرج من الطائرة فقاعات صابون كثيرة تملأ السماء، ومن ثم ستكون عودتنا داخل فقاعات الصابون وليس بالطائرة».

من «خان الصابون» أدركنا أذان الظهر، فدخلنا الجامع الأموي لأداء صلاة الظهرين... ويعد الجامع الأموي أحد أهم المعالم الإسلامية التاريخية في حلب، وقد أنشئ في العصر الأموي، ويطلق عليه البعض اسم جامع زكريا بسبب دفن قطعة من جسد نبي الله زكريا (ع).

من الجامع الأموي انتقلنا إلى «سوق الزرب» وهو يقع في الجهة الشرقية للمدينة، وتعود تسميته إلى تحريف في اللغة نتج عن استعمال العثمانيين حرف الظاء بدلاً من الضاد العربية فاسم السوق الأصلي هو سوق «الضرب» حيث كانت تضرب به العملة المعدنية في العهد المملوكي وقبله، ثم تطور تعبير سوق «الظرب» التركي ليصبح الآن سوق «الزرب»، ويتألف السوق من (71) محلاً تجارياً ويمتهن أصحابها بيع المنسوجات وحاجات البدو.

من «الزرب» إلى سوق «النشابين» ويعتبر امتداداً لسوق «الزرب» وهو أقصر، منه إذ يحتوي على (53) محلاً تجارياً تتاجر بالعبي وأنواع المنسوجات من مناديل وأقمشة.

اختتمت «قوافل الحرير» جولتها في أسواق حلب القديمة بزيارتها لـ «خان الجمرك» الذي يقع في «سويقة علي» ويعدُّ أكبر خانات حلب، كما يعرف بـ «الخان الكبير»، أو باسم بانيه محمد علي الشهيد الصدر السابق، إبراهيم خان زاده، ويضم الخان مخازن كثيرة وقاعة فسيحة، ويتميز بزخرفة مدخله الرائعة بنقوشها من خارج الخان، وبضفائر أعمدة الشبابيك المطلّة على داخل الخان.


«أبو بدر» (باب الحارة) يقود حفل الافتتاح!

بعد الجولة الصباحية في القلعة والخانات والأسواق، عادت «قوافل الحرير» لأخذ قسط من الراحة في مقر إقامتها، لتكون على موعد في المساء مع حفل الافتتاح لمهرجان «طريق الحرير»، حيث أقيم الحفل في محيط قلعة حلب بعنوان: «قبلة العالم... سورية ملتقى الجميع». وتضمن حفل الافتتاح عدداً من اللوحات الغنائية الاستعراضية التي تتحدث عن تاريخ مدينة حلب وحاضرها، وقصصاً عن «طريق الحرير» تتجسد بقافلة صينية متجهة إلى سورية، كما شملت اللوحات حوارات شعرية وغنائية، وأخرى عن تدمر التي كانت عاصمة لـ «قوافل الحرير»، بالإضافة إلى لوحات عن الساحل السوري ودمشق وأهميتها في العالم القديم، وذلك بمشاركة الفنان محمد خير الجراح («أبو بدر» في مسلسل «باب الحارة»)، بالإضافة إلى فرقة «إنانا» إلى جانب فرق فلكلورية من الهند وتركيا وبشكيريا وإسبانيا.


«زغرودة الفرح» بنجاح «اللمة»!

ختام حفل الافتتاح كان بزفاف شاركت فيه الفرق الاستعراضية كافة، كما تفاعل معه حضور الحفل، فعلت زغاريد الفرح من فهاة الكثير من السوريات اللاتي كن سعيدات بنجاح سورية في لم شمل أقطاب العالم الأربعة في هذه الليلة... وعلى أنغام أغنية «سورية بتعليها رياح الشدة» ودعنا القلعة إلى مقر إقامتنا... انتهت جولتنا الأولى، ولكن لقاءنا بكم سيتجدد في العدد المقبل في «ملحق ألوان» لنقلكم إلى مدينة سورية أخرى مرت بها «قوافل الحرير».

العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً