العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ

الانتخابات تخفي مكمن السلطة الحقيقية في مصر

الملصقات الدعائية للحملات الانتخابية تملأ شوارع القاهرة      (أ.ف.ب)
الملصقات الدعائية للحملات الانتخابية تملأ شوارع القاهرة (أ.ف.ب)

قبل الانتخابات البرلمانية التي تجري في مصر غداً (الأحد) وقعت اشتباكات بين الشرطة والمنافسين الإسلاميين للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لكن مع ذلك لا تساورهم أي أوهام بشأن نتائج التصويت.

ويهيمن الحزب الوطني الذي يتزعمه الرئيس حسني مبارك على الحكم منذ عقود. ولن تخفف الانتخابات المقبلة قبضته على السلطة. كما تجري مصر ثاني انتخابات رئاسية تعددية العام المقبل لكن حتى لو لم يرشح مبارك نفسه فمن غير المتوقع أن تجري انتخابات ديمقراطية في أكبر الدول العربية سكاناً.

فالمعارضة ضعيفة ومنقسمة على نفسها وتلاحقها الدولة التي تهرع قواتها الأمنية الضخمة لسحق أي تحدٍّ في الشوارع. أما العمال الساخطون الذين يسعون إلى زيادة أجورهم الهزيلة ونشطاء الإنترنت هم أعلى منتقدي الحكومة صوتاً.

وجماعة «الإخوان المسلمين» وهي أقوى حركة معارضة - إذ هيمنت على خمس مقاعد البرلمان - محظورة رسمياً ويخوض أعضاؤها الانتخابات كمستقلين. ودفعت الجماعة هذه المرة بعدد أقل من المرشحين وتتوقع أن تخسر الكثير من المقاعد التي تشغلها في البرلمان وعددها 88. وكتبت صحيفة «المصري اليوم» هذا الأسبوع «اشتعال حرب المسيرات والتصريحات بين الإخوان والوطني» بعد أن اشتبك أنصار الأخوان مع الشرطة. واعتقل العشرات في الفترة التي تسبق الانتخابات. ولا يتوقع أحد أن تغير مواجهات الشوارع النتائج.

ولم يطرأ على المشهد السياسي المصري تغيير يذكر منذ تولي مبارك الرئاسة في العام 1981 بعد أن اغتال إسلاميون سلفه الرئيس أنور السادات. ويخلق هذا الجمود حالة عدم يقين خاصة به. فمبارك عمره الآن 82 عاماً وجددت الجراحة التي أجريت له في المرارة في مارس/ آذار الماضي تساؤلات بشأن صحته وأثارت جدلاً بشأن من سيكون الرئيس التالي لمصر في غياب أي خليفة مرشح وعدم تعيين نائب للرئيس.

ولم يتضح بعد كيف ستعمل المرحلة الانتقالية. وسيكون للجيش الذي قدم كافة الرؤساء المصريين حتى اليوم دور رئيسي لكنه لا يعدو أن يكون واحداً من مراكز قوة عديدة متنافسة. ومن بين مراكز القوة الأخرى جهاز الأمن والحزب الحاكم ودائرة مبارك المقربة من المستشارين والتكنوقراط الذين يعملون على تحرير الاقتصاد ونخبة من رجال الأعمال أصحاب النفوذ.

ويؤكد المسئولون نزاهة جميع الانتخابات. لكن أي انتخابات رئاسية مقبلة قد لا تزيد عن كونها مباركة للخليفة الذي ستختاره المؤسسة الحاكمة بأي آلية.

ويقول المحلل السياسي، ايساندر العمراني «شيء واحد يثير حفيظة الناس سواء المستثمرين في مصر أو المصريين في بلادهم هو انعدام الرؤية». ولم يعلن مبارك ما إذا كان سيخوض انتخابات الرئاسة المقبلة لكن مسئولين أشاروا إلى أنه سيفعل وأن حالته الصحية تسمح بذلك. وإذا لم يفعل يعتقد معظم المصريين أنه يعد ابنه جمال (46 عاماً) أمين السياسات بالحزب الوطني والمصرفي السابق لخلافته.

وقال دبلوماسي غربي عن جمال «نحاول بالتأكيد العمل معه إذ نعتبره خليفة محتملاً». مضيفاً أنه لم يحظَ بعد بقبول 79 مليون مصري يكافح كثير منهم لكسب قوتهم. ويفتقر جمال لخلفية عسكرية الأمر الذي يثير تساؤلاً بشأن ما إذا كان يمكن نقل أعلى سلطة في البلاد إلى شخصية مدنية. وأردف الدبلوماسي «إذا لم يحظَ جمال بتأييد الجيش ومساندة الشعب ربما يواجه متاعب».

وفي صفوف الحزب الحاكم يخشى ساسة مخضرمون عززوا نفوذهم في عهد مبارك من صعود مجموعة شابة من أعضاء الحزب ورجال الأعمال الموالين لجمال. وجمال مقرب من وزراء يقودون عملية تحرير الاقتصاد منذ العام 2004.

وأقر عضو من داخل الحزب بأن «هناك بعض الأشخاص ينتمون لعقلية الستينيات... البعض لا يحب أن يرى هذه السياسات (الاقتصادية) تنجح لأنها ستمنح المزيد من الصلاحيات (للجيل الجديد)». وقال إن الحزب يشهد صراعاً على السلطة.

وتجاهل المستثمرون الأجانب الذين اجتذبهم معدل نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.1 في المئة المخاوف السياسية في الغالب. وقال «بنك أوف أمريكا ميريل لينش» في مذكرة هذا الشهر «نعتقد أن النظام المصري سيتغلب على الصعوبات السياسية التي تواجهه». لكن انخفاض الجنيه المصري إلى أقل مستوى في 5 أعوام أمام الدولار في نوفمبر/ تشرين الثاني يشير إلى بعض المخاوف.

ويقول المسئول في شركة «بيكتت» لإدارة الأصول في لندن، أوليفر بيل: «إذا قلت لي أن نفس الفريق (الاقتصادي) سيقوم بنفس الشيء خلال الأعوام الثلاث أو الأربع المقبلة لكن تحت قيادة مختلفة مع بعض الفوارق الدقيقة سأشعر براحة تامة. لكن المشكلة تكمن في المجهول». لكن بريق 6 سنوات من النمو الاقتصادي السريع يثير تساؤلات المصريين عن كيف تحسنت أوضاعهم.

ومثال على ذلك السكان الفقراء لحي رملة بولاق العشوائي الذين يعيشون على أطراف مجمع أبراج «نايل سيتي» التي تضم فندق فئة خمس نجوم ومركزاً تجارياً فاخراً. وتشتكي أم دينا (34 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال قائلة هناك «ناس فوق وناس تحت في هذا البلد» ولا يوجد أحد في المنتصف.

وتساعد أم دينا زوجها الذي يبلغ مرتبه 700 جنيه في الشهر (123 دولاراً) بتوفير أماكن في الشوارع المليئة بالحفر لصف سيارات الموظفين الذين يعرضون عن دفع رسوم مرأب «نايل سيتي» المشيد تحت الأرض. ويساعد ما تكسبه أم دنيا في إطعام الأسرة. ويبلغ معدل تضخم الغذاء في مصر 22 في المئة.

ويقول عضو أمانة السياسات في الحزب الوطني، محمد كمال إن النمو الاقتصادي يمكن أن تشعر به «بعض القطاعات وليس كل القطاعات... قضية العدالة الاجتماعية وتخفيف حدة الفقر يحظى بأولوية في سياسة الحزب والحكومة». ويتغنى الزعماء المصريون بمثل هذه العبارات لعقود من الزمن لكن منافسيهم أخفقوا في الاتحاد لتشكيل حركة قادرة على حشد السخط الشعبي المكبوت.

وتحاول جماعة «الإخوان» تجنب مواجهة قد تعرض للخطر إستراتيجيتها طويلة الأمد لحشد الدعم الشعبي من خلال تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية. وبموجب القواعد الحالية يستحيل تقريباً وجود مرشح حقيقي لانتخابات الرئاسة من دون مساندة الحزب الحاكم.

ولم تحرز حملة خاضها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي لتطبيق إصلاحات تمكنه من خوض انتخابات الرئاسة العام 2011 أي نجاح حتى الآن على رغم أنه لم يفقد الأمل. وقال البرادعي عبر البريد الإلكتروني «بعد 58 عاماً من القمع سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتغلب الناس على خوفهم ويحتشدون من أجل التغيير... لذا من الطبيعي أن يحتاج التغيير بعض الوقت لكنه حتمي».

ونادراً ما تجتذب المظاهرات المناهضة للحكومة أكثر من بضع مئات وتطوقها أعداد كبيرة من قوات الأمن. ويقول منتقدون إن البرادعي الذي قضى عقوداً في الخارج قبل عودته لمصر لم يكون شبكة محلية لحشد الزخم اللازم للتغيير. ويضيف الناشط والمدون حسام الحملاوي «لم يفعل شيئاً فيما يتعلق بالتنظيم على الأرض. لم يشارك في الاحتجاجات بالقدر الذي أراده الناس».

واستفاد الحملاوي من الحرية النسبية المتاحة على الإنترنت ليستخدم مدونته (عرباوي دوت أورج) في إلقاء الضوء على تنامي الاحتجاجات والإضرابات المطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 35 جنيهاً منذ العام 1984. وأوصت هيئة حكومية بزيادته إلى 400 جنيه وهو ما يتجاوز مباشرة خط الفقر الذي يبلغ دولارين في اليوم.

ويرى الروائي علاء الأسواني وهو أحد منتقدي الحكومة أن المتاعب الاقتصادية قد تؤدي إلى انفتاح النظام السياسي في نهاية المطاف. وقال «لا يقلقني أن الكثير من الاحتجاجات تحدث للمطالبة بزيادة أجور العمال. هذا هو جوهر التغير الديمقراطي. عندما تتحدث عن العدالة فأنت تطالب بالديمقراطية».

العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً