العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ

بين حقول الرُّمان «الحلال والحرام» رويت حكايات «حجاج سمعان»!

خلال مهرجان «طريق الحرير» 2010... سورية متحف بـ «سماء مفتوحة» (2 - 4)

قالوا في السفر: «تغرب عن الأوطان، وسافر، ففي الأسفار خمس فوائد: تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد»... هذه الفوائد الخمسة ربما كنت ستكتسبها جميعها لو كنت فرداً من أفراد طاقم «قوافل طريق الحرير 2010» في سورية، فعلى رغم أن السير على خطى الأوائل لابد أن يكون طويلاً، فإنه قد يكون فرصة للتعرف على المناطق الأثرية والحضارية السورية القديمة بتراثها وإنسانها الذي أسس وأنتج هذه الحضارة العظيمة، أضف إلى أنك ستحظى بفرصة طيبة لتذوق أفضل الثمار الطازجة من أرضها الطيبة، وخصوصاً أن هذا الوقت هو موسم للرُّمان والتين والفستق الحلبي، وهي فواكه عادة ما تصل إلى بيوتنا «منهكة ومتعبة» من عناء سفرها ورحلتها من شحنها إلى تعبئتها من سورية إلى البحرين.

في الحلقة الثانية من سلسلة جولة «ألوان الوسط» في «عرين الأسد» عبر «مهرجان طريق الحرير»، سنستكمل معكم الحكاية من حيث وقفنا في حلقة البداية، فبعد جولة «قوافل الحرير» الأولى في حلب القديمة، واستمتاعها باستعراضات حفل الافتتاح، عادت في صباح اليوم التالي لتنطلق في جولة جديدة... فعلى أنغام «الدبكة»، وفي أجواء من البهجة، سارت «القوافل» باتجاه قلعة سمعان العمودي، وهو قديس وناسك سوري ولد في قرية سيسان بين سورية وقليقية في الربع الأخير من القرن الرابع. عاش في منطقة حلب وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في مدن ومناطق الشمال السوري كافة، ومنها إلى أوروبا.

سمعان العمودي وحج المسيح!

يقع دير القديس سمعان وقلعة سمعان، وفيها العمود الذي تعبد وتنسك فوقه القديس سمعان، في منطقة جبل سمعان شمالي حلب في سورية، ويبلغ طول العمود حوالي 15 متراً، كان القديس يقضي صومه منتصباً على قمة العمود ليلاً ونهاراً من دون طعام أو شراب، ويقال إنه توفي بهذه الهيئة، وعلى مر العصور أصبحت الكنيسة في جبل سمعان وحتى هذا العصر مقصداً للحجاج المسيحيين من أوروبا والشرق.

قوافل الحجاج المسيح كانت، وخلال زيارة «قوافل الحرير» لقلعة سمعان، موجودة هناك، حيث تظهر في الصور التي التقطتها «ألوان الوسط» عدداً من سيارات أولئك الحجاج، المجهزة لتلبيك احتياجاتهم خلال رحلة الحج التي يقومون بها من دولهم حتى سورية.

«ألوان الوسط» كانت لها فرصة لتلعرف على أحد أولئك الحجاج، وهو الحاج المهندس عبدالمسيح الشافي، إذ قال: «كنت محظوظاً هذا العام، إذ سمحت لي الفرصة لأن أكون هذا العام أحد الحجاج إلى دير القديس مار مارون، وخصوصاً أن هذا العام هو سنة اليوبيل الذهبي للقديس مار مارون ومرور 1600 سنة، والحمد لله على ذلك... فقد حظينا بفرصة إحياء قداس شارك فيه عدد كبير من المسيحيين».

بين الرُّمان «الحرام» وا»لحلال»!!

بعد قلعة سمعان كان يفترض أن تسير «قوافل الحرير» باتجاه منطقة «براد» للوقوف عند ضريح القديس مار مارون، إلا أن الوقت داهمنا والطريق طويل إلى مقر إقامتنا في حلب، وخصوصاً أنهم كانوا على موعد مع حفل موسيقي ساهر هنا، فتوجهت «القوافل» مباشرة ومن دون توقف إلى حقول الرُّمان لتناول طعام الغداء في مطعم «جبل الأحلام». أثناء المسير كانت تدور الأحاديث بين أفراد طاقم القوافل عن حلمهم في قطف رمان من تلك الحقول الكبيرة وتذوق طعمها الطازج، فما كان من سائق السيارة «طارق» إلا أن توقف ليقطف بعض الرُّمان من أحد تلك الحقول ليوزعها على الطاقم، ففتح ذلك لنا باب نقاش هل هذا الرُّمان حلال أم حرام؟! الغالبية اقتنع بوجهة نظر المرشدة السياحية التي كانت ترافق الفريق الإعلامي البحريني «فدوى»، إذ قالت: «عندنا نحن في سورية حلال، إذا كنت ستأخذ رمانة أو ثمرة لأكلها، وليس للمتاجرة فيها، وجميع أصحاب تلك الحقول يعرف بأن المارين على حقولهم سيقطفون رماناً لتناوله»... اقتنعت الغالبية إلا أن «صوتاً معارضاً» لم يقتنع بهذا الكلام، فصاحب الحلال لم يأذن بقطف الرُّمان، فلم يأكل من الرُّمان الطازج.

بعد وجبة الغداء، اقترح سائق السيارة «طارق»، وقبل أن تنطلق القوافل للتجهيز للحفل الموسيقي، أن نتوقف عند أحد تلك الحقول لنستأذن أصحابها لقطف رمان «حلال» بما أن أحد أفراد الطاقم الإعلامي لم يتذوق طعم الرُّمان الطازج، فتوقفنا في حقل كبير تملكه عائلة سورية، فاستقبلونا وبدلاً من أكل الرُّمان الطازج «الحلال» أكلنا رماناً وتيناً طازجاً وحلالاً.

«الموسيقى» لغة جديدة للحوار الحضاري

في المساء عادت «قوافل الحرير» إلى وسط مدينة حلب لحضور الحفل الموسيقي الذي أحياه 17 من أعلام الفن والموسيقى من 13 دولة عربية وأجنبية، في عمل مشترك جسد حواراً موسيقياً بين ثقافات وحضارات «طريق الحرير»، فقد تبادل الفنانون والعازفون مقطوعات موسيقية من تراث بلدانهم لأكثر من ساعة ونصف الساعة بأسلوب جسد أهمية الموسيقى كلغة عالمية للإبداع والتفاهم، حيث امتزجت أصوات الفنانين مع أنغام الموسيقى الصينية والتركية والهندية والإسبانية والعربية بألوانها المتنوعة والمعبرة عن المخزون الحضاري الأصيل لكل منها.

شارك في الحفل الفنان التونسي لطفي بوشناق الذي أضفى أداؤه طابعاً مميزاً إلى جانب مطرب المقام العراقي حسين الأعظمي، والمغنية المغربية فدوى المالكي، ومغنية «الفلامينكو» روسيو ماركيز مع عازف جيتار «الفلامينكو» الإسباني كيليرمو كيلن، وعازفة القانون الأرمنية هاسميك لي لويان، وعازف الناي التركي أحمد إسلام توز، وعازف القانون العراقي حسن فالح، وعازف آلة التيتار التراثية الإيرانية كيوان ساكت، والعازف الهندي أرناب جاكرابارتي مع عازف الإيقاع بروديبتو لاهيري، والعازف والمغني القطري عبود خواجة، وعازفتي «كالتيرو» و»السيتار» الصينيتين مازياو هوي وسين لي، وعازف الإيقاع الأردني ناصر سلامة، إضافة إلى الفنان السوري شادي عبدالكريم وهو أحد رواد الغناء العربي والصوفي، وذلك بقيادة عازف العود السوري حسين سبسبي.

تعب الوصول إلى ساحل اللاذقية

كان بود «قوافل الحرير» أن تبيت ليلة أخرى في حلب الشهباء لتزور «أبو العلاء المعري»، وخاصة أن «معرَّة النعمان» ليست ببعيدة عن حلب واللاذقية، إلا أن الطريق إلى الساحل طويل ومتعب، كما أنه مخيف قليلاً من ظلمته ومنحنياته الكبيرة، إلا أننا وصلنا إلى تلك المدينة الساحلية في منتصف الليل، وبالكاد أخذ كل واحد منا مفتاح غرفته حتى هوينا مخادعنا متعبين، وغداً صباح جديد ورحلة ممتعة إلى مكان آخر، تركنا حكايتها إلى العدد المقبل من ملحق «ألوان الوسط».

العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً