العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ

اللاذقية... لؤلؤة المتوسط وجنة لا ترتوي العين من مرآها

خلال مهرجان «طريق الحرير» 2010... سورية متحف بـ «سماء مفتوحة» (3 - 4)

اللاذقية... لؤلؤة البحر المتوسط، وهي مدينة ساحرة تتمتع بطبيعة خلابة، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي الميناء الرئيسي في سورية... كان لقوافل مهرجان «طريق الحرير» 2010 فرصة للتعرف على هذه المدينة الخلابة المميزة بساحلها الرائع وغاباتها الخضراء حيث تجمع البحر مع الجبل، في مشهد ساحر يسرق الألباب، ولروعتها لا ترتوي العين من مرآها.

بعد رحلة متعبة وسط الظلام من حلب إلى اللاذقية، لم يستطع أفراد «قوافل الحرير» أن يقاوموا لذة النوم بعد الرحلة المتعبة، إلا أنهم أفاقوا في صباح اليوم التالي على صوت يناديهم (القوافل) للقائه، إنه هدير البحر المتوسط الذي أيقظ الجميع منادياً ومرحباً بضيوف سورية، الذين ما إن سمعوا صوته حتى فتحوا شبابيك غرفهم المطلة على البحر الأبيض، وتنسموا هواءه العليل، ارتسمت على وجوههم ابتسامة جميلة متفائلة بمغامرة رائعة جديدة في هذه المدينة... فلنمض ِ مع «ألوان الوسط» في رحلة إلى هذه المدينة الساحرة.


وقفة على أطلال أوغاريت

بداية الرحلة كان إلى مدينة «أوغاريت»، وهي مملكة قديمة تقع أطلالها في موقع «رأس شمرا» تتبع محافظة «اللاذقية» في سورية على مسافة 12 كم إلى الشمال من مدينة اللاذقية على ساحل البحر المتوسط. في تلك المدينة اكتشفت أقدم أبجدية في العالم، هكذا يقولون، وقد عثر فيها حتى الآن على حوالي ثلاثة آلاف لوح فخاري تعود إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر قبل الميلاد، مكتوبة باللغة الكنعانية، والأكادية والبابلية.

في أوغاريت كانت لنا وقفة قصيرة، على أطلالها الحجرية، إذ يبدو أنها مدينة كانت مدفونة تحت الأرض، فتم نبشها والكشف عنها شيئاً فشيئاً، ولاتزال مساحة كبيرة منها لم تكتشف بعد، وهي بحاجة إلى سنوات طويلة من الحفر والنبش.


عاشق جيولوجي حوَّل منزله لـ «جنة الآثار»

بعد أطلال أوغاريت لم نزل في جو الآثار، إذ توجهنا نحو المتحف الجيولوجي للدكتور فواز الأزكي، وهو كما يطلق عليه الجميع «العاشق الجيولوجي الكبير»، إذ من فرط حبه للجيولوجيا حول بيته الريفي الوحيد إلى متحف جيولوجي هو الأول من نوعه في سورية، فبعد انتهائه من أعماله التنقيبية في سلسلة الجبال الساحلية، وحرصاً منه على استفادة أكبر عدد ممكن من الباحثين والطلاب والمهتمين من مكتشفاته، قام بتحويل منزله في قرية قسمين (شرق اللاذقية 20 كم) إلى متحف جيولوجي.

ينقسم المتحف إلى متحفين: الأول هو متحف الهواء الطلق، وتبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويحتوي على عينات ضخمة لجميع الصخور الموجودة في سورية (أكثر من ستين عينة) تبلغ أبعادها بين 50 سم و200 سم، وتبلغ أوزانها بين 75 كغ و1500 كغ. ولقد تم وضع هوية على كل عينة كتب عليها اسمها ومصدرها وتركيبها.

كما يحتوي متحف الهواء الطلق على مجسم لديناصور عاشب (بحسب طوله الحقيقي حسب المراجع العالمية) بطول 23م وارتفاع 7م، وجسم آخر لآخر ديناصور منقرض وهو الديناصور اللاحم «تيراناصور» بطول 5م وارتفاع 3م، بالإضافة إلى مجسم للكرة الأرضية بقطر 2م.

أما القسم الثاني فهو المتحف الداخلي، إذ تبلغ مساحته 130 متراً مربعاً، ويحتوي على ثلاثة أركان: ركن المستحاثات: ويحتوي على أكثر من 120 مستحاثة تمثل جميع المستحاثات الموجودة في سورية. وتم وضعها ضمن صناديق خشبية نموذجية ذات واجهات زجاجية، وتم وضع هوية لكل مستحاثة، تتضمن اسم المستحاثة ومصدرها وعمرها.

وركن آخر للمنيرالات (الفلزات) ويحتوي على أكثر من 80 منيرالاً تمثل جميع المنيرالات الموجودة في سورية. وتم وضعها ضمن صناديق خشبية نموذجية ذات واجهات زجاجية، وتم وضع هوية لكل منيرال تتضمن اسم المنيرال ومصدره وتركيبه. وركن آخر للمجسمات والخرائط، ويتضمن مكتبة علمية جيولوجية تحتوي على أكثر من ألف مرجع باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والرومانية والعديد من مجسمات التكتونيك والعديد من المصورات والخرائط، وأهمها أقدم خريطة جيولوجية لسورية. ويحتوي المتحف على ركن للمختبر لفحص العينات وقصها، وعلى غرفة نوم للباحثين الزائرين مع دورة مياه ومطبخ وهاتف وإنترنت، بالإضافة إلى ركن للمحاضرات.

وهذا المتحف تحت تصرف جميع الباحثين والطلاب والمؤسسات التعليمية، ويطمح الباحث الأزكي إلى أن يشكل هذا المتحف صرحاً علمياً وثقافياً وسياحياً لوطنه .


«مشقيتا» وبحيراتها السبع

بعد الجولة الجيولوجية الرائعة في متحف الأزكي، اتجهنا إلى منطقة «مشقيتا» للقيام بجولة بحرية بالقوارب، وسط سبع بحيرات شكلت وسط غابات «مشقيتا» أجمل لوحة طبيعة نشاهدها في «طريق الحرير»... ركبنا القوارب المعدة للرحلة، وأخذتْ تمخر بنا وسط الماء الدافق، وعلى أنغام الدبكات وتصفيق الوفود جسد عدد من المرشدين السياحيين السوريين حلقات لرقص الدبكة السورية مع عدد من أفراد الوفود.


جنود صلاح الدين يستقبلون «قوافل الحرير»

وبعد جولة استغرقت ساعة، عدنا إلى المرفأ من جديد، وبعد وجبة الغداء في أحد المطاعم الريفية اتجهنا لزيارة «قلعة صلاح الدين الأيوبي»، التي تقع على ربوة عالية والطريق إليها مهيب ومخيف، إذ كاد صوت رجوع عجلات السيارة إلى الوراء أن يوقف قلوبنا... القلعة كانت أشبه بسفينة محلقة وسط مساحات خضراء.

وصلنا القلعة، وقد جهزت وزارة السياحة السورية لاستقبالنا استعراضاً باهراً لمجموعة من الشباب رسموا لوحات تمثيلية للحقب التي مرت على هذه القلعة. كانت عباءتي وأنا أسير على درج القلعة الحجري محط أنظار أولئك الجنود الصغار الذين تجهزوا لاستقبالنا، فما كان من أحدهم إلا أن أنزل سيفه وسألني: الأخت سعودية؟!، فأجبته بلهجتهم الشامية: «ما حزرت»، ومن هنا تتالى «أصحاب السيوف» علي لسؤالي، وكانت إجابتي واحدة وهي: «ما حزرت»، حتى وصلت إلى آخر سلم القلعة وأحسست بهيبتها، وبابتسامة قلت: أنا بحرينية.

قلعة صلاح الدين كانت مسك ختام طريقنا في اللاذقية، وللرحلة في خطى «طريق الحرير» سرد آخر وتتمة قادمة نرويها لكم في «ألوان الوسط» في العدد المقبل، ولكن هذه المرة من «تدمر» مملكة زنوبيا.

العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً